الأصل في الإنسان المسلم أن يكون صادقًا؛ صادقًا مع الله، صادقًا مع الخلق، صادقًا مع نفسه:
أولاً: الصدق مع الله:
بأن يعبدَهُ سبحانه وتعالى حقَّ عبادته؛ يؤدي ما أمره الله به، ويجتنب ما نهاه الله عنه.. يوفِّ بعهده الأول مع الله، ذلكم العهد الذي أخَذه الله على بني آدم في عالم الأزل بأن يعبدوه وُيطيعوه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ فهذا هو الميثاق الأول.. وكذلك الشأن في كل عهدك مع الله جلَّ في عُلاه..
وقد وصفَ القرآن الكريم من يوفون بهذه العهود ويصدقون مع الله بالرجال، وهو وصفٌ عزيز لمن اتَّصف به؛ قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ عاهدوا الله سبحانه وتعالى على الطاعة، وبايعوا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على النُصرة، فوفُّوا بعهدهم وصدقوا في وعودهم، وهذه هي شيم الرجال الكبار.. بخلاف الكذب والمراوغة في الحديث وهذه صفات المنافقين والعياذ بالله. فهذا هو الصدق مع الله..
ثانيًا: الصدق مع الخلق:
بأن يكون المؤمن صادقًا مع غيره.. فلا يتكلم إلَّا صدقًا ولا ينطق إلَّا حقًّا، فتجد عليه من الجمال والبهاء والسمت الحسن ما يبسط له القبول بين الناس؛ لأن الصدق صفة جمالية تضفي على الإنسان جمالاً وبهاءً؛ ولذلك كان من أكثر الصفات التي عرفها الناس في النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبل الدعوة صفة الصدق.. فكان يُعرف بالصادق الأمين، وكلُّ صفاته صلى الله عليه وآله وسلم على أعلى مثالٍ في الجمال والكمال. وكذلك سيدنا أبو بكر الذي لُقِّب بالصديق، لأنه صدق وصدَّق رضي الله تعالى عنه.
ومـا شـيء إذا فـكَّـرتَ فـيـه | بأذهبَ للمُروءة والجمـال |
مِن الكذبِ الذي لا خيرَ فيـه | وأبـعدَ بالبَهـاء من الرجال |
ثالثًا: الصدق مع النفس:
فيتسق ظاهره مع باطنه، فإذا تكلم تكلَّم بالصدق، وإذا تكلَّم بالصدق دلَّ ذلك على صدق قلبه؛ لأن اللسان مغرفة القلب، وكما قالوا: ما فيك يظهرُ على فيك، وفي الحديث الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنَّما يُعبر عن القلب اللسان).
إذًا: المؤمن مأمورٌ بالصدق على كل حال، ومأمور باجتناب الكذب أيضًا على كل حال؛ فلا يسعه إلا أن يكون صادقًا فقد قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أَيَكُونُ المؤمنُ جَبَانًا؟ فقال: «نَعَمْ»، فقيل لهُ: أَيَكُونُ المؤمنُ بَخِيلًا؟ فقال: «نَعَمْ»، فقيل لهُ: أَيَكُونُ المؤمنُ كَذَّابًا؟ فقال: «لا»)، ويكفي في ذلك ما قاله سيدنا الحسن بنُ علي عليهما السلام قال: “حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ). أي أن الصدق راحة وسكينة، والكذب دائمًا ما يكون ضعف في النفس.
والصدق هو الطريق الأقرب إلى كل خير، وأنه طريق الجنة والسعادة؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا).
فعلينا أن نُمسكَ ألسنتنا في الحديث، وأن نُعَوِّدَهَا ونروِّضها على الصدق، وأن نجتنب قدر الإمكان الحلف والأيمان..
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمنا وينجينا، وأن يرشدنا ويهدينا.. إنه ولي ذلك والقادر عليه..