لغز الزائدة الدودية ودعمها للمناعة الطبيعية

أطلق اسم الزائدة على هذا العضو ظنًّا بعدم حاجة الجسم له. واقترن باسم الدودية لأن شكله يشبه الدودة. ولا شك أن كل الأشخاص الذين خضعوا لعملية إزالة الزائدة الدودية، يعرفون جيدًا أنه يمكنهم العيش بشكل عادي من دونها.

العديد من الكتب النصية يشير إلى أن الزائدة الدودية ليست أكثر من عضو أثري، وأنها بدون فائدة عند البشر، ولعقود طويلة ترسخ هذا الاعتقاد بأنها مجرد زائدة لحمية ليس لديها أي دور في وظائف الجسم. ولقد خرجت أبحاث جديدة واكتشافات مدهشة ترى غير ذلك تمامًا، ففي عام 2007، لاحظ الباحثون في المركز الطبي في جامعة دوك في كارولاينا الشمالية، وعلى رأسهم الجراح البروفيسور “وليام باركر”، أن الزائدة الدودية لدى البشر هي نمو زائد صغير في الأمعاء الغليظة، وأنها جزء تابع  للجهاز الهضمي عبارة عن جيب طوله يتراوح بين 5-12 سنتيمترًا، ارتبط منذ مدة طويلة بالتهاب شهير سمي “التهاب الزائدة الدودية”.

ولأن العلم لا يترك شيئًا على سجيته من دون بحث وتمحيص، حدث منذ بداية الألفية الثالثة أن أجريت الأبحاث، وبدأت الاكتشافات تتوالى حول نظرية هذا العضو اللغز -الذي رغم شهرته- بعدم فائدته للجسم البشري، إلا أنه إذا التهب حد الانفجار، قد يودي بحياة الإنسان إن لم يتم التدخل الجراحي السريع لاستئصالـه. ولذا قام العلماء بتطوير النظرية الخاصة بوظيفته وأهميته، وذلك في جامعة “داك” في شمال ولاية “كارولينا” الأمريكية، ونشرت في صحيفـة علـم الأحياء النظرية فأحدثت جدلاً واسعًا في الوسط العلمي.

أكدت أبحاث العلماء أن لهذا العضو أهمية كبرى، فهو في الواقع منطقة تخزين للبكتيريا المعوية المفيدة، وأنه يصنع الخلايا المناعية التي هي بروتينات تحمي الجسم من اعتداءات الميكروبات والبكتيريا. فالزائدة الدودية -إذن تعمل- كخزان للبكتيريا المعوية المفيدة، وهذا الخزان ينشط بعد إصابة خطيرة بالكوليرا أو الدوسنتاريا، وهما مرضان يمكن أن يقضيا على البكتيريا المفيدة في الأمعاء.

منظم بيئي ثمين

الزائدة الدودية -إذن- هي منظم بيئي ثمين يحتوي على آلاف البكتيريا المفيدة للهضم، وقد اكتشف العلماء ذلك عن طريق فحصها عند حيوانات الكوالا، حيث لديها زائدة دودية أيضًا ولكنها طويلة جدًّا، ويمكن مقارنتها وظيفيًّا بما لدى البشر، وهي مفيدة جدًّا لنظام الكوالا الغذائي المؤلف تقريبًا من أوراق الأوكاليبتوس. ومن ثم فإن الزائدة البشرية تعمل بطريقة مشابهة لدورها عند الكوالا، لكن البروفسور “فارداكسيس” لا يعتقد أن الزائدة عند الكوالا ستصغر أو تتقلص عن حجمها في وقت قريب، ويقول: “إن حجم الزائدة الصغير عند البشر، ناتج عن التغييرات في نظامنا الغذائي على مدى آلاف السنين”. كما يؤكد علماء آخرون أيضًا أن الزائدة الدودية كانت تلعب دورًا عند أسلافنا بتشجيعها لهضم النباتات. لكن  من ناحية أخرى، فإن الزائدة ليست موجودة عند أغلب الثدييات ما عدا آكلات الأعشاب.

هذه النظرية تركت مجالاً للظن أن الأنواع التي تمتلك زائدة دودية كبيرة، ستجد نفسها ذات يوم في موقف مشابه للإنسان إذا تغير نظامها الغذائي بشكل جذري، وإذا حدث هذا للكوالا فهناك احتمال أن تصاب بالتهاب الزائدة الدودية مثلها مثل البشر.

هذا هو النهج الذي توصل إليه الباحثون في جامعة الغرب الأوسط الأمريكية. أما في دراسة نشرت في المجلة العلمية الفرنسية العام الماضي 2017، فقد قام علماء بدراسة التطور لدى 533 نوعًا من الثدييات على مدى مليون سنة، للعثور على النقاط التي ظهرت فيها الزائدة الدودية كصفة جديدة أو اختفت تمامًا. وقد كان الباحثون يتوقعون أن يروها تتطور لأوقات قليلة جدًّا من الزمن تم تختفي بانتظام، ولكنهم لم يجدوا ذلك، ووجدوا  بدلاً منه ما يبدو أن الزائدة الدودية تطورت بين 29 إلى 41 مرة، لكنها اختفت 12 مرة فقط.

جاءت تلك النظرية الرائدة لتقول بأن الزائدة الدودية  تدعم الجهاز المناعي، كما جاءت الدراسة التي قام العلماء الأمريكيون لتدعم ذلك، حيث أينما وجدوا الزائدة الدودية وجدوا معها أنسجة ليمفاوية وهي جزء أساسي من الجهاز المناعي. وقد تبين للعلماء أنه خلال القرون الماضية كانت هناك مناطق بكاملها توفي سكانها بوباء الكوليرا، وقد ساعدت الزائدة الدودية على إنقاذ بعض الناس من خلال ما كانت تختزنه من احتياطي حيوي من البكتيريا اللازمة لمكافحة ذلك الوباء.

المنتجات الصناعية تعطل الدودية

دراسات أخرى أظهرت أن الأشخاص الذين لا يملكون زائدة دودية، هم أكثر عرضة للإصابة بالالتهابات البكتيرية من الأشخاص الأصحاء الذين يمتلكونها. وبطبيعة الحال فإن هذا العضو الغامض له حصته من الضرر الذي يسببه، فهناك ربع مليون شخص يعانون من الألم كل عام، حيث يمكن أن يؤدي النشاط الزائد في الجهاز المناعي إلى إعاقة عمل الأمعاء وبدوره يؤدي إلى التهاب الزائدة الدودية. وأحيانا تصبح هناك حالات مهددة للحياة بسبب التهاب الزائدة الدودية وانفجارها، وهنا يصبح العلاج القياسي هو التدخل الجراحي بإزالة الزائدة الدودية بشكل كامل.

على مدى أجيال عديدة، كان البحث الطبي يعتبر الزائدة الدودية معرضة للالتهاب، ومصدرًا للألم الذي يستلزم الاستئصال السريع لها، ولكن ذلك المفهوم قد تغير الآن من خلال نظرية قدمتها مجموعة من علماء المناعة، حيث تعمل كمكان آمن تعيش فيه البكتيريا اللازمة لعملية الهضم، وحيث تعمل على إعادة تدعيم الجهاز الهضمي بعد التخلص من بعض الأمراض الطفيلية مثل الأميبا أو الدوسنتاريا.

ويقول الباحثون إن تلك الوظيفة التي تقوم بها الزائدة الدودية، قد تم تعطيلها نتيجة المنتجات الصناعية التي تساعد على نقل البكتيريا الضارة للجسم، والعمل على نموها دون مساعدة من الزائدة الدودية التي تساعد في قتلها وتطهير القناة الهضمية منها.

ويقول “بيل باركر” أستاذ الجراحة الأمريكي وأحد العلماء الذين أوضحوا أهمية الزائدة الدودية: “إن وظيفتها مرتبطة بكم البكتيريا التي تعيش في الجهاز الهضمي البشري. ويضيف بأن موقعها أسفل ممر الغذاء والجرائيم في الأمعاء الغليظة يساعد في تدعيم تلك النظرية القائلة بوظيفتها.

إن الزائدة الدودية ذات شكل أسطواني، نجدها في بداية المصران الأعور بالأمعاء الغليظة. والأعور له دور مهم في عملية تطهير الأمعاء الغليظة بعد تعرضها للإصابة من “البكتيريا المعادية”؛ فيعمل الجهاز المناعي في الجسم على استدعاء البكتيريا الصديقة الموجودة في الزائدة الدودية، واستعمالها كسلاح يحارب هذه البكتيريا المعادية التي تصيب الجسم “بالإسهالات، والأمراض الطفيلية، والزحار”، كما أنها تعمل على التوازن بين فيتامينات الجسم الضرورية له عند إصابة الجسم بهذه الأمراض. وهنا يأتي دور الزائدة الدودية على إنتاج هذه البكتيريا النافعة، وتعود أهيمتها في الجسم إلى عدد البكتيريا الموجودة في الجهاز الهضمي في الجسم.

إجراءات التشخيص والعلاج

عادة ما تحدث البكتيريا الموجودة في السبيل المعوي انسداد الزائدة الدودية وقد يحدث من محتويات حركة الأمعاء، أو يحدث تقلص في الأنسجة يؤدي إلى ضيق في مدخل الجيب، وعندما يتفاقم الانسداد بتكاثر بكتيري تصبح الزائدة منتفخة وملتهبة ومليئة بالصديد، ثم تأخذ الأعراض التالية في الظهور: ألم يبدأ حول السُرّة، ثم يتحرك باتجاه الربع البطني السفلي الأيمن عند نهاية ثلث المسافة بين السرة وعظمة الحوض، حيث يصبح الألم متواصلاً ومحددًا. ويسوء بالحركة أو التنفس العميق أو الكحة أو العطس، أو المشي أو حتى لمس مكان الألم -الغثيان و التقيؤ- حمى منخفضة تبدأ عقب ظهور الأعراض السابقة، وعادة إمساك وعدم القدرة على إخراج الغازات -إسهال- ثم حدوث انتفاخ في البطن وهي آخر علامة من علامات الإصابة يلاحظها المصاب.

هناك إجراءات عامة يجب اتخاذها عند التشخيص تشمل: فحص الدم الذي يوضح ارتفاعًا في عدد الكريات البيضاء، وتحليل البول لاستبعاد وجود التهاب في الجهاز البولي الذي يشابه في أعراضه أعراض التهاب الزائدة الدودية. أما إذا كان التشخيص غير يقيني، ينصح بأخذ درجات الحرارة كل ساعتين وتدوينها.

ولأن التهاب الزائدة الدودية صعب التشخيص، فإن الجراحة يتم تأجيلها حتى تتطور الأعراض إلى درجة تسمح بتأكيد التشخيص، وحتى عند تكوين الصديد فإن الجراحة قد يتم تأجيلها حتى يتم سحب الصديد وإعطاء فرصة للشفاء، مع الراحة على السرير أو الكرسي حتى إجراء العملية.

كما ينصح بعدم أخذ أي مسهلات أو حقن شرجية أو مسكنات للألم أو مسهلات؛ فقد تسبب انفجار الزائدة الدودية، كما أن المسكنات وخافضات الحرارة تصعب من عملية التشخيص.

إلا أن مسكنات الألم تعطى بعد إجراء العملية الجراحية فقط، مع إعطاء مضادات حيوية إذا وجد تلوث جرثومي، ويمكن مزاولة النشاطات الاعتيادية تدريجيًّا بعد العملية.

وبالطبع عند عدم استجابة المريض لهذه العلاجات، أو إذا ساءت حالته ولم يتم التدخل الجراحي، فإن ذلك سيؤدي إلى مضاعفات خطيرة وتكوين الصديد والتهاب الغشاء البريتوني.. وإذا تم إهمال الحالة فإن ذلك سيؤدي إلى الوفاة.

هذا وقد نجح جراحون في مستشفى أوسترا في يوتيبوري بالسويد، في استئصال زائدة دودية لدى سيدة في الثلاثين من العمر دون اللجوء إلى المشرط الجراحي. وتم سحب الزائدة الدودية من فم المريضة عبر استخدام تقنية استئصال الزائدة من دون جراحة، باستخدام المنظار عبر الجهاز الهضمي؛ ويتم إدخال أنبوب به كاميرا وأدوات دقيقة جدًّا يتم خلالها المرور عبر الجهاز الهضمي والأمعاء الدقيقة والغليظة، وصولاً إلى الزائدة. وتعتبر تقنية الجراحة عبر مناظير الجهاز الهضمي من التقنيات الفريدة التي يتم استخدامها بنجاح.

المراجع

(1) Golalipour، M.J.؛ Arya، B.؛ Jahanshahi، M.؛ Azarhoosh، * R. (2017). “Anatomical Variations Of Vermiform Appendix In South-East Caspian Sea (Gorgan-IRAN)” (PDF). J. Anat. Soc. India.

(2) Paterson-Brown, S. (2007). “15. The acute abdomen and intestinal obstruction”. In Parks, Rowan W.؛ Garden, O. James؛ Carter, David John؛ Bradbury, Andrew W.؛ Forsythe, John L. R. Principles and practice of surgery th. Edinburgh: Churchill Livingstone.(2016).