لمس الوجه في أزمنة كورونا

لا شك أنك بدأت بتغيير بعض عاداتك في ظل جائحة كوفيد-19 الحالية، مثل سدّ فمك عند السعال بمرفقك بدلاً من يديك، أو تحيّة الآخرين بمرفقك أو من بعيد بدلاً من المصافحة.. ولكن على النقيض من السعال والمصافحة، تُعدّ عادة لمس الوجه عفوية يقوم بها الناس لا شعوريًّا. فالناس يقومون بلمس وجوههم لا شعوريًّا بمعدّل 9-23 مرة في الساعة الواحدة، على الرغم من معرفتهم ما يحمله هذا التصرف من مخاطر. فلماذا يصعب علينا الامتناع عن لمس وجوهنا؟ وكيف يمكننا التوقف عن ذلك؟

القول أسهل من العمل

واحدة من أهم النصائح للحد من الإصابة بـ”كوفيد-١٩”، هي المواظبة على غسل اليدين بالماء والصابون، أو تنظيفهما بمطهر كحولي لليدين. ولكن على الرغم من أن غسل اليدين يعتبر إجراءً بديهيًّا تعلّمه كل شخص منا تقريبًا، أثناء صغره في حضانات الأطفال والمدارس الابتدائية، إلا أن معظم الناس ينسون القيام به، أو يتناسوه حالما يكبرون.

عدم لمس الوجه نصيحة أخرى يسهل قولها أكثر من فعلها والمداومة على تنفيذها، ولا شك أنك في ظل هذه الجائحة قد لاحظت استحالة الحفاظ على سكون حركة يديك على الرغم من بساطة القول بذلك نظريًّا. فمن الصعب أن نقلق بشأن لمس وجهنا قدر شعورنا بالقلق الذي يدفعنا إلى غسل يدينا بشكل روتيني طوال اليوم؛ لأننا نلمس وجوهنا بشكل عفوي تمامًا، ولا علاقة لوعينا وإدراكنا بذلك السلوك.

يداك قنبلتان موقوتتان!

أنفك وفمك وعينك نوافذ لجميع أنواع الأمراض؛ لكي تُصاب بعدوى كورونا (كوفيد-19)، لا بد أن يدخل إليك الفيروس من أحد هذه المنافذ الثلاث حصريًّا، إذ يمكن أن تلتقط عدوى كوفيد-19 عن طريق استنشاق القُطيرات الصغيرة التي يفرزها الشخص المصاب، من أنفه أو فمه عندما يسعل أو يعطس أو يتكلم.

ويمكن أن يصل الفيروس إلى رئتيك من خلال يديك.. فهذه القطيرات وزنها ثقيل نسبيًّا، ويمكن أن تحط على الأشياء والأسطح المحيطة بالشخص المصاب، مثل الطاولات ومقابض الأبواب ودرابزين السلالم.. ما يزيد من احتمالية تلوث يديك بالفيروس، خاصة مع إمكانية بقائه نشطًا ومُعديًا فوق الأسطح الزجاجية والمعدنية والبلاستيكية لعدّة أيام، يمكن خلالها أن يصاب الناس بالعدوى عند لمسهم هذه الأشياء أو الأسطح، ثم لمس أعينهم أو أنفهم أو فمهم.. مما يزيد من قدرة هذا الفيروس على الانتشار بسرعة.

ولكن حتى في الأوقات العادية التي لا يتفشى بها وباء يتسم هذا السلوك (لمس الوجه) بالخطورة؛ فأكثر من ثلاثة أرباع الأمراض تنتشر عبر الأيدي. ومن الاحتمالات السهلة أن نلمس هذه الأسطح الملّوثة كثيرًا خلال ممارستنا حياتنا اليومية، فحركة بسيطة ومعتادة مثل تعديل نظارتك، أو مسح عينك أو قضم أظافرك أو حتى حكّ أنفك بشكلٍ عفوي بيدين غير نظيفتين.. تلك العادات العفوية البسيطة قد تكون كافية لإصابتك بالعدوى بسهولة، ما يعني ضرورة أن نتوقف عن لمس وجوهنا، لكن تطبيق ذلك ليس سهلاً كما يبدو.

وأظهرت الدراسات أن الطلاب، وعمال المكاتب، والعاملين في المجال الطبي، وركاب القطارات، يلمسون وجوههم لا شعوريًّا بمعدل 9-23 مرة في الساعة الواحدة. وتوصلت دراسة أجريت في عام 2015م، شملت 26 من طلاب كلية الطب بجامعة سيدني في أستراليا، إلى أنهم أيضًا لا يستطيعون مقاومة أنفسهم بشأن ممارسة هذا السلوك، فيما يُفترض أن يكون طلاب كلية الطب أكثر وعيًا بالمخاطر مقارنة بغيرهم. ومن خلال تحليل مقاطع فيديو مسجلة، سجلت الدراسة أن الأطباء المستقبليين، الجاري تصويرهم، قاموا بلمس وجوههم بمعدل لا يقل عن 23 مرة في الساعة الواحدة، وبنسبة 44% تم لمس العينين أو الأنف أو الفم.

لماذا نجد صعوبة في التوقف عن لمس وجوهنا؟

على الرغم من أن معظم الأنواع الحية قد تلمس وجوهها في إطار ممارسة تصفيف الشعر أو كوسيلة لإبعاد الحشرات، فإننا نشترك مع بعض رتب الثدييات المعروفة بـ”الرئيسيات” في أننا لا نستطيع منع أنفسنا من لمس وجوهنا، فالأمر على ما يبدو يتعلق بطريقة تطورنا.

بعض الفرضيات ترى أن هذه العادة ليست جديدة، فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن البشر يبدأون بلمس وجوههم وهم أجنة في الرحم، ما يعني أننا جميعًا اعتدنا على ذلك قبل أن نولد، بعد ذلك نبدأ بلمس وجوهنا بشكل متكرر في سن مبكرة ويتحول ذلك السلوك إلى عادة بمرور الوقت.

في الحقيقة، يخفف لمس الوجه من حدة الانفعالات اللحظية التي تجعلنا نشعر بعدم الارتياح، مثل الحكة وتوتر العضلات. وعادةً ما تنتهي هذه الانفعالات في غضون دقيقة تقريبًا، لكن لمس الوجه يخفف هذا الشعور في الحال، ويجعل منها استجابةً معتادة من الصعب تغييرها. وخلُص خبراء في العلوم السلوكية، إلى أن عملية لمس الوجه بشكل تلقائي، تعد وسيلة تساعد في التحكم في العواطف وإبراز قدر من الاهتمام.

يأتي هذا السلوك أحيانًا لأسباب أخرى، مثلاً في إطار آلية لتهدئة بعض المخاوف، فقد يساعدنا لمس الوجه في تنظيم العواطف وتهدئة أنفسنا. وفي أحيان أخرى، وفقًا لما ذكره “داتشير كيلتنر” أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا؛ يعد لمس الوجه بطريقة لاشعورية وسيلة للمغازلة، وأحيانًا كوظيفة الستائر على خشبة المسرح، إشارة لانتهاء فصل واحد من أحداث الدراما الاجتماعية، وإيذانًا ببدء فصل جديد.

إستراتيجية الحد من لمس الوجه

إذا كنت لا تستطيع أن تتوقف عن لمس وجهك، فإنها ليست نهاية العالم، حيث إن هناك حيلاً وتقنيات لتغيير السلوكيات المعتادة، عندما تلمس الأسطح الملوثة بيديك، قد تساعدك الاقتراحات التالية على تجنب لمس وجهك قبل غسل يديك مرة أخرى.

1- تدرب على عكس العادة: التدريب على عكس العادة، أحد تقنيات العلاج السلوكي الراسخة التي تساعد الناس على التوقف عن مجموعة متنوعة من السلوكيات التي تبدو عفوية، مثل التشنجات اللاإرادية، قضم الأظافر، التلعثم وغيرها.. تتم هذه التقنية عن طريق تدريب الأشخاص على مراقبة المحفزات غير المريحة التي تدفعهم للقيام بهذا السلوك، ومن ثم اختيار سلوكٍ آخر بديل يمكن استخدامه حتى يختفي هذا المحفز. بالإضافة إلى تغيير بعض الشروط المحيطة في بيئتهم للتخفيف من حدة هذه المحفزات.

في كل مرة تلمس فيها وجهك، راقب كيف لمست وجهك، ولاحظ ما هي الرغبة أو الإحساس الذي انتابك قبل أن تلمسه.. ما هو الموقف الذي كنت فيه.. ماذا كنت تفعل وأين كنت.. وما هو الشعور العاطفي الذي كنت تشعر به.. إذا كنت لا تدرك أنك تقوم بلمس وجهك عندما يحدث ذلك، اطلب من شخص آخر أن يساعدك وينبهك إلى ذلك.

يمكن أن تكون المراقبة الذاتية فعالة أكثر عندما تقوم بتدوين ما يحدث معك بالضبط. يمكنك إنشاء سجل تدون فيه بإيجاز كل موقف لمست فيه وجهك، على سبيل المثال، يمكنك كتابة الملاحظات التالية: قمت بحكّ الأنف بالأصابع، شعرت حينها بتهيّج، كنت في المكتب.. قمت بتعديل النظارات، شعرت بتنميل في اليدين، كنت محبطًا.. قمت بإراحة ذقني على كفّي، كنت أشعر بألم في الرقبة، كنت حينها أقرأ.. قمت بعضّ الأصابع، شعرت بحكّة، حينها كنت أشاهد التلفاز.. قمت بقضم أظافري، كانت هناك زائدة جلدية مزعجة.. قمت بفرك أذني، كنت أفكر وأسرح بخيالي.

تكون المراقبة الذاتية أكثر فعالية إذا شارك الناس ملاحظاتهم علنًا، لذا فكّر في مشاركة نتائجك مع الأصدقاء، أو نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.

مؤخرًا تم ابتكار تطبيق جديد لرصد تحركات المستخدم أمام كاميرا الكمبيوتر أو الهاتف الذكي، وينبهه بأنه قام بلمس وجهه ويتابع عدد المرات التي يقوم فيها المستخدم بذلك. يمكنك أن تجرب ذلك؛

قُـم بردة فعل جديدة معاكسة.. الآن، بعد أن أصبحت واعيًا ومنتبهًا للسلوك الذي تريد تغييره، يمكنك استبداله بردّ فعل معاكس لحركات العضلات اللازمة للمسِ وجهك. يمكنك -مثلاً- وضع يديك في جيوب البنطلون، وتشبيك يديك خلف ظهرك، وإحكام قبضة يدك وضمها في حجرك أو الجلوس عليها، والضغط براحة يدك أعلى الفخذ أو مدّ ذراعيك على الجانبين.

وتوصي بعض المصادر ببعض الحيل السلوكية، مثل قيامك باستخدام يديك في شيء آخر. يمكنك مثلاً فرك أصابعك ببعضها البعض، أو حمل قلم والتلاعب به، أو الضغط على كرة ضغط (كرة مطاطية قابلة للتمدد والتقلص، صغيرة الحجم لتلائم حجم الكف، يمكنها تخفيف التوتر والضغط النفسي من خلال الضغط عليها عدة مرات). لا ينبغي أن يتضمن النشاط المنافس لمس أيّ جزء من رأسك.

بالنسبة للعادات التي يصعب تغييرها، فإن التلاعب بالأشياء بيديك ليس بنفس فعالية أسلوب ردّ الفعل المنافس، ربما لأن الناس يميلون إلى اللعب بالأشياء عند شعورهم بالملل، بينما يميلون للمس وجوههم عندما يشعرون بالتوتر والقلق.

تحكّم في المحفزات التي تدفعك للمس وجهك؛ يمكن أن يقلّل تغيير بعض العوامل في البيئة المحيطة من العوامل المحفزة للمس وجهك، والحاجة لاستخدام ردود فعل بديلة. استخدم السجل الخاص بك الذي دوّنته لمعرفة المواقف، أو العواطف المرتبطة بلمس وجهك. على سبيل المثال، إذا استمرت نظارتك في الانزلاق فوق أنفك، يمكنك استخدام علّاقات الأذن المخصصة لتثبيت النظارات، أو حتى أربطة الشعر لمنع انزلاقها.. إذا كنت تقوم بقضم أظافرك، يمكنك قص أظافرك، أو ارتداء قفّازات، أو ضمّادات طبية على أطراف أصابعك بحيث تمنع قضم أضافرك أو عض أصابعك عفويًّا.

(*) طبيبة متخصصة في علم الميكروبيولوجيا الطبية والمناعة / مصر.