كورونا.. حلفاء وأعداء

عندما يدخل فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) إلى جسم الإنسان، فإنه يدخل في سباق مع الزمن للوصول إلى خلايا الرئتين للتكاثر والانتشار من خلالها؛ وبمجرد أن يكتشف جهاز المناعة الفيروس المتسلل تشتعل بينهما حرب ضروس، يعتمد الانتصار فيها على الأقوى. لذا يجب عليك أن تعرف العوامل التي تؤثر في كفاءة جهازك المناعي؛ ما الذي يقويه وما الذي يضعفه؟ ما الذي يحبه جهازك المناعي وما الذي يبغضه؟ وهل تعرف جيدًا حلفاءك وأعداءك في هذه الحرب القاسية؟
1- حلفاء جهاز المناعة
إلى جانب غسل اليدين بالماء والصابون بشكل متكرر لمدة 30 ثانية كحد أقصى، والبعدِ مسافة متر واحد عن الأفراد؛ فإن تقوية الجهاز المناعي من أهم وسائل الوقاية في مواجهة “كوفيد-19″، ومن ثم تشكل العوامل التالية جبهة الحلفاء التي تساعد جهازك المناعي في التصدي لـ”كوفيد-19” بصورة أقوى وأسرع.
أ- النظام الغذائي المتوازن: يجب أن يتضمن النظام الغذائي الصحي كثيرًا من الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والحليب قليل الدسم، فكل هذه الأطعمة تساعد على تعزيز جهازك المناعي وقيامه بوظائفه بصورة أفضل. فالخضروات والفواكه الطازجة تُعد أغنى مصادر الفيتامينات، لذا احرص على تناول البرتقال والفلفل الأحمر والخس والملفوف.. فهي غنية بالفيتامينات والمغذيات ولا سيما فيتامين “سي” الضروري لوظائف جهازك المناعي، حيث يمكنك استهلاكها على شكل عصير، قبل الوجبات أو بین وجبتين.
البرقوق المجفف، والعنب البري، والتوت البري، والكرنب، والفراولة، والسبانخ؛ من أغني الأغذية بمضادات الأكسدة، إذا لم تستطيع تذكر هذه القائمة فيجب أن تختار مجموعة الفواكه والخضراوات ذات اللون الأخضر الداكن، لأنها كفيلة بتزويدك بكميات وفيرة من “مضادات الأكسدة” و”الفيتامينات”.
أيضًا استهلاك التوابل المضادة للعدوى بسخاء وبانتظام، يؤدي إلى تزويد الجسم بمواد مضادة للعدوى تقتل الفيروسات إذا دخلت إلى الجسم، لذا احرص في الأطباق المطبوخة والسلطات، على استعمال التوابل التالية: الثوم، البصل، الكُراث، الزعتر، إكليل الجبل، المريمية، الحبق، الغار، الكمون، مردقوش.. إلخ.
بـ- المـــاء والسوائل الوفيرة: مثل جميع الفيروسات التنفسية يحاول كوفيد-19 التشبث بالغشاء المبطن للفم والحلق، وهذا ما يسبب الإحساس بالحكة أو الدغدغة في منطقة الحلق كأعراض أولى للاحتقان والالتهاب، لذا شرب الماء أو السوائل الدافئة يفيد في مثل هذه الحالات عمومًا وفي هذه المرحلة بشكل خاص؛ لقطع الطريق على كوفيد-19 وتحويل مساره اتجاه الجهاز الهضمي، عوضًا عن الخلايا المبطنة لممرات الجهاز التنفسي، حيث يتم طحنه بواسطة الإفرازات الحمضية القاسية داخل المعدة.

يحاول فيروس كورونا التشبث بالغشاء المبطن للفم والحلق، مما يسبب الإحساس بالحكة أو الدغدغة في منطقة الحلق كأعراض أولى للاحتقان، لذا شرب الماء أو السوائل الدافئة تفيد في تحويل مسار الفيروس باتجاه الجهاز الهضمي وطحنه عبر الإفرازات الحمضية.

من جهةٍ أخرى؛ يقوم كوفيد-19 بتجفيف منطقة الحلق، لمنع وصول الخلايا المناعية إلى الحلق قبل أن تصل إلى الرئتين، فيما تعمل السوائل على زيادة حجم الدم بدورتك الدموية، ومنع تعرض الغشاء المبطن للحلق بالجفاف.. وهكذا يشكل التزود بالسوائل بشكل منتظم عونًا ثمينًا لجهاز المناعة، وبالتالي لمكافحة كوفيد-19 عليك بشرب جرعة وفيرة من الماء كل ساعة أو أقل من ساعة على سبيل الاحتراز، على أن يكون الماء فاترًا أو دافئًا وليس باردًا، ويفضل إضافة قليل من عصير الليمون إلى الماء.
جـ- الهواء النقي والبيئة النظيفة: جهازك المناعي يحب الهواء النظيف، اخرج للمشي في مكان مفتوح، فاستنشاق الهواء النقي يمنحك الفرصة على كسر الروتين، وتغيير درجة حرارة جسمك وزيادة نبضات قلبك؛ ما يعمل على تقوية جهاز المناعة، كما أن الممرات الأنفية تستفيد من استنشاق الهواء النقي بسبب تحسن رطوبتها؛ ما يجعلها أقدر على وقاية الجسم من الاصابة بـ”كوفيد-19″. كما يؤدي عدم الاهتمام بنظافة الجسم إلى تعريضه للمزيد من الجراثيم والبكتيريا، مما يسبب ضعف جهاز المناعة. وينطبق هذا أيضًا على نظافة المنزل والبيئة التي تتواجد فيها.
د- الرياضة والحركة: أثناء ممارسة الرياضة يزداد تدفق الدم الذي يعزز عملية طرد النفايات السامة من الجسم، كما أنه يعزز الدورة الدموية المحملة بالأجسام المضادة وخلايا الدم البيضاء الهامة، لمكافحة الأمراض المعدية، ويساعد في حمل الخلايا المناعية وإيصال قوات الجهاز المناعي إلى جهازك التنفسي المستهدف من كوفيد-19، أما الكسل فيضر بمناعتك ويجعلك أكثر عرضة للإصابة.
فممارسة الرياضة بشكل مستمر، هي أحد الخيارات الممتازة في برنامج تعزيز جهازك المناعي، سواء كان ذلك عبر ممارسة الجري أو الهرولة أو مجرد المشي الخفيف، أو غير ذلك من الرياضات.. لذا احرص على ممارسة الرياضة لثلاثة أيام في الأسبوع، لمدة لا تقل عن 20 دقيقة في اليوم، فهذا يجعل جهازك المناعي في أفضل حالاته.
هـ- الفكاهة والضحك: ترفع روح الدعابة من مقدرتك على محاربة العدوى، وذلك من خلال إفراز الأجسام المضادة وتعزيز تواجد الخلايا المناعية. فعندما تضحك يزيد عدد الخلايا الطبيعية القاتلة (Natural Killer Cells) التي تدمر الأورام والفيروسات والخلايا التائية (T-cells) الهامة لجهاز المناعة، وخلايا البائية (B-cells) التي تفرز الأجسام المضادة، كما يحفز الضحك إفراز البروتينات التي تحارب العدوى (Gamma-interferon).
ومن جهة أخرى يقلل الضحك من معدلات ضغط الدم، ويرفع من معدلات الأكسجين، ويساعد على التئام الجروح بشكل أسرع، ومجمل تلك التفاعلات يعمل على تحسين الاستجابة المناعية وتقوية كفاءة جهازك المناعي.
2- أعـــــداء جهازك المناعي
في فترات تفشي الجائحات والأوبئة، يتوجب عليك -أكثر من أي وقت- أن تحافظ على جهازك المناعي في كامل قواه وجاهزيته، كي ينجح في مواجهة أي هجوم مُحتمل. في سبيل ذلك؛ عليك أن تبتعد عن العوامل التي يمكن أن تضعفه أو تسبب خللاً في وظائفه.
أ- السموم والعادات السيئة: التدخين، وتناول الأطعمة التي تحتوي على كثير من السكر والمشروبات المنبهة، والأطعمة المسبكة، جميعها من العادات السيئة التي يمكن أن تؤدي إلى إضعاف وظائف المناعة لديك. هذه العادات تسمم جسمك بفيض من الشوائب والسموم التي تُرهق جهازك المناعي، وتبدد جزءًا كبيرًا من طاقته في محاولة تخليص جسمك منها. وانشغال جهازك المناعي بمهام التنقية والتخلص من السموم، لا بد أن يقلل من كفاءته ويضعف جاهزيته. فجسمك حينئذ يعمل جاهدًا للتخلص من كل المواد الضارة التي حشوْتَه بها، وآخر ما تحتاجه لمقاومة فيروس فتاك مثل كوفيد-19، أن تشتت قوات جهازك المناعي، وتبدد جزءًا كبيرًا من طاقته في ملاحقة السموم وتخليص جسمك منها.
إذا أردت أن تقوي جهازك المناعي، فإن آخر ما يجب أن تفعله هو أن تتناول الوجبات السريعة الجاهزة (Junk Food)؛ مثل سندوتش سجق أو برجر، زجاجة صودا أو أحد عبوات المشروبات الغازية، أو أن تتعاطى فنجان قهوة مصحوبًا بسيجارة.. فالاستخدام المفرط للسكريات يضعف بدرجة كبيرة قدرة خلايا الدم البيضاء، كما أن حرق السكر الزائد المتوفر في المشروبات الغازية، يستهلك نسبة كبيرة من الفيتامينات في الجسم، ما يؤثر سلبًا على جهاز المناعة ويضعفه.
يحدث ذلك أيضًا عندما تتناول الأطعمة الدسمة والدهنية، والأطباق المسبكة والمقلية.. كل هذه الأطعمة سيئة السمعة، مليئة بالجزئيات الحرة المؤكسدة والمواد الكيميائية التي تدمر وتضعف جهازك المناعي.
إذا كنت من المدخنين فأنت أكثر عرضة من غيرك للإصابة بالأمراض المختلفة، كنزلات البرد، والصداع الشديد، واحتقان الزور وغيرها؛ لأن السجائر تدمر مناعة جهازك التنفسي وتؤدي إلى تكوين الجزيئات الحرة المؤكسدة (Free Radicals) وهي جزئيات تدمر خلايا المناعة، وتشجع على حدوث التحولات السرطانية للخلايا. لذا فإن الإقلاع عن التدخين لا تقتصر فائدته فقط على إعطاء جسمك فرصة للتخلص من السموم، ولكنه يمثل خطوة إيجابية لإعادة بناء قوات جهازك المناعي وتحسين مستوى جاهزيتها وكفاءتها. كذلك الإفراط في تناول القهوة والشاي والأنواع المختلفة للمياه الغازية، يؤدي إلى إلحاق الضرر بجهازك المناعي، لذا يفضل التقليل من تناولها وبالأخص في فترات الليل.
لا تختبئ السموم فيما تأكله أو تشربه فحسب، بل فيما تتنفسه أو تلمسه أيضًا؛ إذا تواجدت لفترة طويلة في بئية ملوثة بعوادم السيارات أو أبخرة المصانع، من الأفضل أن تشرب كوبًا كبيرًا من الماء وعصير الليمون، وأن تستحم بالماء البارد أو الساخن فور عودتك إلى البيت، فتغيير درجة حرارة المياه أثناء الاستخدام بين الحار والبارد، يساعد على إعادة ضبط حرارة الجسم وتدفق الدم. كما أن التدليك يساعد أيضًا على تقوية جهاز المناعة.
بـ- التوتر المزمن والضغط العصبي طويل الأمد: بالإضافة إلى الإصابة بمشكلات صحية أخرى، مثل أمراض القلب والسكري، الإجهاد العصبي والضغوط النفسية يمكن أن يجعلا الجسم أكثر عرضة للعدوى، ويتجاهل كثير من الأشخاص هذا الأمر على الرغم من تأثيره المؤكد على الجهاز المناعي.
يتسبب القلق والتوتر والإجهاد الشديد في إفراز الأدرينالين والكورتيزول، وهما هرمونان قد يضعفان جهازك المناعي، حيث يقلل الكورتيزول من إنتاج البروستاغلاندين الجيد الذي يدعم وظائف المناعة. وبالتالي فإن الأشخاص الذين يعانون كثيرًا من الإجهاد النفسي، هم الأكثر عرضة للإصابة بالفيروسات. إذا لاحظت أنك تصاب بنزلات البرد أكثر من ذي قبل، فقد يكون السبب كامنًا في توترك المزمن، وتأثرك ببعض الأفكار السلبية ،والمشاعر الحزينة، وسوء تصريف انفعالاتك، ومع مرور الوقت تضعف مناعتك.
تساعد تمارين الاسترخاء، وممارسة التأمل، والصلاة، والرياضات الروحية عمومًا، على استعادة شعورك بالسيطرة والتحكم، والحفاظ على قوة جهازك المناعي.
بشكلٍ عام، كلما نجحت في تصريف الانفعالات السامة، وأحسنت التعامل مع عواطفك وأفكارك، زادت قدرتك على التخلص من التوتر وحل المشكلات. وعلى الرغم من أن ذلك لن يقلل بالضرورة من فرصة إصابتك بـ “كوفيد-19″، إلا أنه جدير بالمحاولة.

(*) طبيبة متخصصة في علم الميكروبيولوجيا الطبية والمناعة / مصر.