دائمًا كان الألم مبعث الأمل الكبير الذي دفع الكثير إلى واحة الانتصار، وربما رأينا أناسًا عاشوا تحت فكي الهم والغم ينهضون من جديد ويرسمون عالمهم السعيد، لكن هناك صورًا ما زالت عالقة بجدار الزمن تعلمنا مدى النفاق الذي يعيشه العالم الإنساني حيث يفارق الدنيا رسام كبير بعد أن فتك به الجوع وأعياه التعب وتُباع أعماله الإبداعية مقابل ملايين من الدولارات، فكيف لو لحقنا به قبل مماته لنكون له عونًا وسندًا في آخر حياته، فلِمَ تركناه يعيش على قضاة القلق والأسى وبعنا نتاج فكره وخياله بثمن فاحش، وقمنا باحتفائه في المنصات الثقافية العالمية، هكذا أسدلت الستار على حياة الرسام فينسانت فانغوغ، ثم نتلمس في حياة المفسر الهندي يوسف علي، الذي اشتهر بترجمته الإنجليزية للقرآن مشاهد مؤلمة ومبكية، لقد مات مهمومًا، ملهوفًا، وحيدًا مثقلاً بآلامه في شارع لندن، وذلك في ليلة غطتها الثلوج وبللتها الأمطار لكن بقيت ترجمته للقرآن محبوبة القراء ومقربة من الباحثين، وظلت إحدى أهم المراجع لمن يبحث في معاني القرآن ويغوص في أعماقه، ولا يخفى ما واجه الطبيب العالمي وأحد مؤسسي علم الأحياء الدقيقة في الطب لويس باستر من مرض وألم في جسمه وروحه، لكنه بقي حيًّا في قلوب الناس باكتشافاته الطبية وتجاربه العلاجية التي أنقذت العالم من ويلات الأمراض المعدية، ولن تقف هنا قاطرة العظماء الذين ضحوا بحياتهم للآخرين، وظلوا منارات عالية لمن يأتون بعدهم، وهنا ماري كيوري تتواصل في مشوار اكتشافاتها العلمية رغم الموت الذي اختطف زوجها، ورغم تعرضها للإشعاع الذي أدى إلى موتها إلى أن أدهشت الدنيا بنظرياتها العلمية واختباراتها الأكاديمية ليكون العالم مدينًا لها.
ففي حياة العظماء محطات كثيرة من الألم، محطات يحبون نسيانها ودفنها، لكنهم تقدموا إلى الأمام، ولم يتوقفوا أمام كل هذه المعاناة والنكبات، فلو توقفوا لائمين على أنفسهم، وساخطين من الأقدار لكانت الدنيا متخلفة، ولما خرجت من سرداب الجهل، فالذين يرون في أنفسهم عيبًا أو نقصانًا ثم يصبحون ضحايا عقدة النقص فإنهم لم يسلكوا الدرب ولن يصلوا المنزل، فاصنع من روحك عملاقًا يهزم كل الرياح المضادة، ومن عزمك صقرًا يجعل من العواصف طاقة روحية يدفعك إلى الأمام.