دعوني أحدثكم عن فائضات جود الله تعالى
يعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه بأقواله وأفعاله وأحواله فن الشكر لله.
إنها مدرسة آية: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ)
وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: (قَامَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فقِيلَ له: غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قالَ: أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا).
هذا قيام النبي الشاكر، فكيف يجب أن يكون قيام الشقي المذنب! وكان عليه الصلاة والسلام ربما سجد شكرًا لله تعالى؛ لأن السجود من أعلى مظاهر العبودية والتذلل والحب لله تعالى. في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي سورة ص وَقَالَ: “سَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا” رواه النسائي.
كان كثير الدعاء بالشكر، يسأل الله تعالى أن يعينه على الشكر؛ لأن الله تعالى إذا أعان العبد على شيء سهُل عليه وتيسر له،
وكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يوصي خاصة أصحابه رضي الله عنهم بالأدعية التي فيها طلب الإعانة على الشكر؛ كما في حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: “يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: “اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ“.
قال الشيخ ابن عطاء الله رضي اللّه عنه: (من لم يشكر النّعم، فقد تعرّض لزوالها، ومن شكرها فقد قيّدها بعقالها). وقديمًا اتفقت مقالات الحكماء على هذا المعنى، وأن الشكر قيد الموجود وصيد المفقود، وقالوا أيضًا: من أعطي النعمة ولم يشكر سلب منها ولم يشعر..
ورد في لطائف المنن أن الشكر على ثلاثة أقسام: شكر اللسان، وشكر الأركان، وشكر الجنان..
فشكر اللسان: التحدث بنعم اللّه، قال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى: 11].
وشكر الأركان: العمل بالطاعة للّه تعالى، قال تعالى: (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْرًا) [سبأ: 13].
وشكر الجنان: بالاعتراف بأن كل نعمة بك أو بأحد من العباد هي من اللّه تعالى، قال اللّه تعالى: (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل: 53].
من قال حين يصبح: اللَّهُم مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوّْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ أَدَّى شُكْرَ يومه.