لَعْنَةُ الْفُضُولِ

استقامة عسكرية، خطوات مسرعة بقدمين يحملان جبهة ارتسم الحزم على مساحتها.. بعينين متقدتين كأنهما يبحثان عن مجهول، وغير بعيد من مجلسنا، مر بهيئته تلك التي تنبئ بسر دفين وشأن عظيم.. ما أقبح ذلك الفضول الذي ينهشني ويدفعني مرغمًا يمدد من رؤيتي كي أبصر بلا قصد ما وراء المدى..

هكذا قمت كالمعتوه أقتفي أثره عَلِّي أقف على سرِّه وشأنه، تراميت تحت جدار، حبوْت تحت شجرة، ألصقت خدي الأيمن بصخرة، التجأت إلى ظل دوحة، فقد يراني وأنا أحب أن أراه، وأكره أن يراني..

يتوقف الرجل أخيرًا يتنفس الصعداء، أتوقف أتنفس الصعداء، أتحسس جيوبي وجراحي، دَمٌ يسيرٌ يسيل على رأس أصبع قدمي، تمزق في كم قميصي، أمور كثيرة لا أتذكرها..

حاولت إقناع نفسي بعقلي، فأذهب إلى شأني وما أكثر شؤوني وانشغالاتي، فهب الفضول في أحشائي، ولم يكْفِه ما صنعه بركبتي وأنفاسي فحثني وشجعني..

الرجل يدخل بيته كي يستريح التفتتُ يمينًا ويسارًا، رفعت رأسي، طأطأته ثم قلت في نفسي: ولِمَ لا أزوره؟ ألا يستحق الزيارة؟ أيذهب تعبي هباء؟ لِمَ لا أزوره في عقر داره فأحمل خبرًا جديدًا نرَدّده ونطعمه فنحارب به جزءًا من فراغ يثقلنا ليل نهار.

قرعت الباب، فتح لي، رحّب بي، دخلت وجلست على أريكة في غرفة فسيحة، خرج يعد شيئًا من أجلي.. سلطت بصري على ورقة معلقة على الجدار، مكتوب عليها بخط بارز جميل:( وقتي أثمن من الذهب، عملي أكبر من وقتي، كل حركة بلا هدف موت).. وضعت خدي على كفي، ثم أحسست بدمعة دافئة تخترق مساحته وكأنها تقول صارخة (كم ضاع من وقتك يا مسكين!؟).. مسحتها بِكُم قميصي وأنا أفكر في زماني وفي مكاني، في عملي، في غايتي.

دخل الرجل بشوشًا بوجه لا يخفي تعبه، رحّب بي، دعاني لشرْب كأس شاي.. اعتذرت له وخرجت خائبًا، ألعن الفضول والفضوليين.