الشاعر: ابنُ بَشِيرٍ الغَشْرِيُّ الخَرُوصِيُّ
سعيدُ بنُ محمدِ بنِ راشدِ بنِ بشيرٍ الخليليُّ الغشري الخَروصِيُّ، من شعراءِ القرنِ الثاني عشرَ الهجريِّ، منتنصفِ الثامنِ عشر الميلاديّ؛ فقد كان حيًّا حتى سنةِ إحدى وسبعينَ ومئةٍ وألفٍ (1171هـ)، أي في أواخر الدولة اليَعْرُبِيَّة حيث غلب الفرسُ على عُمَان، و«الغَشْرِيُّونَ» فخذٌ من أفخاذِ قبيلةِ «بني خَرُوصٍ»، ولد ومات في قريةِ «سِتالْ» من قرى «وادي بني خَرُوصٍ» من أجمل أودية عُمان وأحصنها؛ إذ تُحيط به الجبال من كل جانب.
وهو شاعرٌ متعددُ الموضوعاتِ، له في الغزلِ والحكمةِ والوصفِ والفقهِ والتوحيدِ والرثاءِ والإخوانياتِ… وغيرِها، بيدَ أنَّ شعرَه في الوعظِ والزهدِ ومدحِ النبيِّ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ – يكاد يكونُ أكثرَ مِنْ ثُلُثِ ديوانِه، وهو يمقُتُ المديحَ، ولا يحبُّ مدحَ الملوكِ والأمراءِ، لكنَّه مَدَحَ قبيلتَه بَنِي خَرُوصٍ وكانَ يفتخرُ بها.
له ديوانٌ صَدَرَ في سلسلةِ مطبوعاتِ وزارةِ التراثِ والثقافةِ، وله مَقامةٌ نثريَّةٌ اسمُها (السُّونِيَّةُ) نسبة إلى (السُّونِي) بلدةِ العَوابِي من عمان، أوردَها ابنُ رُزَيْقٍ في كتابه: (الفتحُ المبينُ في سيرةِ السادةِ البُوسَعيديِّينَ).
القصيدة:
وفي قصيدتِهِ المختارةِ يحتفي الغَشْرِيُّ بمَقْدِمِ الشهرِ المباركِ ويذكرُ فضائلَه، فهو شهرُ التوبةِ والمغفرةِ، وتكفيرِ الذنوبِ والسيئاتِ، والثناءِ على ليلةِ القدرِ، وفي مطلعِها ترحيبٌ بهِ، يقولَ من البحرِ الخفيف:
مرحبًا مرحبًا بشهر الصيامِ | خيرِ شهرٍ وسيِّدِ الأعوامِ |
مرحبًا مرحبًا، وأهلاً وسهلاً | جامعٌ شملَنا، وخيرُ نظامِ |
مرحبًا، زارَنَا بغيرِ اختلافٍ | زارَ غِبًّا بكلِّ حَوْلٍ وعامِ |
طابَ شهرًا بغيرِ عيبٍ، سوى أن | زارَنَا مُسْرعًا، كطَيْفِ منامِ |
فيهِ تَنْمُو من الإلهِ علينا | بركاتٌ، تراسَلتْ بالتَّمامِ |
ليلةُ القدرِ فيهِ تعدِلُ ألفًا | من شهورٍ، أتَى بخيرِ كلامِ |
وَهْيَ لمَّا تَزَلْ تَناقَلُ فيهِ | فاصْطَدِ الخيرَ تحتَ جُنْحِ ظلامِ |
فازَ قومٌ بربْحِهِ، واستفادُوا | حبَّذَا متْجرٌ لقومٍ كرامِ |
قَطَعُوا ليلَهُ بغير منامٍ | بل بذكرٍ حَقًّا، وطولِ قيامِ |
وبصومٍ نهارُهُ قَطَعُوهُ | عن جميعِ العِصْيَانِ والآثامِ |
تَلَوُا الذِّكرَ بالحضورِ خُشُوعًا | ونفوسٍ مزمومةٍ بزمامِ |
بادَروا بالسياقِ طوعًا إليهِ | حينما هاجَروا لذيذَ المنامِ |
قَطَعوا الوصلَ للغَواني، وخَلَّوْا | دَمْعَها ساكنًا كمثلِ الرِّهَامِ |
حَيْثُما عايَنوا قُصورًا وحُورًا | كشموسٍ بدتْ بتلكَ الخيامِ |
فتجنَّبْ –أخِي- جميعَ المعاصِي | واقطعِ اللَّغوَ، مثلَ قَطْعِ الطعامِ |
حَذَرًا أن يكونَ حظَّكَ مِنْهُ | الجوعُ، ثم المآبُ كلَّ مَلامِ |
فَاكَ صُنْهُ عن المعاصِي جميعًا | والملاهِي؛ فالصمتُ خيرُ عصامِ |
ثم بادِرْ بالتوبِ؛ عَلَّكَ تَحْظى | بانحطاطِ الْخُطى وخيرِ المَرَامِ |
واسكُبِ الدَّمْعَ عندَ ذاكَ ابتهالاً | ورجاءً من ساترٍ عَلَّامِ |
كلُّ مَنْ يَقْصِدُ الكريمَ أراهُ | ناجحًا فالحًا، وغيرَ مُضَامِ |
وقل: اللهُ عنْ عبيدِكِ فَارْضَ | وتقبَّلْ تَهَجُّدي وصِيامي |
واغفِرِ -اللهُ- ما مَضى من ذُنوبي | أنتَ أهلُ الإجلالِ والإكرامِ |
ثم منِّي على النبيِّ صلاةٌ | وسلامٌ يا حبَّذا مِنْ سَلامِ |