مشكلة الخوف لدى الأطفال

الخوف حالة شعورية وجدانية يصاحبها انفعال قوي نفسي وبدني تنتاب الطفل عندما يشعر بالخطر أو يتوقع حدوثه، ويكون مصدر هذا الخطر داخليًّا من نفس الطفل أو خارجيًّا من البيئة. والخوف معاناة تبدأ أحيانًا مع الطفل وتستمر مع الإنسان طيلة حياته. وللخوف أصدقاء يستدعيهم ليسكنوا بيت الخائف، وله عائلة تكبر كلما أهملناه وتركناه يتناسل ويتكاثر.

وفي هذا السياق لا بد أن نؤكد على أن الخوف أمر طبيعي وإنساني، وليس هناك على الإطلاق إنسان لا يخاف، بل هو حاجة نفسية لإحداث التوازن النفسي في شخصية الإنسان. وهناك فرق بين الجبن والخوف؛ إذ الجبن ولو ارتبط بالخوف فهو مشكلة مرضية تحتاج إلى علاج.

ويتكون الخوف في نفس الطفل في غالب الأحيان، من خلال المواقف والمعاملة التي يجدها في محيطه، وإذا استمرت تصبح حالة مرضية، والخوف المرضي مكتسب بشكل كبير من المحيط الأسري.

وكل المخاوف مكتسبة ومتعلمة إلا بعض المخاوف الغريزية، من مثل الخوف من الصوت المرتفع، وفقدان التوازن والحركة لا سيما في الأماكن العليا. عندما يستمر الخوف غير المنطقي، يصبح خوفًا مرضيًّا (Phobia)، وهذا يتضمن المخاوف الشائعة لدى الأطفال، كالخوف من الظلام والجراح والأصوات المرتفعة والمرض والحيوانات والمواقف غير المألوفة.

ومن مظاهر الخوف عند الأطفال أن يكون الخوف مصحوبًا بالصراخ والبكاء، أو الصياح المصحوب برعشة، وقد يكون مصحوبًا بالعرق وسرعة دقات القلب واضطراب الكلام، وقد يصاحبه التبول اللاإرادي، وهو يؤثر على نمو الشخصية وعلاقاتها بالآخرين.

أسباب الخوف

1- أسباب عامة: أبرز الأسباب التي تشكل الخوف لدى الأطفال كالآتي:

  • تفزيع الطفل من الأشياء البصرية كالحيوانات، أو الحسية كالظلام، أو تخويفه من الطبيب والدواء والحقنة.
  • الاستهزاء بالطفل الخائف والسخرية من تفاعلاته وانفعالاته من جراء الخوف. وأحيانا يتخذ إخوة الطفل بعض السلوكات التي ترعب أخاهم أداة للاستمتاع والتسلية أمام الأطفال الآخرين.
  • جهل الطفل بكنه الأشياء التي يخافها أو الأحداث التي يسمع عنها.
  • تقليد الطفل للوالدين أو الإخوة أو معلميه أو ما شاهده في وسائل الإعلام، فذلك يجعل الخوف يتسلل لا شعوريًّا إلى نفسيته، فيهاب مما يهابه الكبار ولا سيما الذين يثق بهم.
  • استخدام أسلوب العنف والترهيب بدل التحبيب والترغيب من قبل والديه أو معلميه، وذلك بفرض أعمال معينة عليه، فيصبح ذلك الأسلوب مصدرًا للخوف والقلق، وبالتالي ينشأ الطفل جبانًا خاضعًا لكل شكل من أشكال العنف مهما كان.
  • العناية الفائقة من قبل الوالدين والانزعاج الواضح يكرس لدى الطفل الخوف ويدعمه، بينما غض الطرف وإهمال الموقف يخفف من وطأة التأثير على مشاعر الطفل.
  • ردع انفعال الخوف لدى الطفل من قبل الكبار أو الآباء، وذلك من خلال معاقبة الأطفال عند ظهور هذا الانفعال لديهم، فهم يخافون من أن يصبح أبناؤهم خوّافين جبناء، فيُكرهونهم على الاقتراب من الأشياء التي يخشونها.
  • توتر الجو العائلي بسبب النزاعات والخلافات الزوجية، فذلك يولّد لدى الطفل نوعًا من عدم الاستقرار والأمن والخوف.
  • كثرة الحديث أمام الأطفال حول المخاوف والأمور الغيبية بشكل سلبي، كالحديث عن الجن وظلمهم للناس.
  • هناك مخاوف أخرى تحدث للأطفال لأسباب غامضة لفترات معينة.

2- أسباب خاصة: في هذا الصدد يمكن أن نذكر بعض الأسباب الخاصة التي تؤدي إلى الخوف لدى الأطفال وهي:

أ- أسباب مهيئة للخوف:

  • النقد والتهديد: النقد الزائد والتهديد المتكرر قد يفضيان إلى تطوير الشعور بالخوف لدى الأطفال، حيث يشعرون بأنهم لا يستطيعون فعل شيء صحيح ويتوقعون دائمًا الاستجابات السلبية. فالأطفال الذين يُنتَقدون باستمرار بسبب نشاطهم وفاعليتهم، قد يتحولون إلى أطفال خوّافين وخجولين.
  • الضبط والمتطلبات الزائدة: إن جو البيت الذي يتسم بالضبط الزائد، والنزوع للكمال الزائد، قد ينتج أطفالاً خوّافين بشكل عام، أو أطفالاً يخافون من السلطة بشكل خاص، ومثل هؤلاء الأطفال قد يصابون بالذعر تجاه المعلمين أو رجال السلطة أو غيرهم.
  • الصراعات الأسرية: يمكن أن تؤدي الصراعات المستمرة بين الأبوين، أو بين الإخوة، أو بين الآباء والأبناء حول مشكلات مختلفة، إلى جو متوتر في البيت، وإلى الشعور بعدم الأمن، مما يجعل الأطفال يحسون بأنهم أقل قدرة من غيرهم على التعامل مع مخاوف الطفل العادية، وتتضخم هذه المشاعر في حالة إدراك الأطفال لوجود ضعف في قدرة الآباء على مواجهة المشكلات.
  • تقليد الخوف: إن الأطفال يتعلمون الخوف عن طريق التقليد والتأثر بالخوف الحاصل لدى الكبار، فالأم التي تخاف من الحشرات أو غيرها قد يعاني طفلها من خوف مشابه. وبما أن الخوف يتم تعميمه، فإن من المحتمل أن يطور الطفل خوفًا من أي شيء. وينبغي أن نتذكر أن بعض الأطفال أكثر عرضة من غيرهم للخوف بسبب وضعهم المزاجي العام، ولذا فمن المتوقع أن يعاني أحد أطفال الأبوين الخوافين من حالة خوف شديد، بينما لا يعاني أشقاؤه من أية مخاوف.

بـ- أسباب عميقة:

  • الصدمة: توتر شديد يصاب به الطفل ويستمر معه ويصاحبه شعور بالعجز أمام الأحداث، يتولد عنه بقايا خوف تزداد حدته وتستمر لفترة معينة، لتصبح فيما بعدُ برمجة مرتبطة في عقل الطفل اللاوعي، وفي مشاعره وأحاسيسه، ومن أمثلة هذا النوع، التعرض لعض حيوان، أو لسعة عقرب أو غيرها.
  • إسقاط الغضب: الشعور بالغضب والحدة نتيجة سوء المعاملة، يعرض الطفل لنوبات الغضب من الكبار، والإسقاطات تقوي لديه مشاعر الخوف من العقاب، ويتخيل بأنه موضوع للانتقام من الكبار أو من مصادر يتم تخويفه بها من مثل النار أو الوحوش.
  • التأثير على الآخرين: يمكن للمخاوف أن تنشأ باعتبارها مكسبًا ثانويًّا يحصل عليه الطفل أثناء إظهاره للخوف واستغلاله لاهتمام الآخرين. وهذا يعزز المخاوف لدى الطفل، ويؤدي إلى ازدياد حدتها بتكرارها، ثم تبرمج لتصبح سلوكًا وعادة لدى الطفل. ومن أمثلة هذا النوع، الخوف المرضي من المدرسة والبقاء بالبيت. ويتقوى هذا السلوك المرضي باهتمام الجميع، فينال الطفل ما يتطلع إليه، وبالتالي يصبح هذا الخوف وسيلة للحصول على مكاسب والتأثير على الآخرين.

علاج الخوف

علاج الخوف يقتضي أن نعرف الأخطاء المسببة للمخاوف لدى الطفل، ونعمل على تداركها وتغيير أسلوب التعامل تجاهه. ولذلك كان أول عمل يجب القيام به لعلاج الخوف لدى الطفل، تجنيبه المخاوف التي لا داعي منها. ويمكن الاستعانة بالخطوات التالية لعلاج هذه الحالة المرضية:

1- توجيه الخيال: الخيال عالم واسع المدى في حياة الطفل، لذلك يلزم توجيه الخيال وضبطه لديه؛ حتى لا يتوهم أشياء سلبية وتأثيرات شاذة للصور التي يتخيلها ويتصورها في ذهنه.

2- تقريب المخاوف لإدراك الطفل: ويتم ذلك بتحبيب ما يثير المخاوف لدى الطفل وتزيينه في إدراكه، وربطه بأشياء سائرة.. وتتم هذه العملية عبر خطوات تبدأ بالحديث ثم بالصور ثم بالاحتكاك. فإذا كان الطفل يخاف من أشياء معينة كالحيوانات الأليفة -مثلاً- فيمكننا رواية القصص الجميلة عنها، ثم دورها في حياة الإنسان، ثم استحضار صور جميلة لها، وبعدها يمكن مشاهدتها عن بعد، ثم عن قرب، ثم لمسها بيده، ثم بداية اللعب معها ومداعبتها.

3- تكوين العادة: إن الخوف من الظلام يتلاشى مع تعويد الطفل السير برفق فيه، ثم وحده، وتشجيعه على ذلك.

4- التفكير الإيجابي والإيحاء الذاتي: يستطيع الطفل التغلب على الخوف إذا تعلم كلمات إيجابية إيحائية وحفظها وأكثر ترديدها. ويعتبر هذا الأسلوب من أحسن أنواع العلاج النفسي لما له من دور في برمجة العقل الباطن لدى الطفل.

5- التعليم: المخاوف عادة ما تتولد من الجهل، ولذلك تعليم الطفل حقيقة الأشياء التي تثير الخوف لديه وحجمها الحقيقي وقوة الإنسان أمامها، تخفف حدة التوتر لديه وتهدئه.

6- زرع الثقة في نفسية الطفل: الطفل مهزوز الثقة بنفسه يعاني من الخوف، ولذلك كان علاج ذلك، زرع الثقة بالنفس لديه من خلال إبراز قدراته ومواهبه وإحاطته بالتشجيع والحنان، وأنه يملك القدرة والشجاعة التي تمكّنه من إبعاد الخوف عنه وتحصينه منه.

الوقاية من الخوف

1- تهييء الطفل للتعامل مع التوتر: القاعدة العامة هي تنمية أساليب جريئة وفعالة لدى الطفل في تعامله مع البيئة، ويجب الحرص على تجنب الصيانة الشديدة، وتشجيع التعامل الفعال والإيجابي مع موضوع الخوف. إن من غير المجدي أن نجعل الأطفال يتجاهلون الخوف، أو نبعد موضوع الخوف عنهم، أو نجبرهم على دخول الموقف المخيف.

يلزم أن يعلّم الأطفال إتقان العمل والحيطة والحذر وليس الخوف؛ فمثلاً، إذا أردنا أن نعلّم الطفل كيفية التعامل مع الكلاب، يمكن أن نقول له إن الكلاب الغريبة يمكن أن تعض.. لا تقترب من الكلاب الضالة أو تلاعبها.. تجنب الحركات المفاجئة التي قد تخيف الكلاب.. إذا اقترب منك كلب غريب حافظ على هدوئك واتزانك واستعد للموقف.

2- التعاطف مع الطفل ودعمه: إن أفضل طريقة مباشرة لتوضيح التعاطف، تنمية حرية التفكير وتقبّلها وتقبّل الشعور بجميع أشكاله. وعندما يعبّر الأطفال عن مشاعر الخوف أو الاضطراب، فإن على الآباء أن يكونوا متقبلين، وأن يمدوا لأطفالهم يد العون والمساعدة، لأن أطفالهم محتاجون إلى المساعدة لفهم استجابات التوتر وتفسيرها. وبهذه الطريقة ومثيلتها ينمو الأطفال، ويتعلم أساليب مختلفة للتعامل مع مشاعرهم وأحاسيسهم. إن فهم الطفل ونمو مقدرته على التعامل مع الخوف يجب أن يُمتدح.

3- فسح المجال أمام الأطفال للتعبير عن مشاعرهم  ومشاركة الآخرين بها: من الضروري الإصغاءَ لمشاعر الأطفال باحترام شديد.. فهم يحتاجون ويستحقون بعض التعاطف مع مخاوفهم، ومن المريح لهم أن يسمعوا كلمات، مثل الخوف أمر طبيعي، فالإنسان يمكن أن يشعر بالخوف أحيانًا.

عندما يعيش الأطفال في جو فيه مشاركة بالمشاعر، فإنهم يتعلمون أن الهموم والمخاوف هي أمور مقبولة. وإن هذا يساعد الأطفال على فهم الخوف، وبذلك لا يشعرون بأنهم منفردون في مشاعرهم، أو بأنهم خوّافون وجبناء.

4- إعطاء القدوة في الهدوء والتفاؤل والاستجابة بشكل لائق: يجب ألا تتداول المخاوف باستمرار أو تؤكَّد أكثر من اللازم، مع أن الإقرار بوجود المخاوف واتخاذ موقف شجاع نسبيًّا حيالها، يقدِّمان مثالين جيدين يحتذي بهما الأطفال. ومن اللازم تجنب تكرار التأكيد على الجوانب السلبية في المواقف، فإن ذلك قد يؤدي إلى تنمية اتجاه من الخوف والقلق، فالتشاؤم ينتقل بالعدوى. وإذا أظهر الوالدان الخوف بوجود الأطفال، فإن عليهما أن يتخذا إجراء فوريًّا للتقليل منه، لأن ذلك قد يؤثر على سلوك الأطفال بشكل كبيرة، فإذا أظهر أحد الأبوين اهتمامًا في الرياح القوية والعواصف الرعدية، فإن الطفل يتعلم أن يكون مهتمًّا بها لا خائفًا منها، وهكذا الأمر في شتى المواقف.

وصفوة القول، إن الأطفال يمكن أن يعانوا من الخوف، وعندما يحدث ذلك يحاول الآباء أن يوصلوا للطفل شعورًا بالتفهم، وأن يقفوا إلى جانبه وليس ضده، وأن يهيئوا له جوًّا نفسيًّا من الهدوء النسبي، وأن يساعدوه كيف يتعامل مع مشاعر الخوف والقلق، ويتعلم كيف يتصرف بجرأة على نحو تفاؤلي وإيجابي. ويمكن أن تساعد المواجهة المبكرة والتربية في جعل الطفل يألف المواقف القابلة لأن تصبح مخيفة، كما يمكن تدريب الطفل وتعليمه كيفية التكيف مع المواقف الجديدة بطريقة فعالة وجريئة.

(*) باحث في قضايا الفكر والتربية والأدب / المغرب.

المراجع

(1) مشكلات الأطفال والمراهقين وأساليب المساعدة فيها، شارلز شيفر وهوارد ميلمان، ترجمة: نسيمة داود، ونزيه حمدي، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، ط1/1989، الفصل الثاني (السلوك المرتبط بعدم الشعور بالأمن).

(٢) المشكلات النفسية للأطفال: أسبابها، علاجها، نبيلة عباس الشوربجي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1/2002-2003.