السموم الناقعات غذاء ووقود

يبدو أن العالم مقبل على حقبة جديدة في مجال تكنولوجيات الطاقة النظيفة من خلال إنتاجها من غذاء الإنسان، بالإضافة إلى الطحالب والفحم الأخضر وغيره.. فقد أبدى الباحثون في علوم البيئة إعجابهم بالمصدر الجديد للطاقة صديقة البيئة، ودعوا لتعميمه قدر الإمكان كونه مصدرًا نظيفًا. ولعل هذا ما يفسر سر ارتفاع أسعار تلك السلع عالميًّا، التي تعد قوتًا وغذاء للفقراء في أغلب دول العالم. في المقابل يبحث العلماء عن أغذية جديدة من عناصر بيئية -لم يعتادها الإنسان- مثل الطحالب والشعاب المرجانية.

من المؤكد أنه لم يخطر ببال أمير الشعراء “أحمد شوقي”، أو سيدة الغناء العربي “أم كلثوم”، حين كتب الأول وتغنت الثانية بالقصيدة التي جاء شطر أحد أبياتها يقول: “ومن السموم الناقعات دواء”، أن يدور الزمن لينصرف المعنى إلى ما نقصده في هذه السطور. فالنفايات والقمامة، بما تسببه من أمراض خطيرة ومشاكل بيئية، بات من الممكن التعامل معها باعتبارها مصدرًا للطاقة المتجددة النظيفة. صحيح أن محاولة الاستفادة من النفايات تعود إلى نحو ثلاثة عقود مضت، لكن الجديد أن ثمة خططًا مستقبلية تتطلع للتعامل مع أكوام القمامة في كل مكان، باعتبارها “ذهبًا مموهًا” إن جاز الوصف لصعوبة تحديد لون معين لتلك التلال التي تشمل أنواعًا شتى من المخلفات.

من هنا تأتي أهمية تثمين النفايات، باعتبارها مصدرًا هائلاً لغاز الميثان، الذي يمكن استثماره بسهولة في توليد كهرباء رخيصة. والأهم أن ذلك يقلل من الأضرار البيئية في جانبين، الأول حين يتم التخلص من النفايات، والثاني عند استخدام الميثان على هذا النحو الإيجابي، فالبديل أن ينافس غاز ثاني أكسيد الكربون في مضاعفة مخاطر الاحتباس الحراري.

غير أن توسيع خطط استثمار النفايات في هذا الاتجاه، تبقى مرهونة بتطوير تقنيات توظف ناتج الطاقة على أكثر من صعيد، فإذا كان إنتاج كهرباء للأغراض المنزلية هو الخيار الذي يتم الاستثمار فيه حتى الآن، فإن استخدام غاز الميثان في وسائل النقل يكون بمثابة هدف مستقبلي يمكن التعويل على آثاره البيئية والاقتصادية الطيبة في آن معًا.

مستقبل الاستفادة بالنفايات

بينما يتبنى البعض هذه الرؤية المتفائلة لمستقبل الاعتماد على الميثان الناتج من النفايات، فإن ثمة اتجاهًا آخر يرى فيه بديلاً آمنًا ونظيفًا للطاقة، إلا أن النظر إلى القمامة باعتبارها مصدرًا متجددًا لموارد الطاقة، يدخل دائرة التحفظ .أصحاب الاتجاه الثاني يشيرون إلى أن خفض معدل النفايات يجب أن يكون هدفًا دائمًا للبشرية، وأن إغراء استثمار الميثان لا يعني أن تحيد خطط الصحة العامة والعناية بالبيئة عن جهود تقليل حجم أكوام القمامة بكل ما تمثله من مخاطر صحية وبيئية، كما أنه قد يعطل خطط التدوير لأغراض صناعية.

إلى حد بعيد، فإن من يمثلون هذا الاتجاه محقُّون في تحفظاتهم، لأن إنتاج الميثان بكميات تجارية تؤمن ضخ الغاز بما يضمن استمرار عمل محطات الكهرباء، عملية تفترض ضرورة وجود كميات هائلة من النفايات التي تم “تخميرها” منذ زمن، واستمرارية وتواصل هذه العملية يتطلب تفاعلاً قد يستغرق عدة أعوام.

مفارقة قد لا تنفي أهمية إنتاج وقود نظيف “من السموم النافعات” شرط خفض الآثار السلبية عبر حلول تقنية مبتكرة، توازن بين وجهين للعملة؛ أحدهما له بريق الذهب، والآخر يحمل رسمًا شهيرًا لجمجمة وعظمتين.

ومما زاد من حدة المشكلة، حرق الغابات، وكثافة قطع الأشجار، وحرق القمامة، ومخلفات المزارع، بدلاً من تصنيعها أو تحويلها إلى سماد عضوي أو توليد الغاز الحيوي منها. إذ يؤدي حرق 73 مليون برميل من البترول يوميًّا، إلى إطلاق 4.13 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، علاوة على تولد الغاز من مصادره الطبيعية.

إن استهلاك ثاني أكسيد الكربون بواسطة النباتات النامية على الأرض غير كاف، وأصبح التوسع في الزراعة وزراعة الصحراء هدفًا بعيد المنال، لقلة مياه الأمطار ودورات الجفاف المتكررة. لذا لا بد من الاتجاه إلى البحار والبحيرات، خاصة وأن 99% من الغاز في العالم يوجد في مياه البحار والبحيرات، ويوجد الباقي في الهواء. غير أن هناك حالة اتزان بين الصورتين الذائبة الماء والغازية، وتقوم الطحالب بامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون الذائب في الماء وتمثيله وإطلاق الأكسجين.

تتأثر هذه الطحالب أثناء نموها بعدة عوامل، منها وفرة المواد الغذائية الصاعدة من قاع البحر بواسطة الدوامات البحرية، وتدمير الإنسان لها بإنشاء المراسي وتلوث المياه بالمبيدات والمخلفات والبترول.

الطحالب هل تقضي على المجاعات؟

إن الشعاب تتعرض لمخاطر تقلصها عامًا بعد عام، ويقال إن ثلثها تم تدميره خلال السنوات الثلاثين الماضية، بسبب الحروب والتلوث واصطدامات السفن والسياحة غير المنظمة.. كما ساهم ثقب الأوزون في المزيد من الأخطار، إذ تتسبب الأشعة فوق البنفسجية المتسللة من هذا الثقب في إصابة هذه الشعاب بمرض اسمه “الشحوب أو الابيضاض”، نتيجة اختفاء الطالب الحمراء والخضراء المحيطة بها عند اشتداد موجات الأشعة.

مما يجعلها ذات قيمة اقتصادية لإمكان استغلالها وإكثارها لإنتاج لقاحات ميكروبية وسماد عضوي غني بالآزوت، كما أجري تجارب لاستخدام الأسبيريولينا كمبيد حيوي مضاد للنيماتودا، وتم نشر نتائج هذه الأبحاث في الدوريات العلمية العالمية المتخصصة. وطحلب الأسبيريولين استعمل كمصدر جيد جدًّا للتغذية أيضًا، وإنتاج مستحضرات طبيعية طبية وأعلاف بأمان كامل وبدون آثار جانبية على الإطلاق.

لهذا، الطحلب فوائد اقتصادية جمة وكبيرة، حيث يعدّ مصدرًا هامًّا للبروتين والعناصر الغذائية، ويطلق عليه اليوم غذاء المستقبل. كما يزداد استعماله كإضافة غذائية بروتينية يومًا بعد يوم، حيث تصل نسبة البروتين فيها إلى 65% بالمقارنة مع ٢٠:١٨% في اللحم البقري، و 2٥:2٠% في البيض، ويحتوي على الأحماض الأمينية الأساسية الثمانية، والحديد، والكالسيوم، والبوتاسيوم، والماغنسيوم، والزنك، واليود، والسيلينيوم، وفيتامينات “A, B, C, I, B2,B12″، وبعض السكريات العديدة ومضادات السموم.

بالإضافة إلى أنه لا يكون مواد سامة، إذ يعدّ مصدرًا هامًّا للغذاء، حيث استخدم في إنتاج مسحوق يرش على السلطات والحساء والدهون بأنواعها، وغيرها من الأطباق لإضافة عنصر غذائي آخر لها، ويمكن تعاطيها قبل تناول الوجبات كمهبط للشهية. وهناك منتجات غذائية عالية القيمة، تنتج من الأسبيريولينا في دول أوروبا وأمريكا، مثل الزبادي والكيك والمشروبات.

إن فوائد اسبيريولينا لم تتوقف عند هذا الحد من الاستخدام كغذاء مباشر عالي القيمة للإنسان، بل كانت وسيلة للقضاء على المجاعات، كما حدث في بعض دول أفريقيا -مثل تشاد- حين أضيف 9-13 مللجرامًا لكل وجبة بواسطة منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، لذا امتد استخدامها لتكون غذاء غير مباشر للإنسان بإضافتها للأعلاف، حيث أدى استخدامها كإضافات لعلف الدواجن، إلى زيادة أعداد البيض بنسبة 30% وزيادة حجم البيضة 12% وانخفاض نسبة الكوليسترول ونسبة الكاروتين في البيضة.

واستخدامها علفًا لدواجن اللحم، أدى إلى زيادة أوزان الدجاج، والإقلال من زمن دورة التربية الداجنة، بالإضافة إلى زيادة أوزان الأرانب إلى 20% في نفس الفترة الزمنية للتربية. وبخلطها في أعلاف ماشية اللحم، زادت من أوزان الماشية بنسبة 4% عند إضافتها بنسبة 0.5% للأعلاف. ويعد هذا الطحلب مصدرًا هامًّا لإنتاج أعلاف الأسماك، وتكاثره يمد الزريعة السمكية بمصدر مستمر من أعلاف الأسماك المرتفعة القيمة الغذائية، هذا بخلاف أنها تحافظ على نظافة الأحواض.

الأسبيريولينا غذاء المستقبل

إن الطحالب تحتوي على نسبة منخفضة من الكوليسترول، إذ تحتوي على 9.3 سعر حراري لكل جرام مقابل 65 سعرًا في كل جرام من اللحم البقري، مما يعني أن إضافتها للغذاء، تعمل على إنقاص الوزن مع إعطاء الجسم احتياجاته الغذائية. كما أنها أثارت اهتمامًا في جميع أنحاء العالم، باعتبارها مادة مضادة لسوء التغذية المزمنة، ومفيدة لمرضى السكر، وفقر الدم، وضعف البصر، والحساسية، واضطرابات الكبد.

وتستخدم مستحضرات الأسبيريولينا، في الحماية من الأمراض الخطيرة كالسرطان والآيدز والألزهايمر وضعف الذاكرة من دون آثار جانبية، لأن القيمة الحيوية المأخوذة من هذا الطحلب، تؤخذ من الحمض الأميني غير المشبع (جاما – لينولين) الذي يشتق من البيتالكاروتين وفيتامين E، وهما يمثلان مواد ذات فاعلية معروفة.

إن مستخلص الأسبيريولينا يتحول إلى مزيج من الزيوت النباتية الهامة، مثل زيت بوجوبا أو زيت أفوكاو ذي الرائحة الطيبة والاستخدام المحبب، كما أن المواد الفعالة، لها تأثير مجدد وتوفر لمستخدمها استجمامًا رقيقًا وعناية أثناء الليل، وتعتني بالمناطق الجافة والخشنة من الجلد. ويتم الآن استخدام هذا الطحلب في وقف انفصام الخلايا السرطانية؛ فقد أثبتت الأبحاث حتى الآن، أن هذه المستخلصات تعمل على تثبيط فيروس الآيدز قبل مهاجمة الخلية الحية، وحاليًّا هناك مصانع على مستوى عال من التكنولوجيا الحيوية في ألمانيا، لاستغلال الكتل الطحلبية النامية من الأسبيريولينا التي تتم تنميتها في أحواض الزراعة.

يتم حصاد الأسبيريولينا بنظم دقيقة وسريعة، حيث لا تستغرق أكثر من 15 دقيقة في الأحواض حتى تصبح مسحوقًا خامًا، ويتم الحصاد خلال 24 ساعة يوميًّا، ولا يتم استخدام الوسائل اليدوية على الإطلاق في جمعها وتجفيفها وصناعتها، وتعاد المخلفات لمياه الأحواض مرة أخرى، باستخدام فلاتر خاصة لإنتاج المادة الخام، التي بواسطتها ينتج غذاء غني بالبيتاكاروتين لصحة الإنسان، وبروتين من دون دهون، بالإضافة لأنها غنية بالحديد اللازم للنساء والأطفال وفيتامين B المركب.

هذا المنتج السوبر، يمكن استمرار إنتاجية لعدة آلاف من السنين من نفس الأحواض، ولكن هذا الإنتاج يحتاج لظروف خاصة من عدم التلوث يوقف نمو الأسبيريولينا. إن هذا الإنتاج بطرق التكنولوجيا الحيوية، بدأ بالفعل في الولايات المتحدة الأمريكية بعد إجراء اختبارات أكدت جميعها خلوه من المبيدات والكيماويات بأنواعها.

كل هذا يجعل الإنسان في الحاضر والمستقبل القريب، يتمكن من استخدامه يوميًّا، للحصول على صحة أفضل وغذاء سليم غني ونشاط حيوي بدون أعراض جانبية، فضلاً عن تقوية جهاز المناعة ضد السموم ومهاجمة الفيروسات. كما أنه يدخل أيضًا في مستحضرات التجميل، ولكل هذا فإن الأسبيريولينا هي المرشح كغذاء للمستقبل.

(*) باحثة وكاتبة مغربية.

المراجع

(1) الطحالب عالم من العجائب، د. نبيل سليم، دار النشر الجامعية، ط٢، الإسكندرية 2006م.

(٢) صناعة الدواء من مخلوقات تحت الماء، د. جويدان نبيل سليم، المركز العلمي العربي، ط:١، القاهرة 2019م.

(٣) Campbell, B.J. Review of Graham, J.D. Auto Safety-Assessing Americans Performance. Journal of Accident Analysis & Prevention, 2013.

(4) Wilson. D.C. The effectiveness of motorcycle helmets in pre – venting fatalities Washington, DC: National Highway Traffic Safety Administration.