سم النحل سائل شفاف يجف بسرعة حتى في درجة حرارة الغرفة، ورائحته عطرية لاذعة، وطعمه مرٌّ، وبه أحماض عديدة، منها الفورميك، والأيدروكلوريك، والأرثوفوسفوريك، وغيرها.. بالإضافة إلى كمية كبيرة من البروتينيات والزيوت الطيارة. وسم النحل موجود في كيس داخلها، ويزيد السم في هذا الكيس إذا زادت نسبة المواد البروتينية عن المواد الكربوهيدراتية في غذاء النحل.
كيف يتكون سم النحل؟
يتم تكوين وإفراز سم النحل في نحلة العسل، من زوج من غدد السم المتحورة عن الغدد الزائدة، ويتم تخزينه في كيس السم (Poisonsac) الذي يفرغ محتوياته عند اللزوم، في قاعدة آلة اللسع.
وفي النحل حديثة الخروج من العيون السداسية، كمية صغيرة جدًّا من سم النحل، ومع تقدم العمر عند شغالة النحل، تتراكم فيها كميات من السم بشكل تدريجي، وتصل إلى 0.3 ملليجرام في شغالة نحل العسل البالغة من العمر 15 يومًا.
وعندما يصل عمر النحل الحارس إلى 18 يومًا، يتوقف إنتاج كميات إضافية من سم النحل. وبالتالي يبقى وزن سم النحل داخل كيس السم ثابتًا لا يتغير، وإذا تم إفراغ محتويات كيس السم هذا، لا يمكن أن يمتلئ ثانية. أما عند ملكات النحل، فإنها بمجرد خروجها من بيتها، يتكون السم بشكل كامل، وذلك لاحتياج هذه الملكة إليه في قتل منافساتها.
فكرة العلاج بسم النحل
تقوم فكرة العلاج بسم النحل أو لسعه، على زيادة كفاءة الجهاز المناعي وتقويته، ليصبح قادرًا على مقاومة الفيروسات والحد من انتشار المرض؛ حيث تعمل ميكانيكية لسع النحل على تنشيط الغدة فوق الكلوية التي تفرز الكورتيزون الطبيعي، كما يحتوي سم النحل على مادة الأدولين التي تستخدم في تخفيف الآلام السرطانية في بدايتها. والأدولين مسكّن تصل قوته إلى عشرة أضعاف تأثير المورفين.
ويؤكد أطباء وباحثون أن العلاج بلسع النحل وسم النحل أو أي منتج من منتجات عسل النحل، لا يحتوي على آثار جانبية. يقول الدكتور عبد الرؤوف الديب، الأستاذ بكلية الطب بجامعة قناة السويس، لرويترز: “العلاج بلسع النحل أو عسل النحل ليس له أي أضرار، ومعظم التجارب العلمية على استخدامه كانت ناجحة، إلا أنه لا يمكن تعميمها لأنها لم تخضع إلى منهج بحثي علمي”.
وفي حالة نادرة لسيدة قادمة من الواحات، استطاعت في مقتبل عمرها أن تحقق حلم حياتها في الحمل باستخدام سم النحل، ووضعت مولودة بمستشفى هليوبوليس بمصر الجديدة. قد يكون الخبر عاديًّا، ولكن الغريب أن السيدة تعرضت للإجهاض12مرة، ولم تفلح في تحقيق الحمل إلا بعد استخدام حقن سم النحل، بالرغم من أن كل الفحوص أكدت سلامتها وعدم وجود أي موانع.
يعاني بعض الناسِ من حساسية من سم النحل، وتحصل لهم العديد من ردود الفعل التي يمكن أن تحدث من لدغة النحل، أو من المنتج المستخلص من سم النحل، لكن في العادة تكون ردة فعل موضعية مع احمرار وورم يحيطان بموضع اللدغة. والبعض يعاني من ردة فعل أقوى، ويحصل ذلك عندما يزداد الورم وينتشر في كامل الطرف ويسبب مشاكل بالحركة. وتتضح ردود الفعل الحادة عندما يعاني الشخص من احمرار وتهيج، وصعوبة في التنفس الذي يمكن أن يترتب عليه فقدان الوعي، مما يستدعي إلى مساعدة طبية مستعجلة.
لدغة النحل لعلاج التهاب المفاصل
أفادت صحيفة جرانما الحكومية الكوبية بأن الأطباء الكوبيين يستخدمون طريقة لدغة النحل، في علاج التهاب المفاصل وتصلب الأنسجة وغيرها من الأمراض.
وذكرتْ أن هذا الأسلوب العلاجي الذي استُخدم للمرة الأولى في العصور الوسطي، يمكنه أن يلين من خشونة الندبات التي تتألف من أنسجة غليظة، والتي تنشأ أحيانًا في أعقاب العمليات الجراحية. وأضاف التقرير أن سم النحل يحتوي على ما لا يقل عن 18 مادة نشطة، وأن المادة الرئيسية به -وهي الميليتين- لها تأثير فعال في علاج الالتهابات. وجاء في التقرير أن لدغة النحل تحفز الجسم على إفراز هرمون الكورتيزون بشكل طبيعي، مما يحول دون ظهور الآثار الجانبية التي ينطوي عليها تعاطي الكورتيزون بشكل دوائي، وأن العلاج بلدغة النحل يتم بالإمساك بالنحلة برفق بواسطة ملقط، وإبقائها حية لما يتراوح بين 15-20 دقيقة؛ لكي تتمكن من لدغ المريض وضخ السم داخل مجرى دمه. ولا يسمح للمرضى الذين تثبت حساسيتهم ضد سم النحل بالاستفادة من هذا الأسلوب العلاجي، وقاية لهم من التعرض لرد فعل حاد.
وعادة ما يكون لهذا الأسلوب العلاجي آثار جانبية محدودة، إلا أن مخاطر الحساسية قائمة، مما جعل الأطباء ينصحون بتوفير مجموعة مضادات لحساسية لدغ النحل في مكان العلاج. وقالت الصحيفة إن الأطباء الكوبيين يستخدمون في علاج مرضاهم العسل وعسل ملكات النحل وحبوب اللقاح.
استخدامات سم النحل
ويُستخدم سم النحل في علاج خاص للحمى الروماتيزمية الحقيقية، أما في حالة الأشخاص الذين يعانون من التهاب المفاصل الناتج عن أمراض الزهري والسل؛ فإن سم النحل يؤدي إلى رد فعل خطير لديهم، وكذلك يشفي من حالات التهاب الأعصاب وعرق النسا، وكذلك يفيد في بعض الأمراض الجلدية مثل الطفح الدملي، ومرض الذئبة، وكذلك علاج الملاريا. كما نجح سم النحل في علاج حالات لفقر الدم المنجلي واللوكيميا وسرطان الغدد والسمنة والنحافة.
يعود استخدام لسعات النحل وسمومها إلى العهدين اليوناني والروماني، عندما كان الناس يكيلون المديح للفوائد العلاجية والصحية لسم النحل وعسله. ولم تتوقف المشاعر الإيجابية تجاه هذا المنتج الطبيعي حتى الآن، بل ازدادت وتنوعت طرق استخدامه لعلاج أمراض التهاب المفاصل والأمراض التنكسية (Relapsing Diseases)، بما في ذلك مرض تصلب الجهاز العصبي المتعدد.
يحتوي سم النحل على 18 مادة فاعلة، أهمها مادة “ميليتين” المضادة للالتهاب والتي تبلغ قوتها 100 ضعف قوة دواء “هايدروكورتيزول” الذي يستخدم في علاج حالات الالتهاب التي يتعرض لها الجسم. كما يحتوى السم على مادة “أدولابين” المضادة للالتهاب والمسكنة للأوجاع، وكذلك مادة “أبامين” التي تساعد على تواصل الإشارات العصبية، ومواد أخرى معظمها من البروتينيات التي تقاوم الالتهاب وتلطف الأنسجة.
ويحتوي سم النحل أيضًا على كميات محدودة من المواد الكيماوية التي تلعب دورًا في نقل الإشارات العصبية، من أهمها “دوبامين” و”سيراتونين” و”أبينفرين”.
وقد أكدت دراسات عدة وتقارير منشورة، أهمية سم النحل في علاج التهاب المفاصل الروماتيزمي، والالتهاب العظمي المفصلي، وفي تسكين الآلام الناتجة عنها، وكذلك أمراض الأنسجة الضامة مثل مرض تصلب الجلد، وأمراض أخرى لا علاقة لها بالمفاصل مثل الربو وذات القولون التقرحي، والجروح الحادة والمزمنة مثل التهاب الصرة والتهاب الأوتار وغيرها من الجروح التي تتطلب عوامل وأدوية مضادة للالتهاب. وينفع سم النحل في تلطيف ندوب الأنسجة والجدر، وفي تسطيحها وتخفيف بروزها وقتامة لونها.
هذا وقد ازداد الاهتمام بسم النحل في علاج مرض تصلب الأعصاب في الولايات المتحدة الأمريكية، ليصل إلى الملايين. ونظرًا لانعدام وجود علاج شاف لهذا المرض، يحاول العديد من المرضى اللجوء إلى وسائل علاجية أخرى تساعدهم في السيطرة على أعراض المرض المتنوعة، مثل الإرهاق والوهن واضطراب البصر وفقدان الاتزان والقدرة على تناسق حركات العضلات.. هذا بالإضافة إلى صعوبة المشي والحركات، وعدم القدرة على النطق السليم، والتعرض للشلل الرعاش، مع احتمال الإصابة بالشلل الجزئي أو الكلِّي في الحالات السيئة للغاية.
وعلى الرغم من عدم وجود معطيات أو أدلة طبية تؤكد سلامة وفاعلية سم النحل في علاج أعراض مرض تصلب الجهاز العصبي، قامت الجمعية الأمريكية لمرض التصلب العصبي، بتمويل دراسة مهمة لجمع سم النحل في قوارير، ومن ثم حقنه تحت جلد المرضى المشاركين في الدراسة، مع الأخذ في الاعتبار احتمالات إصابة بعض المرضى بردود فعل خطيرة نتيجة حساسية أجسادهم لسم النحل. لذا يخضع كل مشارك في هذه الدراسة إلى فحص مناعي، للتأكد من حساسيته تجاه سم النحل، فإذا أظهرت النتائج أنه معرّض لردود فعل سلبية عند حقن السم تحت جلده، يرفض القائمون على هذه الدراسة مشاركته. ويبدو من النتائج الأولية للدراسية، أن عددًا لا يستهان به من المشاركين، شعروا بمزيد من الاتزان وانخفضت نسبة الوهن والرعاش عندهم.
إلا أن رئيس الجمعية الأمريكية لمرضى التصلب العصبي، حذّر من خطورة حساسية الجسم عند بعض المرضى تجاه سم النحل، وأشار إلى عدم توصية الجمعية باستخدامه كعلاج لهذا المرض أو غيره من الأمراض، والاعتلالات الصحية. كما أكد أن دعم الجمعية المادي لهذه الدراسة، هو لمجرد الاطلاع على ماهية الفوائد الممكنة فيما يختص بالجهاز العصبي. فإذا كانت النتائج إيجابية، ستقوم الجمعية بدعم المزيد من الدراسات والأبحاث، وستشجع على تطبيق هذه الوسيلة العلاجية، أما إذا جاءت النتائج سلبيةـ فإن الجمعية تكون قد كشفت بذلك زيف الادعاءات الرائجة بالنسبة إلى سم النحل.
سم النحل وأمراض السرطان
لقد اكتشف العلماء والباحثون مادة جديدة في سم النحل، لها تأثر فعال لتسكين الألم، وأقوى من المورفين بعشرات المرات، وسمِّيتْ “أدولين”، تتمتع بخاصية خفض الحرارة، وهي تعادل خمسة أضعاف الأسبرين. ويمكن استخدام هذا المادة في حالة السرطان لعلاج الألم الذي ينشأ عنه. وفي اليابان، تم استخدام غذاء الملكة كمادة ضد نمو الأورام الخبيثة، ويعزى ذلك إلى دور غذاء الملكات في كونه يحطم الأحماض النووية في خلايا الورم، ولكن هذا التأثير يتم ببطء.
(*) استشاري في طب وجراحة العيون / مصر.
المراجع
(1) انظر: كتاب “موسوعة علاج السرطان بالطب البديل”، لمحمد السقا عيد، دار اليقين للطبع والنشر والتوزيع، جمهورية مصر العربية.
(2) مواقع متفرقة على الإنترنت.