هل تعلم أن الابتسامة لها فعل السحر في العقول؟ وهل تعلم أن الابتسامة أصبحت علمًا يدرس وفنًّا يمارس لتحسين العلاقات الاجتماعية وتنمية الجوانب الاقتصادية والدبلوماسية؟ وهل تعلم أنه تم الاعتراف بالابتسامة كعلم في بداية القرن العشرين وسمي بـ”علم نفس الضحك”؟ لا شيء يعادل الابتسامة المشرقة، فهي سر من أسرار الجاذبية، وطريق مختصر للتجاذب بين القلوب. الابتسامة هي لغة اللطف العالمية، إنها نور النهار للإنسان المُحبط، ونور الشمس للإنسان الحزين. الابتسامة تعبّر أكثر من الكلمات المنطوقة. الابتسامة وقود الحياة ونورها، وبدونها لا لَوْن لها ولا طعم، بل إن الابتسامة عنوان للحياة السعيدة. ولو أردنا أن نرسم الحياة بكل جمالها، لكفانا من كل ذلك أن نرسم ابتسامة. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق” (رواه مسلم). ويقول المثل الصيني: إن الذي لا يحسن الابتسامة لا ينبغي له أن يفتح متجرًا. فالابتسامة الصادقة النابعة من شغاف القلب تفعل فعل السحر وتجذب كالمغناطيس، وهي التي تزيد الوجه رونقًا وبهاء، لا الابتسامة المصطنعة التي تخفي وراءها الكيد والمكر.

الابتسامة الحقيقية لا تصنعها الشفتان، وإنما يشارك في صنعها كل جزء وكل زاوية من أجزاء وزوايا الوجه؛ فالعينان تشعان ببريق غريب، وملامح الوجه بأكمله تبدو أكثر إشراقًا.. وعندما تكون الابتسامة نابعة من القلب، يشارك فيها الأنف والوجنتان، وحتى الشعر، ويكون دور الشفاه هو الأقل في ذلك. فعندما جلست “موناليزا” أمام “ليوناردو دافنشي” ليرسمها، وابتسمت تلك الابتسامة التي لا تزال تسحر الناس منذ خمسة قرون، لم تصنع ابتسامتها الشفتان، فقد ظلت الشفتان مغلقتين، وكانت الابتسامة هي تلك المسحة السحرية التي تغطي الوجه بأكمله، وتجعل صاحبتها قريبة إلى قلب كل من شاهدها. وحتى الآن ما زال الناس مندهشين بتلك الابتسامة التي نقلها “دافنشي” بصدق.

في كتابه “إيجابية السعادة” لـ”شون أكور”، يذكر الكاتب “أنه عندما تصبح الابتسامة جزءًا من حياتنا اليومية، فإننا نساعد أدمغتنا لخلق مساحات استمتاع للتفكير بإيجابية أكثر”. وفي كتابها “أسرار خلايا جسمك” تذكر الكاتبة “ساندرا بارت”، أن خلايا الجسم تستطيع معرفة إن كان الإنسان في وضع راحة أو عدمها، فهي تستطيع التعامل مع حالتك الراهنة، وتقوم بتصحيح الخلل، وتبني نوعًا من التوازن في الجسم، فابتساماتنا تليّن من جمود وصلابة خلايانا، مما يمنح لأعصابنا بعض الراحة.

دراسات وإحصائيات

أثبتت الدراسات الحديثة أن حاجة الإنسان للابتسامة تضاهي حاجته للطعام والشراب؛ فالابتسامة تسمح لآلاف الخلايا الدماغية أن تتحرر وتنتعش، وتسمح للشبكة العصبية المسؤولة عن ضخ الدم من القلب إلى الشعيرات الدموية في الوجنتين أن تتنشط، وبهذا تتورد وَجْنة المبتسم أكثر من غيره، بينما يحتقن الدم في وجه الغاضب.

أكد العالم النفساني “روبرت زاجونك”، أن جريان الدم أثناء الحزن والغضب، لا يمنع وصول الأوكسجين إلى الدماغ وحسب، وإنما يولد عدم توازن كيماوي من خلال منع وصول رسائل هرمونية حيوية. وهناك تفسير علمي لهذه الظاهرة بحسب رأي طبيب علم الأعصاب “ماركو لوكابوني”، إذ يقول: “نحن جميعًا لدينا ما يسمى “مرايا عصبية” في أدمغتنا، تتفاعل عندما نقوم بأمر ما، ومنها الابتسامة، أو عندما نشاهد أناسًا آخرين يبتسمون، فعند الابتسام، تستنفر المرايا العصبية، وتقوم أعصاب الوجه بنشاطات حركية تربطها بالابتسامة. الابتسامة تحفظ الدماغ في حالة من الارتياح، في حين أن الدماغ يميل طبيعيًّا للتفكير بشكل سلبي كنوع من الدفاع عن الذات. فالابتسامات المتكررة تمنح الشخص مشاعر الارتياح على تعابير وجهه فتنفرج أساريره.

في دراسة إحصائية أجريت في جامعة كاليفورنيا عام 2013، تبين بأن الناس السعداء الذين يبتسمون دائمًا، كان لديهم منهجية أشمل في معالجة المشاكل بطريقة خلاّقة، إذ زادت قدرتهم على التفكير بخيارات أكثر من الذين لم يبتسموا، وسبب ذلك أن مادة الدوبامين التي يفرزها الدماغ، تساعد الإنسان في عملية التعلّم وأخذ القرار.

وفي دراسة أجريت عام 2004، على موظّفين يعملون بتماس مباشر مع الزبائن، تبيّن أن ابتسامات الموظّفين، تركت أثرًا إيجابيًّا على الزبائن، كما أنها رفعت نسبة الإنتاجية عندهم، فاعتبر المسؤولون عنهم ابتسامتهم نوعًا من الكفاءة.

كذلك أُجريَت دراسة على 170 شخصًا عام 2012 في جامعة كنساس لتحديد فعل الابتسامة، وتبيّن أن الناس الذين ابتسموا أكثر من غيرهم، قد عرفوا انخفاضًا ملحوظًا في سرعة خفقان قلوبهم، مما يعني أن الابتسامة قد ساهمت في تخفيف الضغوطات على المبتسم.

كما أثبتت دراسة حديثة، بأن شعور المرء بالسعادة فيه العديد من الفوائد الطبية، منها أنها تساعد على تخفيف ضغط الدم، وتنشط الدورة الدموية، وتزيد من مناعة الجسم، وتساعد المخَّ على الاحتفاظ بكمية كافية من الأوكسجين، ولها آثار إيجابية على وظيفة القلب والبَدَن والمخ، وتخفف من حموضة المعدة، وتزيد من إفرازات الغدد الصمَّاء، وتؤخر عوارض الشيخوخة.. والسبب وراء ذلك بسيط للغاية؛ فإن السعداء من الناس يفرزون كميات قليلة من هرمونين رئيسين للتوتر المضر بالصحة تسارع بشيخوخة كل عضو في جسم الإنسان.

وقد اعتبر العالم والخبير المعتمد في التنمية البشرية الدكتور “إبراهيم الفقي” -رحمه الله- الابتسامة الجميلة من أفضل وأرخص عمليات التجميل التي يمكن أن يقوم بها الإنسان بدون أي مخاطر أو ألم، بل وتعود عليه بالفائدة الصحية والنفسية.. إذن، فالابتسامة هي بمثابة كنز بداخلنا نمتلكه جميعنا، لكن أغلبنا لا يدرك مدى فاعليته وتأثيره على الآخرين.

إن تجهم الوجه (التكشير والتقطيب) يؤثر بشكل فعال في ظهور التجاعيد على الوجه ولا سيما حول العينين. فالابتسامة سلاح فعال ضد التجاعيد، أو على أقل تقدير، تؤثر في تأخير ظهور التجاعيد بسبب ارتخاء عضلات الوجه أثناء الابتسامة. لقد تبين للعلماء أن وجه الإنسان يحتوي على حوالي80 عضلة، وعندما يغضب وترتسم علامات الانفعال على وجهه، فإن معظم هذه العضلات تشارك في هذا الانفعال، لكن الشيء اللافت للانتباه أن الابتسامة لا تكلف عضلات الوجه أي طاقة تُذكر، لأن عددًا قليلاً من العضلات يشارك فيها. ومن هنا استنتج علماء النفس، أن تكرار الابتسامة يريح الإنسان ويجعله أكثر استقرارًا، بل إنهم وجدوا أن هذه الابتسامة تقلل من حالة الاكتئاب التي يمر بها الإنسان أحيانًا. يقول علماء البرمجة اللغوية العصبية، إن أحد أساليب النجاح الأقل كلفة، هي الابتسامة؛ فالإنسان الذي يتبسم في وجه من حوله، يمنحهم شعورًا بالاطمئنان ويزيل الحواجز بينه وبينهم، وبعبارة أخرى، فإن تكرار الابتسامة يكسب الآخرين الثقة بهذا الشخص المبتسم.

الابتسامة هي المفتاح الأول لكل القلوب المغلقة، والابتسامة إشراقة روح، وإطلالة نفس وصورة فؤاد، والابتسامة الحقيقية لا يمكن تزييفها، فهي كالذهب عبثًا يحاول المخادعون تقليده ولكن بريق الذهب ليس كأي بريق.

سحر الابتسامة

ابتسم ولا تجعل الابتسامة تفارق وجهك، لأنها تطيل العمر، وتفتح أبواب الرزق، وتجعل في وجهك القبول قبل طرح أفكارك، وتجعل من ملامحك لوحة فنية ساحرة يتوقف أمامها الجميع.. الحياة لا تستحق منا كل هذا العبوس، إنها قصيرة جدًّا فلنعشها بابتسامة، ونملأ حياتنا بالسعادة والتفاؤل والقبول.. ابتسامتك جواز سفرك للقلوب ولا تكلفك شيئًا.

كن مبتسمًا دائمًا.. فأنت لا تدري من سيقع في حب تلك الابتسامة، لأنها لغة موحدة يفهمها جميع البشر، ولباس موحد للجميع.. وهنا يكمن سحرها ومعجزتها، فهي لا تحتاج مترجمًا ولا خياطًا ولا عارضات أزياء.. هي متاحة ومتوفرة لكل البشر، وهدفها السعادة والفرح والاحترام، إنها علاج للنفس والروح. وكم من الحواجز تحطمت على بريق الابتسامة التي بددت جبال المشاكل التي هي أشبه ما تكون بجبال ثلجية ما إن تلقاها حرارة الابتسامة إلا وسارعت بالانصهار والذوبان.

صفوة القول: إن الابتسامة في الوجوه عمل بسيط ويسير، غير مكلف ولا مجهد، لكن لها الأثر الكبير في نشر الألفة والمحبة بين الناس، وهي سُنَّة من سنن المرسلين، وصفة من صفات المُؤمنين، وسِمَة نبيلة من سمات النبلاء، ولغة سامية من لغات الحضارة البشرية.. فهي أسرع طريق إلى القلوب، وأقرب باب إلى النفوس.. وهي من الخصال المتفق على استحسانها وامتداح صاحبها.. وقد فطر الله الخَلْق على محبة صاحب الوجه المشرق البسَّام. إن الابتسامة كالسحر، تبث الأمل في النفس، وتزيل الوحشة من جوفها، وترسم السعادة من جديد، وتحيي روح القلب.. فلِمَ لا نرسمها دومًا على شفاهنا لنجتاز ما يعيقنا ويعثر طريقنا؟ الابتسامة هي أسلوب مهم للنجاح في الحياة، جرِّب سحر الابتسامة عندما تتعرض لبعض المشاكل، وسترى أثر الابتسامة في ذلك.

(*)  استشاري في طب وجراحة العيون / مصر.

المراجع

(1) حتى لا تكون كلا طريقك إلى التفوق والنجاح، عوض بن محمد القرني.

(2) ثلاثية النجاح: الطريق إلى النجاح من القرار الصحيح إلى لحظة التميز، محمد بنساسي.

(3) فن الابتسامة، شائع محمد الغبيشي.

(٤) العديد من مواقع الشبكة العنكبوتية.