داء الإلحاد ودواؤه

يجب ملامسة قلب المخاطَب وضميره عند التحدُّث إليه، يجب أن تبدأ كل جملة وتنتهي بالصدق والحب، وألَّا تحتوي على أيّ تعريض بشخصيته أو تجريح بأفكاره، وإلا فقدَ حديثُنا معه تأثيرَه، بل ربما جعله خصمًا لنا. على المرشد التصرفَ كطبيب رؤوف مُصرّ على معالجة مريضه؛ فيحنو عليه، ويُنصت إليه، ويحسّ بآلامه المعنوية كَحَواريّ صادقٍ، وكرجل باحث عن الحق والحقيقة. فإنْ تناغم الصوت والحديث في مثل هذا الجو، انسابت المعاني إلى قلب المخاطَب كماء زمزم لتطهره، وهنا نستطيع التأكد بأننا وصلنا إلى قلبه. ولا تغيب عن بالنا نقطة مهمة هي أنه عندما يفارقنا مخاطبنا هذا، عليه أن يفارق وهو محمّل بانطباعات جيدة عنا؛ عن صدق تصرفاتنا، عن إشراق أبصارنا، عن إخلاصنا.. فإن أبدى رغبتَه في اللقاء بنا مرّة ثانية، تأكدنا بنجاح إيصال معظم ما أردناه.

قدروا من تخاطبونهم

لا تنتقدوا الأفكار الخاطئة للمخاطب أو بياناته غير الصائبة بشكلٍ يجرح غرورَه، ولا تهوِّنوا من شأنه أمام الآخرين، فإن كان هدفُنا الوصولَ إلى قلبه، فعلينا أن نضحي بغرور أنفسنا، بل حتى بما يجرح كرامتنا، ولن نستطيع جعلَه يتقبّل أيَّ شيء منّا إن جرحنا كرامته.

لا تعرّفوهم بأشخاص غير جدّيين

لا تعرّفوهم بأشخاص غير جدّيين في سلوكهم، وغير صائبين في أفكارهم. ومعلومٌ أن التعرّف بالذين ضَعُف توجُّههم إلى خالقهم سبحانه لا يجرّ أيَّ نفعٍ مطلقًا، لا سيما أولئك الذين يدّعون التديّن ولكنهم محرومون من عشق العبادة، الذين تعكرت أفكارهم ومشاعرهم، فيجب الحذر تمامًا من تعريفه بأمثال هؤلاء.

اتركوا لهم حرية الكلام

اتركوا لهم فرصة الكلام بين حين وآخر لِيُفْصحوا عما يختلجُ مشاعرهم، فهم بشر ويجب منحُهم فرصةَ التعبير عن أفكارهم. صحيح أن الاستماع للأفكار الباطلة يَجْرَح الروحَ ويعكِّر صفوَ الفكر، ولكن التحلي بالصبر، وتَجَرُّع الألم لاكتساب قلب جديد، واجبٌ علينا؛ وإلا فإننا إن لم نُعْطِ له حقَّ وفرصة إبداء الرأي وتوضيح الفكر. فكم من مرشد اشتُهر باحتكار الحديث وأصبح مكروهًا بسببه، فهو على رغم بذله الجهود الجبارة، لا يستطيع الوصول إلى أي نتيجة إيجابية.

ومن المفيد أن يذكر المرشدُ في أثناء كلامه، أن الأفكار التي يقدّمها ليست خاصّة به، وأن كثيرًا من المفكرين العظماء السابقين والحاليّين يشاركونه فيها، وأن كثيرًا من المفكرين الموجودين حاليًّا باستثناء فئة قليلة جدًّا، هم من أصحاب العقيدة السليمة، ويذكر أسماءهم ويضرب بهم المثل، لكي لا يبقى كلامه كلامًا مجرّدًا.

ونلخّص الموضوع فنقول: بعد تعيين وضع المنكِر، فإن أسس الإيمان هي أوّل ما يجب ذكرها له، وبعد الاطمئنان إلى استقرار الإيمان في قلبه، يمكن التطرّق لمسائل أخرى، وإلا فإن تقديمَ المسائل بترتيب خاطئ يُشبه تقديم الحلوى أوّلاً في الوليمة، أو يشبه تقديمَ اللحم إلى الحصان، والعشبَ إلى الكلب، ومثل هذا الترتيب الخاطئ لا يأتي بأي نتيجة، بل يمنح المخاطب انطباعًا سلبيًّا.

(*) الاستقامة في العمل والدعوة، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (٣)، دار النيل للطباعة والنشر، ط١، ٢٠١٥، ص: ٩٩-١٠٢. وعنوان المقال من تصرف المحرر.