هل السرطان يعني الموت المحتوم؟

السرطان كالوحش الذي يخشاه الجميع ويتوجس منه دائمًا، ينتشر ليصيب أقرب الناس، وترى آثار أنيابه دائمًا على وجوه وعيون وأجساد ضحاياه، لا يرحم صغيرًا أو كبيرًا فينهش في الجسد. نسمع يوميًّا عن إصابة أحد المقربين أو المعارف أو الأصدقاء أو النجوم بهذا المرض الخبيث، أو وفاته بعد أن عجز عن مقاومته، لكن رغم شراسته وخبثه يمكنك أن تبقى بعيدًا عن متناول أنيابه إذا ما عرفت ما يجب أن تعرفه عن عدوك، وعرفت مناطق الضعف التي يتسلل إليك منها، وغيرها من معلومات تساعدك في التغلب عليه وحماية نفسك منه.

فهذا المرض المحير، يحاول العالم البحث في مجالاته، فيوميًّا تظهر الدراسات والأبحاث، ولا يتوقف العلماء عن البحث والاستكشاف في مجال علاجه أو وقف فرص الإصابة به. وقد تحسنت معدلات البقاء على قيد الحياة لأنواع كثيرة من السرطان بفضل التحسينات التي تشهدها طرق الكشف عنه وعلاجه والوقاية منه، كما أن احتمالات الشفاء من مرض السرطان آخذة في التحسن باستمرار في معظم الأنواع، وذلك بسبب التقدم في أساليب الكشف المبكر عن السرطان وخيارات علاج السرطان.

نظرة عامة

يصيب “المرض الخبيث” أي جزء من أجزاء الجسم بأنواع مختلفة من السرطانات، مثل سرطانات الرئة، والثدي، والقولون والمستقيم، والمعدة، والكبد، وكأي قاتل محترف يستخدم السرطان عدة طرق للقضاء على صاحبه، لكن طريقته المفضلة هي النمو السريع، وغزو الأجزاء المجاورة، والانتشار إلى الأعضاء الأخرى.. ويمكن القول إنّ السرطان يضم أكثر من 100 مرض مختلف، ومن الممكن أن يبدأ في أي مكان من الجسم، ويتم تسمية السرطان حسب المنطقة التي بدأ فيها، ونوع الخلية التي تكون منها.

يمثل مرض السرطان بأنواعه المختلفة، واحدًا من أكثر الأمراض فتكًا بالإنسان، فتبعًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، فقد تسبب السرطان في وفاة حوالي 8.2 مليون إنسان في عام 2012م، ووصل عدد الحالات التي تم تشخيصها بالسرطان في نفس العام حوالي 14 مليون حالة، وهو العدد المرشح للزيادة ليصل إلى 22 مليون حالة جديدة سنويًّا خلال العقدين القادمين.

كذلك قد اعتُبر السرطان بأنواعه المختلفة ثاني أكبر مسبب للوفاة في العالم في عام 2004م تبعًا للتقرير الذي أصدرته جمعية السرطان الأمريكية بالتعاون مع الوكالة الدولية لبحوث السرطان (إحدى الهيئات التابعة لمنظمة الصحة العالمية).

كما يُعتبر ثاني أكبر مسبِّب للوفاة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2014م تبعًا لإحصائية مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

يتسبب مرض السرطان أيضًا في تدهور حياة ملايين البشر المصابين به؛ مما يؤدي إلى نقص إنتاجيتهم ويضر باقتصاديات الدول بشكل مؤثر، حيث تسبب السرطان في فقد 196,3 مليون سنة من سنوات الحياة الصحية عام 2013م باستخدام مؤشر سنوات الحياة الصحية المفقودة الذي يهتم بحساب العبء العام للمرض.

ليس ثمة حاجة إلى تجنّب الأشخاص المصابين بالسرطان؛ لأنه مرض غير معدٍ، لذلك فلا بأس من لمس الأشخاص المصابين بالسرطان وقضاء الوقت معهم، فقد يكون دعمك لهم غايةً في الأهمية في هذا الوقت. يجب التفكير بمرض السرطان على أنه حالة يمكن السيطرة عليها، مثل مرض السكري بدلاً من اعتباره بمثابة حكمٍ بالإعدام.

متى تم اكتشاف السرطان؟

هذا المرض ليس وليدَ هذا العصر كما يعتقد البعض، فتاريخ السرطان يبدأ منذ العصور القديمة، وقد تعددت التفسيرات والأقاويل الطبية بين اكتشافه في عهد الحضارة الرومانية على اعتبار تسمية المرض من قبل الطبيب الروماني “أبقراط”، إلا أنه وفي المقابل اكتشف التاريخ الفرعوني القديم سرطان العظام في بعض المومياوات المصرية القديمة، وكذلك بعض المخطوطات القديمة التي تعود إلى حوالي 1600 سنة قبل الميلاد، فضلاً عن اكتشاف أقدم حالة إصابة بمرض سرطان الثدي في مصر القديمة في العام 1500 قبل الميلاد تقريبًا. وفي العصور القديمة اتسم المرض بالغموض الشديد، واعتقد الناس أن سببه عقاب من السماء أو الإصابة بالأرواح الشريرة. كما اعتقد الإغريق القدماء أن المرض ينتج عن حدوث خلل في سوائل الجسم، أما سبب تسمية مرض السرطان فهي تعود إلى الطبيب اليوناني “أبقراط”، الذي رأى في شكل الخلايا السرطانية شكلاً مماثلاً مستوحىً من سرطان البحر أو السلطعون، ومن هنا أطلق على السرطان الكلمة اليونانية “Carcinos”، ثم ترجم الطبيب الروماني “سيلزوس” نفس الكلمة إلى اللغة اللاتينية فأصبحت “Cancer”، وهي المصطلح الشائع إلى يومنا هذا.

كيف ينشأ السرطان؟

السرطان هو مصطلح طبّي يشمل مجموعةً واسعةً من الأمراض التي تتميز بنموٍّ غير طبيعي للخلايا التي تنقسم بدون رقابة، ولديها القدرة على اختراق الأنسجة وتدمير أنسجةٍ سليمةٍ في الجسم، وهو قادر على الانتشار في جميع أنحاء الجسم، وهو أحد الأسباب الرئيسة للوفاة في العالم الغربي.

يحدث السرطان بسبب حدوث تغيرات أو طفرات في الحمض النووي داخل الخلايا، يتجمع الحمض النووي الموجود داخل الخلية في عددٍ كبيرٍ من الجينات الفردية، ويحتوي كل منها على مجموعة من التعليمات التي تخبر الخلية بالوظائف التي يجب أن تؤديها، بالإضافة إلى كيفية نموها وانقسامها. ويمكن أن تؤدي الأخطاء في هذه التعليمات إلى توقّف الخلية عن أداء وظيفتها الطبيعية، وقد تسمح للخلية بأن تصبح سرطانية.

تشخيص السرطان

الخوف من مرض السرطان طبيعي، فهو في النهاية مرضٌ خطير، ولا يمكن التنبؤ بسلوكه، لذلك فإن مجرد سماع كلمة “السرطان” يبث الرعب والخوف أكثر من اللازم، لذلك فإن تشخيص مرض السرطان في مراحله المبكرة يوفّر أفضل الفرص للشفاء منه. لذا إذا كان المريض يشعر بأعراض مثيرة للشكوك، فعليه التشاور مع طبيبه حول أيٍّ من الفحوصات هي الأنسب له للكشف المبكّر عن السرطان، حيث إن الكشف المبكر عن السرطان قد ينقذ حياة بعض الأشخاص المصابين ببعض أنواع السرطان.

بعد تشخيص مرض السرطان يحاول الطبيب تحديد مدى انتشار مرض السرطان أو المرحلة التي وصل إليها السرطان، ثم يُقرر الطبيب بشأن طرق العلاج أو احتمالات الشفاء طبقًا لتصنيف مرض السرطان ودرجته لدى المريض المحدد.

الوقاية من السرطان

ربما جال ببالك يومًا ما؛ لِمَ لا نتخلَّص من السرطان وينتهي الأمر؟ لقد تخلَّصنا من إصابات قاتلة مثل الطاعون، وواجهنا فيروسات مُميتة مثل الحصبة وشلل الأطفال، والآن نُنظِّم حياة المصابين بأمراض ارتفاع ضغط الدم والسكري وحتى الإيدز بصورة ممتازة، لِمَ إذن نقضي كل هذا الوقت مع مرضٍ بتلك الشراسة ولا نصل إلى علاج؟ ليس ثمة طريقة مؤكدة لتجنب الإصابة بمرض السرطان، لكن الأطباء أفلحوا في تحديد بعض الطرق التي يمكن أن تُساعد على خفض عوامل الخطر للإصابة بمرض السرطان، ومن ذلك:

  • الإقلاع عن التدخين.
  • تجنّب التعرض الزائد لأشعة الشمس الحادة.
  • المحافظة على نظام غذائي متوازن وصحي.
  • ممارسة النشاطات الجسدية في معظم أيام الأسبوع.
  • المحافظة على وزن طبيعي وصحي.
  • الحرص على إجراء فحوصات الكشف المبكر بانتظام.

علاج السرطان

يهدف علاج مرض السرطان إلى إزالة أو تدمير الخلايا السرطانية من خلال العلاج الدوائي أو طرق العلاج الأخرى، ويعتمد تحديد العلاج المناسب على عدَّة عوامل مختلفة مثل موقع الورم، وقدرة الشخص المصاب على تحمُّل العلاج، ومرحلة السرطان ومدى انتشاره في الجسم.. ومن أهم العلاجات المتَّبعة في علاج مرض السرطان:

  • العلاج الجراحي المعروف للتخلص من الورم.
  • العلاج الكيميائي: وهي أدوية تعمل على قتل الخلايا السرطانية.
  • العلاج الإشعاعي: باستخدام أشعة عالية الطاقة مثل أشعة إكس.
  • زراعة خلايا الجذع: وذلك بواسطة نقل نخاع العظم، ويمكن أن يؤخذ من المريض أو من متبرع.
  • العلاج البيولوجي: وهو الذي يساعد الجهاز المناعي للجسم على الكشف عن الخلايا السرطانية ومحاربته.
  • العلاج الهرموني: حيث تتغذى بعض أنواع السرطان على هرمونات الجسم مثل سرطان الثدي والبروستاتا، فعند التخلص من هرمون الجسم تموت الخلية السرطانية.
  • العلاج الموجه: وهو عبارة عن أدوية تستهدف مناطق محدَّدة ودقيقة في الخلايا السرطانية أو أحد العوامل التي تساهم في نموها، فقد تستهدف بروتينات أو جينات محدَّدة ضمن الخلايا السرطانية، أو ضمن الخلايا التي تساهم في نموها وانتشارها مثل خلايا الأوعية الدموية المغذِّية للأورام السرطانية.

رهاب السرطان

الخوف من المرض ظاهرة قديمة لازمت الإنسان منذ زمن بعيد على اختلاف المرض الذي يخاف منه الناس من فترة إلى أخرى، والخوف من السرطان أحد أنواع هذه المخاوف، وهو مصطلح يطلق عليه فوبيا أو رهاب السرطان، ويعرف بأنه الرهبة أو الخشية من الإصابة بالسرطان أو الاعتقاد في الإصابة به على الرغم من عدم وجود دلائل طبية تؤكد ذلك أو تنفيه. ولهذا الخوف مصاحبات نفسية وجسمية فسيولوجية ومعرفية، الأمر الذي يؤدي إلى انشغال وهموم تعوق أداء الفرد، وهو رهاب شائع يتميز بالاضطراب والقلق والخوف المزمن من الإصابة بالسرطان، ويمكن أن يظهر في مشاعر هائلة من الحزن والخوف والذعر والضيق، وفي بعض الحالات يمكن أن يكون الرهاب شديدًا لدرجة أنه يمنع المصابين به من عيش الحياة الطبيعية، ويدركون أن مخاوفهم وقلقهم غير منطقي، ولكنهم لا يمكنهم فصل أنفسهم عن الأفكار التي تدور في رؤوسهم، وغالبًا ما يعاني الأشخاص المصابون برهاب السرطان من الاكتئاب.

هل الإصابة بالسرطان تعني الحكم بالإعدام؟

لم يعد السرطان حكمًا بالإعدام كما ظنّ الناس في السابق، فقط نحتاج إلى الصبر قليلاً.. يومًا بعد يوم تظهر طرق جديدة للعلاج، بعضها يستهدف المناعة، والبعض الآخر يستهدف بيئة السرطان، وغيرها يستهدف الوقاية منه.. لن يذهب السرطان بعيدًا، لكننا سنتعلَّم كيف نتكيَّف معه، مثلما فعلنا خلال أكثر من ثلاثمائة ألف سنة مضت مع كل مشكلة حلَّت بنا، ليس الأمر مظلمًا كما نتصور، المشكلة أن وفاة نجم تلفزيوني أو مُفكِّر ما بالسرطان هو الخبر الذي عادةً ما ينتشر في وسائل الإعلام، لكن إلى جانب هذه الحالات فإن ملايين آخرين أُنقذوا من السرطان.

لقد تحسَّنت معدلات التعافي من السرطان بشكل ملحوظ خلال العقود القليلة الماضية، فقد حصلت مجمل أنواع السرطان على معدل نجاة وصل إلى 67% من المشخَّصين بالمرض في كثير من الدول، وفي سرطانات مثل “الثدي” و”البروستاتا” و”الغدة الدرقية” تخطَّت نِسَب التعافي حاجز 90% في بعض الدول المتقدمة.  

(*) استشاري في طب وجراحة العيون / مصر.