كيف يرى من عنده عمى ألوان العالم؟ هل كل الناس يرون العالم بنفس الشكل؟ هل ترى الحيوانات والحشرات نفس ما يراه الإنسان، أم تختلف رؤيتهم وعالمهم عن عالمنا؟ هل هناك بشر يرون ما لا نرى؟
عمى الألوان لا يعني أن الشخص لا يرى الألوان على الإطلاق، أو أنه يرى كل شيء باللون الرمادي، فالمصاب به يرى بشكل طبيعي مثل غيره، لكن مع غياب القدرة على تمييز لون أو أكثر، حسب فئة عمى الألوان التي ينتمي إليها، ولنكنْ دقيقين أكثر بتسميته “ضعف رؤية اللون”.
وعمى الألوان أو مشكلة رؤية الألوان، هي مشكلة وراثية تتواجد عند الإنسان منذ ولادته، حيث تحتوي الخلايا العصبية لشبكية العين على جزيئات تُعرف بـ”العصي”، وهي الجزيئات الحساسة للضوء، التي تساعد الشخص على الرؤية في الضوء الخافت، أمّا المخاريط فهي المسؤولة عن رؤية العين للألون، وذلك لاحتوائها على مجموعة من الصبغات التي تتيح لخلايا المخاريط أن تستجيب للموجات الضوئية بأنواعها الثلاثة؛ القصيرة والمتوسطة والطويلة، ويؤدي حدوث اضطراب أو فقدان لأحد الصبغات الموجودة في المخاريط، إلى خلل في قدرة المصاب على رؤية الألوان في حالة تُعرف بعمى الألوان. ويُعدّ عمى الألوان المرتبط باللونين الأحمر والأخضر أكثر أنواع عمى الألوان شيوعًا، يليه عمى الألوان في اللونين الأزرق والأصفر.
ومن الطريف والجدير بالذكر، أن الكثير من المصابين بعمى الألوان لا يعرفون أنهم مصابون به، فالمصاب بعمى الألوان لا يكون مدركًا أن أعراضه تحدث له وحده، ويعتقد أن هذا هو اللون الطبيعي والجميع يرون الشيء بهذا اللون، وأعراضه ليست مشتركة بين الأشخاص الذين يعانون من نفس المرض، إلى أن يتشكك شخص آخر في قدرته على تمييز الألوان، مثل انتقاد عدم تناسق لون الجورب مع باقي الملابس.. وقد يصل بعض من المصابين بعمى الألوان سن البلوغ قبل أن يدركوا أنهم يعانون من هذا الخلل، أو حتى يكتشف عمى الألوان أثناء اختبار رؤية الألوان.
ويميل الأشخاص غير القادرين على تمييز الألوان الثلاثة الأساسية أو بعضها، إلى استخدام دلائل أخرى لتمييز الأشياء عن بعضها، مثل درجة صفاء اللون، شكل الجسم أو موقعه، ومكان الضوء الأحمر في الإشارة الضوئية وغيرها.
ويعد عمى الألوان من الأمراض الشائعة والمعروفة منذ زمن طويل، شائع ولكن لا يهدد البصر. ينتقل المرض عن طريق الصبغات الوراثية الجنسية (الكروموسومات) بصفة متنحية، لهذا السبب فإن المرض يصيب الرجال أكثر من النساء، لأن تركيبة المرأة الكروموسومية هي XX (إكس إكس)، وتركيبة الذكر الكروموسومية هي XY (إكس واي)، وينتقل المرض عن طريق الكروموسوم X بصفة متنحية، واحتمال اتحاد كروموسومين X مصابين بالمرض، ضئيل جدًّا، ما يؤدي إلى إصابة الرجال أكثر من النساء.
اكتشاف عمى الألوان
تمكن “جون دالتون” من اكتشاف إصابة العين بعمى الألوان، وهو أول من قام بتشخيص ذلك المرض؛ فقد بدا له لون زهرة البرسيم المعروف باللون الزهري أزرق زاهيًّا، وبالنظر إليها عن قرب بضوء الشمعة كان يتغير لون الزهرة تدريجيًّا فيتحول من الأزرق إلى الأصفر، وقد عمل “دالتون” على تأمل تلك المسألة واكتشف أن هذه ليست خاصة به وحده.
لقد كان “دالتون” الرائد في تحديد العمى اللوني ودراسته علميًّا، وبذلك فقد أصبح أول من اكتشف عمى الألوان. كما تم إطلاق اسم “الدالتونية” على من يعانون من تلك الحالة، وإلى الآن لا زال يطلق ذلك الاسم على من يعانون من ذلك الأمر. وقد ظن “دالتون” أن سبب عمـاه اللونـي وجـود سائل أزرق داخـل عينـيه، لذا طلب من طبيبه “رانسوم” أن يستخدم إحدى عينيه ويشرحها بعد وفاته.. نفـذ “رانسوم” الوصيـة واستخرج إحـدى مقلتـي عيني “دالتـون”، ولكن لم يجـد سائلاً أزرق، فاعتقد أن المشكلة لها علاقة بأمر نفسي بين الدماغ والعين.. وقد عمل “رانسوم” خلال حياته على شرح العديد من المحاضرات حول عمى الألوان.
أنواع عمى الألوان
النوع الأول هو عمى الألوان الكامل وفيه تختفي الأقماع كليًّا من شكبية العين، ويرى المصاب بهذا النوع الحياة كلها بلونين فقط هما الأبيض والأسود، وهو نوع نادر الحدوث. والنوع الثاني هو عمى اللونيين الأحمر والأخضر وينتج عن غياب الأقماع الحساسة لهذين اللونين، ويعد من الأنواع الأكثر شيوعًا. أما النوع الثالث فهو عمى الألوان الأزرق، وينشأ عن فقدان الخلايا الحساسة للون الأزرق.
تشخيص المرض
هناك اختبارات تقيس قدرتك على التعرف على الألوان المختلفة، أحد أنواع هذه الاختبارات يتضمن النظر إلى مجموعات من النقاط الملونة ومحاولة إيجاد نمط فيها، كاكتشاف شكل داخلها بلون مغاير، مثل حرف أو رقم. هذه الأنماط التي يتم رؤيتها أو لا يتم، تساعد الطبيب على معرفة الألوان التي لديك فيها مشكلة. أشهر هذه الاختبارات هو اختبار “إيشيهارا”، ويمكن لك ببساطة إجراء “Hara” الاختبار على النت أو عند طبيب العيون لأخذ فكرة تقريبية. وفي نوع آخر من الاختبارات، يتم ترتيب رقائق ملونة في نظام معين وفقًا لمدى تشابه الألوان مع بعضها. الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في رؤية اللون، قد لا يمكنهم ترتيب الرقائق الملونة بالشكل الصحيح.
علاج المرض
بما أن عمى الألوان هو حالة وراثية وتنتج عن غياب الأقماع المسئولة عن البصر بالألوان من شبكية العين، فإنه لا يوجد علاج له حتى يومنا هذا، لكن يمكنك العثور على بعض الوسائل للمساعدة على التعويض عن اضطراب رؤية الألوان، مثل ارتداء العدسات اللاصقة الملونة (تغيير اللون المدرك للأشياء)، هذه العدسات قد تساعدك على معرفة الفروق بين الألوان، ولكن هذه العدسات لا توفر رؤية اللون الطبيعي بالشكل المطلوب، كما أنها عادة ما تشوه شكل الأشياء.
أيضًا ارتداء النظارات التي تمنع التوهج أو السطوع، حيث يمكن لبعض الناس الذين يعانون من مشاكل حادة أو شديدة في رؤية اللون، أن يدركوا الاختلافات بين الألوان بشكل أفضل عندما يكون هناك توهج وسطوع أقل للأشياء. وقد قامت شركات في الولايات المتحدة بصنع نظارات يمكنها فصل الألوان، وبالتالي تسمح للمصابين بعمى الألوان معرفة الوردي والأصفر والأزرق؛ حيث تظهر العدسات الألوان زاهية أكثر، واضحة ومشبعة، ويتلقى مستخدمو هذه النظارات الألوان بسرعة ودقة عالية.
عمى الألوان عند الحيوانات
نحن نعرف أن الحيوانات تستطيع أن ترى الأشياء مثلنا، لكن هل تستطيع أن تميز الألوان المختلفة مثل البشر؟ حتى يتوصل العلماء إلى إجابة على هذا السؤال، فقد قاموا بعدد من التجارب العملية على الكثير من الحيوانات، وقد أشارت تلك التجارب إلى أن معظم الثدييات لديها قدرة قاصرة على تمييز الألوان، وأنها عادة ما تكون مصابة بعمى الألوان، من تلك الثدييات، الكلاب والقطط ومعظم حيوانات الحقل المستأنسة، التي غالبًا ما تقتصر رؤيتها على الألوان الرمادية وبعض درجات الأزرق والأصفر. بينما تستطيع قردة النسناس والقردة العليا رؤية الألوان بدرجة تشبهنا نحن البشر، فلديها كما لدى البشر، ثلاثة أنواع من المخاريط في أعينها، وهي تستطيع رؤية ألوان الأحمر والأخضر والأزرق.
كما تستطيع العديد من الثدييات الأخرى رؤية لونين فقط، حيث تكون مصابة بفقدان المخاريط الخاصة بأحد الألوان، بينما تكون الحيوانات الليلية إما فاقدة تمامًا، أو ذات قدرة ضعيفة للغاية على تمييز الألوان.
أيضًا فإن لدى العديد من الطيور والأسماك والزواحف والبرمائيات، وكذلك بعض اللافقاريات، أكثر من تلك الأنواع الثلاثة من المخاريط، ما يعني أنها تستطيع تمييز المزيد من الألوان أكثر من البشر، وتعد العشريات، أكثر أنظمة رؤية الألوان تعقيدًا، مثل السرعوف الروبيان، الذي يُعتقد أن له 12 نوعًا مختلفًا من المستقبلات التي تستطيع تمييز الألوان أفضل بكثير من بني البشر.
كما يمكن للنحل والفراشات رؤية الألوان التي لا يستطيع البشر تمييزها، حيث يمتد مدى رؤيتها إلى طيف الأشعة فوق البنفسجية، ويساعدها ذلك على الانجذاب إلى ألوان الزهور التي تنتمي غالبًا إلى ذلك النمط من الألوان وتلقيحها.
أخيرًا، إن كنت من الأشخاص الذين يعانون من اضطراب رؤية اللون (الأحمر والأخضر)، مثلما يعاني مؤسس موقع فيسبوك “مارك زوكربيرغ”، فهذا يعني أنك محظوظ، حيث جعل لك صفحة فيسبوك باللون الأزرق لتميزها بشكل جيد، ولكي تساعده هو والآخرين ممن يعانون من هذا الاضطراب، على الرؤية بشكل أفضل!
(*) استشاري في طب وجراحة العيون / مصر.