أخرج من سجنك كما خرجت

لن يشفعَ لك ما كان من الماضي الأبيض الذي تتكؤ عليه وتعتقد فيه، والذي ولَّى هارباً ولن يعود، لأن الحاضر بل وحتى المستقبل الذي لا تَمْلِكه قد يكونُ أو لا يكون، والأيام كما ترى، كـالشِّـتاء القُـطبي، ساعاتُ الـفرح فِـيها كالضِياء خاطفة، والفواجع كاللَّيل لا تنتهي..، وإنّي مثلُكَ وأُحس بكَ، الآنَ تسكنك رغبة جامحة في الصراخ والصياح..، حتى تنهار ما على صدرِك من طبقاتِ الخُنُـوعِ والـذُّلِّ والـهمِّ والاستِـكان، والكمد والألمِ، والتوجُّسِ والحيطة، والقلق والانْقِباضِ..، لينطلق قلبك من صدرك حُراًّ، يطيرُ إلى أجواء النسور، ويحلق عاليًا بكرامة واعتدال واستقامة.

أنت حتما لا تريد أن تكون ماء بين أيدي الآخرين، لا طعم ولا لون ولا رائحة لك! بل ولا راحة لك، مع ذلك، أنت تحرص وبشيء من المدَارَاةِ، أن تغرس أشجار الصبر في كل ساحة، قلبك الكبير انتظر على أحـرٍّ منَ الجَمرِ انتظارًا طويلاً، ثقيلاً مؤرقًا، وقد تأجَّجَتِ المشاعرُ لِتَنْفُث في انسياب، وتفرغ كل ما في القلب من وجع وفزع وولع، وكم قرأت وسمعتُ ورأيتُ، عرفت ما لم تكن تعرف، وأدركتُ ما كان أمام عينيـك ولا تَراهُ، حـالمًا وسـاذجًا أحـيانا أخرى، تَـحْتَجُّ بلا ضجيج..، تصدع أركان قرارك، تتدفقُ تنسابُ وتنهار وأنت تنادي بلا حنجرة، نداءاتك تَتَلاشَى في أعماقِك..، تشدك إلى الأرض، يقفز القلب منك، يسبقك وبكل كبرياء….، بكل ما أوتي من قوة يهتز، يُدَوِّي ويقول في عِـزَّةٍ: ـ ها قد عادت إليَّ كرامتي، وهأنذا أقولُ لكم: لا تكُونوا عبيداً لشهواتكُمْ وأهوائِكُم…!

ولْتَكُـنْ قُـلوبُكمْ مُعَلَّقةً بين الخَـوْفِ والرَّجاء، وألاَّ تخافوا شيئا إلا عذابَ الله، وألاَّ ترجوا أيَّ أحد سِوى رحمة الله!

وأن يَـكون الاتجاه الحقِـيقيُّ إلى اللهِ وحْـدَهُ القَـاهر فوق عباده، ولْتَطْرقُوا بابَـه بمُنْتَهى الخُشوعِ والخُضوعِ.

بهذا وحده أنطلق وأحيا حياة طيبة كريمة حقيقية.

ثُمَّ هأنذَا أنطلقُ.. أطير فَـرحا، فَـما أَسـعـدنِي.