الزهايمر والعودة إلى الوراء

الزهايمر، كلمة يحسب لها ألف حساب، وقد سمي المرض بهذا الاسم نسبة إلى العالم النفسي الألماني “ألويس آلزهايمر”. مرض الزهايمر هو مرض العصر، ولكن ألا يجدر بالمرء أن يقوم بالعديد من الأمور ليحمي نفسه منه عند الكبر، وخاصة إذا علمنا أن السبب يكمن في حدوث الخلل من الناحيتين الغذائية والنفسية؟

من هنا آثرنا إجراء الحوار التالي مع طبيبين مختصين في مجال الطب النفسي، نبين فيه أعراض المرض وأسبابه وبعض الطرق الناجعة في مساعدة المريض، وبالتالي الحد من تراجع حالته. وهنا تحضرنا الحالة التي كانت تعيشها راقصة الباليه الإسبانية “مارتا جونزاليس”؛ فقد أصيبت وهي عجوز بالزهايمر، ولكنها عندما سمعت موسيقى “بحيرة البجع” لـ”تشايكوفسكي”، راحت تقوم بالحركات الراقصة نفسها وهي ما تزال جالسة على كرسيها في أحد دور الرعاية الإسبانية بطريقة رائعة مليئة بالإحساس والعاطفة، وكأنها تؤدي الرقصة على المسرح حقيقة. وكانت حركاتها أجمل من تلك التي نفذتها وهي شابة. وقد تناقل هذا الأمر العديد من منصات السوشيال ميديا المختلفة في إسبانيا والعالم.

متى يصاب الإنسان بالزهايمر؟

الدكتور “سلام الذهب العجيلي” من العراق من مدينة بابل، وهو أستاذ في علم النفس، وحائز على دكتوراه في “الأنتروبولجي”، وقد عرَّف الزهايمر بما يلي:

الزهايمر هو حالة من الانخفاض المستمر في التفكير والمهارات السلوكية والاجتماعية، تؤدي إلى الخوف مما يوثر سلبيًّا على الشخص، ويصبح غير قادر على أداء مهامه، مثلاً نسيان الأحداث والمحادثات مع تقدم المرض أي ضعف في الذاكرة، وعدم استطاعته أداء مهامه اليومية. فالزهايمر هو عبارة عن مشكلة تصيب الدماغ، وتؤدي إلى تلف الخلايا الدماغية والعصبية، فتنهار الذاكرة والوظائف الذهنية المهمة.

وتطرق الدكتور سلام الذهب العجيلي إلى أعراض المرض فقال:

“من أولى الأعراض فقدان الذاكرة، وصعوبة في تذكر الأحداث والأشياء وفي تنظيم الأفكار، مما يدفع المريض إلى الاستعانة بأحد أفراد الأسرة لتذكيره، أضف إلى ذلك فقدان الذاكرة بين الحين والآخر، مثلاً أن ينسى أين وضع المفاتيح أو ينسى اسم أحد معارفه.. وهذا إن زاد فسوف يؤثر سلبيًّّا في القدرة على أداء وظائفه. ولا ننسى التقدم بالسن، فهو أحد العوامل للإصابة بهذا المرض، وقد يكون للوراثة دور أيضًا، كإصابة أحد أفراد الأسرة وبالدرجة الأولى الوالدين أو أحد الإخوة، وهذه حالة نادرة.

يتمثل الزهايمر بضعف الذاكرة لدى الشخص المصاب حسب العمر. وتشير الدراسات إلى أن بداية الإصابة تكون في سن الخامسة والسبعين فصاعدًا. يكون لدى الشخص المصاب، ضعف في المشاركات الاجتماعية وبيئات العمل. ويسمى هذا المرض بـ”القصور المعرفي”، ويكون الأشخاص معرضين للإصابة بالخوف الشديد من كل شيء، وبعدها تتطور الحالة، ويصبح مصابًا بالخوف بسبب مرض الزهايمر. مما يؤدي إلى القصور المعرفي، ويؤثر في تغييرات نمط الحياة الصحية. وإن حصل هذا، فقد يؤدي في بعض الأحيان إلى الوفاة.

ومن الأعراض أيضًا، الصعوبة في تذكر المعلومات المكتسبة، فالدماغ مثله مثل باقي أعضاء الجسد، يتغير مع تقدم العمر. وتبدأ التغيرات في المزاج والارتباك ونمط السلوك، وتحدث للمصاب شكوك لا أساس لها من الصحة، فيتلو ذلك فقدان الذاكرة. وهذا يعتير الأكثر خطورة مع حدوث تغييرات في السلوك، وصعوبة في الكلام والأكل والمشي والخوف الشديد”.

كيف نتعامل من مريض الزهايمر؟

أما الدكتور “هيثم شامية” من فلسطين (ماجستير في الصحة النفسية)، فقد تحدَّث عن طرق التعامل مع مريض الزهايمر فقال:

“لا توجد طريقة علاج جماعية مثل بعض الأمراض النفسية، بل لكل حالة وضعها الخاص. والتركيز هنا يتوجه إلى الناس المحيطين بالمريض، الذين يُطلق عليهم اسم مقدمي الرعاية. هؤلاء يتوجب عليهم التركيز على عدة أمور أهمها:

إذا كان المريض يعيش ضمن العائلة، فيجب توفير الجو الهادئ له. فالمريض يكون سريع الغضب والنسيان، فهو لا يحب الإزعاج، وينظر إلى الآخرين على أنهم يريدون إساءته كالإهانة وما إلى ذلك. وكذلك عدم عزل المريض، فهو يعرف أن لديه مشكلة ما، فالعزلة تزيد من تراجع الحالة عنده”.

وقد تحدث الدكتور هيثم شامية عن مثال لمريضة جدّة، “كانت كثيرة النسيان، تنسى الأسماء والأشياء ومن يزورها، وتنسى هل أخذت الدواء أم لا.. وكثيرًا ما تسبب المتاعب لمن حولها، وخاصة عندما كانوا يضطرون إلى نقلها من بيت إلى آخر بغية التخفيف عنها، ولكن وضعها كان يزداد سوءًا دون أن يعلموا.

وعندما باعوا بيتها، ذهبت إليه وأخذت تطرق على بابه تريد الدخول إليه. فمن الصعب على مريض الزهايمر التخلي عن الأشياء التي يحبها. فشعورها بالاستغناء عنها وتنقلها من مكان إلى آخر، يشعرها بعدم الاستقرار ومن ثم التوتر والتهيج”.

وأضاف هيثم: “هناك بعض الأمور التي من شأنها أن تساعد المريض على التركيز وبالتالي عدم تدهور حالته؛ مثلاً إذا كان لديه جوال، فعليه أن يكتب فيه بعض الملاحظات، مثل أوقات تناول الدواء، والتاريخ الذي دفع فيه الفواتير، واستخدام الدفع الإلكتروني، فبإمكانه العودة إلى الإنترنت والتأكد من معلوماته.

وإذا لم يكن الشخص المريض لديه جوال، فليكتب على ورقة وتوضع في المكان المخصص لأدويته، أو بالقرب من الأشياء التي يستعملها وفق تنوع الملاحظات. ويمكن أن يُرسم للمريض جدول ذو ألوان معينة لها مدلولاتها، فالمربع الأحمر للدواء ذي العلبة الحمراء، وهكذا.

يجب مراعاة وضع المريض فيما يخص الضوضاء، وخاصة العشوائية في استخدام التلفاز، فربما يفضل البرامج الدينية والاستماع إلى القرآن. ومن المستحسن التفاهم معه بلغة العيون، والابتعاد عن المجادلة قدر الإمكان”.

وأكد الدكتور هيثم شامية “الحرص على عدم وجود المرايا الكثيرة في المنزل، لتأثيرها السلبي على نفسية المصاب، فيجب على من حوله الإبقاء على مرآة واحدة للضرورة ليس أكثر.

وعلى الشخص الملازم للمريض التكلم بصوت هادئ قدر الإمكان، وأن يكون ملاصقًا للمريض ويشعره بالحنان والحب والعطف والأمان.

وأكد أن تنقّل المريض بين بيوت عائلته يسبب له الإزعاج الكبير، ويجعل حالته تسوء أكثر فأكثر، فما إن يستقر في مكان ويتعود على نظام ما، حتى ينتقل إلى مكان آخر فيبدأ من جديد، هذا يفقده العلاقة الحميمة، وتتراجع حالته، ويشعره بالاضطراب والانزعاج. أضف إلى ذلك، إعطاء المريض وجبات صحية خفيفة وأكثر من المعتاد، لأنه ينسى أنه أكل. ومحاولة إخراجه من البيت، والاتجاه نحو الأماكن التي يحبها.

ومن الضروري أيضًا، أن تبعد أدوات التنظيف عنه مثل الكلور، فربما توضع في قوارير المياه، فيلجأ المريض إلى شربها.

وتابع الدكتور هيثم شامية حديثه عن التأثر الإيجابي لممارسة الأنشطة عند مريض الزهايمر فقال:

“يستحسن ممارسة الأنشطة الاجتماعية والبدنية والهوايات، وكذلك العمل على تشجيعه للتواصل مع الآخرين، مما يساعده على التعبير عما في داخله، ويحد من حالتي القلق والتهيج المرافق للمرض، فيشعر أن له دورًا هامًّا في المجتمع، كذلك تنشط ذاكرته وتتحسن جودة النوم لديه.

أهمية النشاط البدني عند مرضى الزهايمر والمقصود به الرياضة البدنية، ولكن يجب استشارة الطبيب لتحديد التمارين التي تناسب الشخص المريض. فالرياضة تحد من تطور الخرف، وتحسن الوظائف الذهنية كالذاكرة والتفكير، وتسهم في تحسين المزاج، وتزيد من ثقة المريض بنفسه. كذلك تفتح الأنشطة البدنية المجال للتواصل الاجتماعي فيبتعد المريض عن الوحدة، كذلك يشعر بالقوة واستعادة التوازن مما يحميه من السقوط.

وهناك مشكلات يواجهها مريض الزهايمر، وهي ضعف القدرة على إيجاد كلمات مناسبة للحديث، أضف إلى ذلك معاناته في فهم بعض المفردات من الحديث، وليس لديه القدرة على التركيز أثناء الحوارات الطويلة، وفقدان تسلسل الأفكار والتركيز في الحوار، كذلك الحساسية المفرطة أثناء فشله في الحديث وبالتالي استثارته”.

وتحدث الدكتور هيثم شامية -كذلك- عن مشكلة العلاج الدوائي:

“العلاج الدوائي المثبط، له آثار سلبية يجعل المريض لا يتكلم، ويصبح مدمنًا على الدواء كمدمن المخدرات، فيشل الجهاز العصبي. علمًا أنه يجب أن يبقى المريض متفاعلاً اجتماعيًّا حتى لا تسوء حالته، والعلاج يوقف هذا التفاعل الاجتماعي.

هناك مادة بروتينية تزداد في الدماغ، وزيادتها تؤدي إلى ضموره، وحدوث الزهايمر، وهناك اختبارات وفحوصات تكشف الحالة، والعلاج في بدايته أفضل بكثير، لأنه يقلل من تطور الحالة.

التغذية لها أهمية كبيرة، فيجب أن تكون الوجبات صحية فيها فيتامينات وقمح و”أوميغا ٣”، وتجنب الكحول والقهوة والمشروبات التي تنشط إدرار البول، كي لا تسبب اضطرابًا في النوم.

ومن المتعارف عليه أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالزهايمر بالنسبة للرجال، فطبيعة تركيب دماغ المرأة تختلف عن طبيعة تركيب دماغ الرجل، كما أن المرأة تعمر أكثر من الرجل”.

والدكتور سلام الذهب العجيلي، لخص طرق الوقاية ببعض النقاط التالية:

“من الضروري مراجعة الطبيب المعالج وإخباره عن الحالة، ليتم السيطرة على المرض قبل استفحاله.

وضرورة ممارسة الرياضة والتمارين بانتظام.

تناول وجبات متوازنة ويفضل أن تكون طازجة، تنخفض فيها الدهون المشبعة.

ومن المهم جدًّا الإقلاع عن التدخين أو الكحول وما شابه ذلك، لأنه أحد أسباب الإصابة بالمرض، وكذلك التحكم بارتفاع ضغط الدم والسكري والكوليسترول.

واستخدام الأدوية المختصة والأعشاب الطبية التي تساعد على إنهاء الحالة.

كذلك تناول الفاكهة والخضار بأنواعها المختلفة وأشكالها الطازجة وبصورة مستمرة، أضف إلى ذلك اتباع نظام غذائي صحي غني بالفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة”.

ختامًا نؤكد أنه من المهم الإلمام بقدر كبير من الثقافة حول هذا المرض، فقد لا تخلو عائلة من مصاب أو أكثر، هذا ما يوفر الفرص الكثيرة للسيطرة على الحالة في مجال أخذ الحيطة والحذر.

(*) كاتبة وصحفية سورية.