1- مقدمة:
البر مفهوم عظيم من المفاهيم القرآنية العظيمة، والهدف من الوصول إلى الكمالات الإنسانية إذ هو عطاء الحب والمودة، عطاء المحبين وبرهم، ومع ذلك “هو التزام بين العبد ونفسه وضميره، وبينه وبين ربه، وبينه وبين الأخرين -المستفيدين منه–” فله بداية وليس له نهاية، ومع كل ما سبق فالبر له مراتب يبدأ بالدائرة الضيقة الأسرة وينتهي بالمجتمع الإنساني، إذ هو قناة التواصل بين المسلمين مع بعضهم البعض، وبين المسلمين وغيرهم من الأمم الأخرى بروح من المحبة والإخاء، يبدأ بالدائرة الصغيرة (الأسرة) وينتهي بالدائرة الكبيرة (الناس جميعهم) بمختلف فئاتهم وقومياتهم وأجناسهم، فهم بنظر القرآن خلقوا من نفس واحدة.
2– تعريف البر:
ويُعرَّف البِرُّ بكسر الباء لغة: التوسع بالخير والعطاء، والإحساِن، وأصله من البَر المقابل للبحر.
بِرَّ بِوَالِدَيْهِ: تَوَسَّعَ في الإِحْساِنِ إِلَيْهِما، مُحْسِنٌ إِلَيْهِمَا.
ففي “الآية 177 من سورة البقرة” (ليْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ وَلكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ): الصِّدْقُ والطَّاعَةُ).
وفي لسان الشرع: “كل ما يتقرب به إلى الله من الإيمان به وصالح الأعمال وفاضل الأخلاق، وفي الآية حذف مقدر للمضاف “ذو” وقام المضاف “البر” مقامه، وحول هذه الجزئية يطرح الإمام الشعراوي سؤالاً لماذا جعل الله الحديث عن البر حديثا عن ذات مجسدة؛ برغم أن البر معنى؟
ويجب بالقول “إن الحق يجسد المعنى وهو البر في ذات العبد الذي آمن لأنه سبحانه حينما يريد أن يؤكد معنى من المعاني يجعل الذات مجسدة فيه. وعلى سبيل المثال ولله المثل الأعلى عندما نقول: (فلان عادل)، أي نحن نصفه بما يحقق للسامع أنه رجل يعرف العدل. ولكن عندما نقول: (فلان عدل) فكأنه هو العدل ذاته، وكذلك عندما نقول: (فلان صادق) فمعنى ذلك أنه صاحب ذات اتصفت”.
وإذا ما تأملنا في القرآن الكريم نجد أن البر خارطة طريق للمؤمن الحقيقي له معايير محددة وواضحة إنه التزام ومسؤولية بين المرء ونفسه وضميره. قال تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (البقرة). ومن ذلك إخلاص النية وصدق التوجه ولو كان ذلك سرًّا، بما يعني حسن المقصد ونبل الغاية قال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (المجادلة). وهو كذلك التزام بين العبد وربه والتزام بين الأبرار والمستفيدين منهم كما سنعرف.
3- معايير البر:
المعيار الأول: التفرقة بين ما هو ذو بالٍ
أي بين الأمر الذي له أهمية، وله شأن وما ليس بذي بال ولا شأن “ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب”
فالبر مفهوم كبير وعظيم وليس جزئية بسيطة فأن تنحرف من هذه الجهة إلى الجهة الأخرى، أمر آني بسيط وجزئي، ومن هذ المنطلق كان أول شيء في سلام البر هو الصدق المعبر عنه قوله (ولكن البر من آمن بالله..) ثم انتهى به المعبر عنه بقوله (أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) وهذ يعني أنه ينبغي القطيعة بين البر، فالبر تبرأ من الكذب فلا يقاربه ولا يشاركه، ولا يجالسه ولا يحادثه ولا يتماهى معه ولا يجامله، قال تعالى: [وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا] (الأحزاب).
فالبر لا يتماهى مع الشعارات الزائفة ولا مع الزينة الملهية، ولا مع الأشياء التي هي غير ذي بال وغير ذي شأن، والتي الخوض فيها لا يؤدي إلى معنى جوهري، بل يتعاطى معها بحقها، فلن تكون من الأبرار لكونك من أهل السنة فقط، ولا لكونك من الشيعة فقط، ولا لكونك من الشرق العربي المسلم فقط، ولا لكونك من أهل القبلة فقط، لن تكون من عباد الله الأبرار، حتى تنطبق عليك معايير البر المتضمنة في هذه الآية، وحتى دعوى أنك عالم وشيخ يحتاج إلى دليل كل هذه دعاوي فمن ثبتت دعواه صحت حجته فدليل العلم العمل به فقد عاب الله على المؤمنين قولهم ما لا يفعلون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (الصف). وقد عرفنا فيما سبق أن الله ذم اليهود أمرهم لغيرهم بالبر في حين تركهم له.
المعيار الثاني: القطيعة بين البر والخرافة
بينت هذه الحقيقة الآية الكريمة قال تعالى “.. وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (البقرة) “البر يقوم على حقائق العلم ويستند إلى مستند قوي كما قال تعالى (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ، بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ العنكبوت) وكذلك لا يقبل الوعود الكاذبة أو التحليلات والتوقعات الوهمية التي لا مستند لها البر يرفض الخرافة بكل أشكالها لذلك جاء قوله تعالى: (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ..) في الآية التي سأل الصحابة فيها عن الأهلة وكان الناس لهم تصور خاطئ عنها فجاءت الآية لتصححه (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا، وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (البقرة: 189).
كل ذلك يدلل لنا أنه ينبغي لنا أن ندقق في الأمور ولا نسلم بها على علاتها، بل نفحصها فلا نصدق الكذابين الذين يشوهون الدين باسم الإسلام ويقتلون الناس باسم الإسلام ويأخذون أموال الناس باسم الإسلام، بينما الإسلام منهم بريء وهذا كتابنا ينطق عليهم بالحق.
المعيار الثالث: الجانب العقائدي الإيماني
قال تعالى: “وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ” لا تكون من أهل البر حتى تؤمن بالله والإيمان بالله هو أن تصدق بكل ما أخبرك به القرآن، وتمتثل لكل ما أمرك به من فرائض الأديان، وتنتهي عن كل ما نهاك عنه من الظلم، والإثم، والزور، والبهتان.
المعيار الرابع: الأعمال الصالحة وخصوصًا الإنفاق
قال تعالى: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ.)
فسبحان الله لم يترك تقسيم الصدقات وخصوصًا الزكاة لرسول ولا لغيره، بل قسمها بنفسه وقد حصر الله الصدقات الزكوية على ثماني أصناف فقال تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 60).
ولأن الله طيب فلا يقبل إلا طيبًا فأمر الله المؤمنين أن يخرجوا من طيب ما يحبون قال تعالى: (لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) (آل عمراِن) ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا، عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (الإنسان).
المعيار الخامس: الجانب الأخلاقي
قال تعالى: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) وأكدت هذه الآية آياتٌ كثيرة جاءت تحث على الوفاء بالعهد سوى أكان عهد مكتوبا أو غير مكتوب، فإن على المؤمن أن يفي بالعقود ويدخل في ذلك العقود المتعارف عليها من قيم التعايش بين الأمم والشعوب وبين أفراد المجتمع قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة) ومن ذلك في سورة الإسراء قال تعالى : (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا).
المعيار السادس: المعيار الإنساني
والغالب على هذ المعيار العلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم وإذا ما تأملنا في موقف القرآن في هذ الشأن سنجد أن هذ المعيار يحل كثيرًا من المشكلات، بل ويبرز أهمية القرآن وموقفه من القانون الدولي الإنساني والحقوق الإنسانية:
إن ترتيب البر على النحو الذي مر معنا لا يعني أن ذلك هو نهاية المطاف، بل ترك الأمر مفتوحًا حتى مع احتمال قيام الحرب المبررة، فإنه يضع بالاعتبار أمرين مهمين
الأمر الأول: أن تقتصر الحرب على المحاربين
وهذا يعني تجنيب الفئات غير المحاربة ويلات الحرب، وهذا في المفاهيم الدولية مجال القانون الإنساني الذي ينضم قواعد الحرب.
والأمر الثاني: أن الأصل هو السلم وأن الحرب استثناء
لم يجعل القرآن الحرب بين المسلمين والكفار قدرًا أبديًّا، وإنما لها مبرراتها ومحدوديتها، فإذا أنتفت الحرب، فإن الأصل أن ترجع العلاقات كما كانت وأن يبقى الأمر مفتوحًا على أوسع أبوابه طالما لم يكونوا مع العدو في حرب فهم أخوة في الإنسانية في السلم، وأعداء لهم في الحرب، وهذا يسبق كل القوانين الإنسانية الدولية، وكل القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، إنه يتفوق على كل ما المواد التي تضمنتها “اتفاقيات جنيف الأربع وبرتوكولاتها” ومن لديه شك فما عليه إلا أن يقارن بين ما جاء في القرآن بهذا الخصوص وما جاء في تلك القوانين، وسيتأكد له ذلك لا محالة ومن ذلك هذه الآيات قال تعالى: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة: 9)، عسى: كلمة تفيد رجاء حصول ما بعدها، فإذا صدرت من الله فما بعدها واجب الوقوع، أن تبروهم: أي تفعلوا البر والخير لهم، وتقسطوا إليهم: أي تعدلوا فيهم بالبر والإحسان، “فالله سبحانه يبين أن البر أمر يحبه الله ويأمر به ولا ينهى عنه سوى بحدود ضيقة فلم ينهَ المسلمين عن الإحسان إلى الكفار الذين لم يقاتلوهم، ولم يفعلوا من الأفعال العدائية كإخراج المسلمين من ديارهم، ولا تعاونوا وتآمروا عليهم فما لم يصدر منهم أي نوع من أشكال العداء فإن البر والعدل هو منهج المسلم ومفهوم قرآني طالب المسلمين به وإن لم يلتزم به الأخرون ما داموا مسالمين” ثم زاد الأمر إيضاحًا وبيانًا فقال: (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) أي إنما ينها كم عن موالاة الذين ناصبوكم العداوة فقاتلوكم وأخرجوكم أو عاونوا على إخراجكم كمشركي مكة.