لقد انصرفت جهود بعض الباحثين إلى دراسة ألوان الحيوانات بالفحص والتحليل، محاولين معرفة سر الألوان واختلافها عن بعضها، كما اهتم العلماء ببحث ودراسة كيفية رؤية الحيوانات لما حولها من الألوان المختلفة، وتوصلوا إلى نتائج مثيرة نعرض طرفًا منها في هذه السطور.
الألوان في عالم النبات
أما النباتات، فالأضواء يمكن أن تغير ألوانها، وتساعد على نموها، وقد تعرقل هذا النمو.. فقد أثبتت سلسلة من التجارب أن الضوء البنفسجي يساعد على نمو العنب، والضوء الأحمر يساعد على إنبات الحبوب والبذور، فيما يساعد اللون الأحمر والبرتقالي والأصفر على نمو الخلايا الصغيرة، أما الألوان الأخضر والأزرق والبنفسجي، فتبطئ من نمو تلك الخلايا.
إن تموج الألوان وتداخل الخطوط وتنظيم الوريقات في الزهرة الواحدة، معجزة تتقاصر دونها عبقرية الفن في القديم والحديث، فضلاً عن معجزة الحياة النامية في الشجر، وهي السر الأكبر الذي يعجز عن فهمه البشر.
فمن خلال تجربة شهيرة، تبين أن زراعة النبات تحت غطاء من القش أو التبن الأحمر، يساعد على زيادة المحصول وتحسين نوعيته. بدأت التجربة بوضع مجموعة من الخطوط المتعددة الألوان، ومع كل لون غرست بذور نوع من نبات، ثم تابع العلماء المراحل المختلفة لتحول البذور إلى ثمار كاملة.. والنتيجة كانت مدهشة؛ فقد حملت الخطوط الحمراء محصولاً أوفر وأفضل من بقية الخطوط التي تحمل ألوانًا أخرى، خصوصًا محصول الطماطم والقطن والفاصوليا. قدم العلماء التفسير الآتي: إن أشعة الشمس تتحلل عادة إلى ألوان الطيف المعروفة ومن بينها درجة اللون الأحمر، تتفاعل أمواجها مع اللون الأحمر المزروع، وتكون النتيجة نمو محصول أكبر وأفضل.
كذلك نجد أن الأشعة فوق البنفسجية والزرقاء، تساعد في تكوين اللون الأحمر في ثمار التفاح. أما بالنسبة للنمو فالأشعة فوق البنفسجية تعتبر ضارة وتؤدي إلى تقزم النباتات، ولها تأثير على النباتات النامية على قمم الجبال، في حين أن الأشعة الحمراء تسرع من إنبات بعض البذور، بينما الإشعاع الأحمر البعيد، له تأثير سلبي على إنبات البذور.
يزيد الضوء من نسبة الإنبات في بعض المحاصيل مثل “الخس” (Lactuca sativy)، وكذلك يتأثر إنبات نبات الجزر، في حين تزداد نسبة الإنبات في الظلام لنبات (Liliaceae) الأبصال.
إن بعض النباتات والتي تعرف بنباتات النهار القصير -مثل نبات الدخان- عُرف بأنها تزهر عندما تكون ساعات النهار قصيرة وساعات الظلام طويلة، ولكنها لا تزهر تحت ظروف أخرى من طول النهار. كما أن البعض الآخر من النباتات (نباتات النهار الطويل والليل القصير، مثل السبانخ تزهر فقط عندما يكون النهار طويلاً والليل قصيرًا)، كما أن هناك مجموعة ثالثة من النباتات (الطماطم والقطن) تعرف بنباتات النهار المحايد ليس لها أفضلية بالنسبة لطول النهار لكي تزهر.
تشهد بعض النباتات أيضًا، تغييرًا في ألوانها، فالأوراق الخضراء لبعض أشجار الغابات -كما هو حال القيقب- تتحول من الأصفر إلى البرتقالي فالأحمر في فصل الشتاء. تحتوي هذه الأوراق على تنوع من الأصباغ كالكلوروفيل الأخضر بلا شك، ولكنها تحتوي أيضًا على البرتقالي والأصفر إلى جانب الأحمر.
في الصيف يعم الكلوروفيل الأخضر ليخفي الألوان الأخرى، أما في الشتاء -وبما أن اليوم يصبح أطول- تقل نسبة الكلوروفيل وتسيطر الألوان الأخرى على الموقف لبضعة أيام فتعم الغابة ألوانًا زاهية قبل أن تغط في نوم عميق طوال فصل الشتاء.
الألوان في عالم الحيوان
تساعد الألوان الحيوانات على التعرف بأقرانهم، فأم الكتاكيت -مثلاً- تفهم فراخها أهي بحاجة إلى الطعام أم ليست بحاجة، وبالمثل يدرك الفرخ أمه بهذه الطريقة ويفهم أن الطعام قد وصل أم لا. فهذه الكائنات الحية تحتاج إلى معرفة معاني الألوان من أجل البقاء على قيد الحياة، ومن أجل تحقيق هذه المعرفة بشكل صحيح، فإنها تحتاج إلى امتلاك أنظمة سليمة للإدراك، وإذا لم يكن لديها تلك الأنظمة، فإنها لن تكون قادرة على إدراك البيئة المحيطة بها بشكل صحيح، أو القيام بأنشطتها الحيوية، ولن تكون قادرة على التعرف على الطعام أو تمييز الأعداء.. لذلك وفي هذه الحالة الأخيرة، فإنها تتجنب العالم الخارجي كي لا تكون فريسة سهلة محكوم عليها بالموت.
أثبتت بعض التجارب أن الدجاج إذا تعرض لضوء صناعي ملون، فإنه يبيض بسرعة أكثر من سرعته المعتادة، وأن ديدان الأرض يجذبها اللون الأحمر، كما أن الحشرات القارضة عديمة الأرجل من فصيلة “أم أربع وأربعين” تحب اللون الأحمر والبرتقالي والأصفر وتهرب من اللون الأزرق والبنفسجي والأخضر، لكن الفراشات تحب بوجه خاص الألوان الأزرق والأخضر والبنفسجي، فيما عدا الذباب يحب جميع الألوان ما عدا اللون الأزرق فإنه ينفر منه، ولهذا نجد أن الغرف المطلية باللون الأزرق تكاد تخلو من الذباب.
عندما تتلون الحيوانات
يعكس عالم الحيوانات تنوعًا كبيرًا من الألوان، فسواء كانت مشعة أو هادئة، لم تأت لمجرد هدف جمالي، بل لأهداف عدة، كالتمويه أو التخلص من أشعة الشمس فوق البنفسجية، أو لإخافة المفترسين.
ونالت الحرباء منذ قديم الزمان شهرة واسعة في قدرتها على تغيير لونها، فقد تعرض الحرباء خلال ساعات اليوم الواحد ثوبًا مختلفًا من خلال ألوانها. والتلون في الحرباء دفاعي وقائي.. ولون الحرباء قد يختلف اختلافات بينية من الأخضر الزيتي والأخضر المشوب بالاصفرار، كما أن منها البني والأشهب. ويتغير لون الحرباء من الأخضر الداكن إلى الأخضر الفاتح حسب الظروف التي تؤثر على الحيوان، إذ يوجد في جلد الحرباء بوصيلات صغيرة تتحرك حبيباتها داخل تفرغات الخلايا، فيظهر الجسم بلون يختلف باختلاف تأثير الضوء أو الظلام، وكذلك لون الوسط المحيط، بالألوان ودرجة الحرارة على المكونات الخاصة بالخلايا الجلدية.
إن الكائنات الحية، لديها قانون لغة اللون الذي يعمل وفقًا للضوء ونظم الإدراك التي تمتلكها.
كذلك تقوم بعض الحشرات بتغيير لونها الأصلي إلى لون آخر جديد، وذلك إما للهروب من الأعداء، أو لتسهيل الهجوم على فريستها، ومثال ذلك حشرة السرعوف الهندي (فرس النبي الهندي) الذي يتجمع في لون وشكل بتلات الزهور، فتظنه الحشرات الأخرى زهرة فتحوم حوله إلى أن تقع دون احتراس فريسةً له.
وهناك أيضًا بعض الحشرات التي وهبها الله أسلحة للدفاع، إذ يكون هذا التسلح مصحوبًا بألوان مميزة. وهذه الحشرات غالبًا ما تكون سامة، أو لها طعم منفر، أو رائحة كريهة، ومثال ذلك الزنابير اللاسعة التي يغلب عليها الألوان الصفراء والحمراء والخضراء المميزة.
إن حشرة لها نفس لون زهرة ما.. وثعبان لا يزال قائمًا على فرع شجرة بنفس اللون.. وضفدع قد تكيف مع لون الأرض الرطبة.. باختصار، فإن كل المخلوقات تقوم بالتمويه على نفسها، وهذا دليل أن التمويه هو تكتيك دفاعي محض قد خلق لذلك الغرض.
ألوان الطيور
إن ألوان الطيور هامة كي تتكيف مع بيئتها، وكي تتعرف على بعضها البعض. والملفت للنظر هو أن الأصباغ تعطي اللون للريش وتعزز قوته، وتخزن الطاقة القادمة من الشمس، وتمنع الأشعة فوق البنفسجية الضارة من الدخول إلى جسم الطير.
سر جمال الطاووس
جمال الطاووس في ألوان ريشه، ولكن ما هو مصدر هذه الألوان؟ إن مصدر الألوان البديعة التي تتراءى لأعيننا في ريش الطاووس وريش كثير من الطيور الأخرى، هي ما تتضمنه بنية هذا الريش من فقاقيع هوائية كمنت بمقادير مختلفة وعلى أوضاع مختلفة بين طبقات هذا الريش، فإذا سقط ضوء الشمس عليها انعكس، وتحلل إلى الأخضر والأصفر والأحمر.
هل يميز النحل الألوان؟
يستطيع النحل أن يميز ألوانًا كثيرة، كما ينجح في تمييز اللون فوق البنفسجي الذي لا يراه الإنسان. ولكنه لا يميز اللون الأحمر، فهو يبدو أمامه وكأنه أسود.
الحمام الزاجل كيف يرى الألوان؟
قام العلماء بتغطية عين الحمام الزاجل بمناظير مختلفة الألوان من السليوليد، وأطلقوه في الجو ليدرسوا تأثير الألوان المختلفة على عينيه، وليروا هل سيعود الحمام الزاجل إلى بيته أم لا؟ وقد دلت نتائج التجربة على أن المناظير ذات الألوان الصفراء والحمراء، لا تعوق الحمام عن عودته، فهو يرى خلال هذين اللونين أمامه بوضوح. أما المناظير ذات اللون الأخضر والأزرق، فقد عاقت الحمام الزاجل من العودة إلى داره، إذ بدت الدنيا أمامه وكأنها ظلام.
الدجاج واللون البنفسجي
قام العلماء بتجربة نثر الحبوب موزعة على ألوان الطيف السبعة أمام مجموعة من الدجاج، ولاحظ العلماء أن طيور الدجاج قد التقطت كثيرًا من الحبوب من مناطق الألوان الأحمر والأصفر والأخضر، بينما التقطت قليلاً من الحبوب من منطقة اللون الأزرق، ولكنها لم تقترب مطلقًا من منطقة اللون البنفسجي. ومن الملاحظ عمليًّا هو عدم وجود طعام للطيور لونه أزرق أو بنفسجي.
هل تميز الحيوانات الألوان؟
أوضحت التجارب أن القطط وكذلك الكلاب، لا تستطيع تمييز الألوان. كما أثبتت التجارب أن القردة تستطيع تمييز الألوان.. ومن التجارب التي أجريت في هذا الصدد، أن قام العلماء بتدريب بعض القردة على التوجه إلى خزانة طعامها المطلية بلون معين. ولقد أظهرت القردة بعد ذلك إغفالها للخزانات الأخرى التي طليت بألوان تخالف اللون الذي تعودت عليه.
ثور المصارعة والقماش الأحمر
يعتقد العلماء أن معظم الثدييات مصابة بعمى ألوان، ويقول العلماء أن اللون الأحمر لا يثير ثور المصارعة كما قد يظن، وأن ما يثير الثور هو حركة قطعة القماش أمامه مهما كان لونها. ويعزي العلماء سبب عمى الألوان لدى بعض الثدييات إلى طريقة معيشتها، فأغلبها يخرج للبحث عن قوته ليلاً، كالأسد، والخرتيت، وبقر الوحش، وغيرها.
يستطيع النحل أن يميز ألوانًا كثيرة، كما ينجح في تمييز اللون فوق البنفسجي الذي لا يراه الإنسان. ولكنه لا يميز اللون الأحمر، فهو يبدو أمامه وكأنه أسود.
إن الكائنات الحية، لديها قانون لغة اللون الذي يعمل وفقًا للضوء ونظم الإدراك التي تمتلكها.
إن تموج الألوان وتداخل الخطوط وتنظيم الوريقات في الزهرة الواحدة، معجزة تتقاصر دونها عبقرية الفن في القديم والحديث، فضلاً عن معجزة الحياة النامية في الشجر، وهي السر الأكبر الذي يعجز عن فهمه البشر.
(*) استشاري في طب وجراحة العيون / مصر.