أبصرتُ طفلاً عند باب المصطفى *** يبكي ونيرانُ الهوى تَكْــويهِ

فرحمتُه وبكيتُ مثْلَ بُكائــِه *** حتَّى كأنِّي في الهوى أَحْـكِيهِ

مَنْ ذا الذي أَبْكَى الغلامَ ولم يذُقْ *** طعْمَ الغرامِ ولم يكن يَدْريهِ

ذاك الحبيبُ المصطفى الهادي الذي *** تسعى الـوفودُ لِحَيِّهِ تَأْتِيهِ

جـَـذَبَ القلوبَ صغيرَها وكبيرَها *** حتى بكَى الأطفالُ حُبًّا فيهِ

اِذْرِفْ دمـوعَ الشــوقِ عند نبيِّنا *** فدمـوعُ أهلِ الأرضِ لا تكْفيهِ

واشرحْ له شكْواك من ألَمِ الجَوَى *** فلعــــلَّ منـــه بنــــظرةٍ يَشْـــفيــهِ

ذُبْ فيه من فَرْطِ الغرامِ صبابةً *** واطربْ وَهِمْ فيه وَتــِهْ في التِّيهِ

بُحْ للحبيب بمـا تشاء وناجِهِ *** نجْـــــوَى المحــــبِّ هــــي الـــتي تُنْجيهِ

وبقــدْرِ حبِّـــك فيـــه كُـــنْ متأدِّبًا *** واحذرْ من التشويش والتشــويهِ

فـإذا غُلِبْتَ فما عليك غضاضةٌ *** فــي قـــولِ كـلِّ محدِّثٍ وفقــــيهِ

لا تَخْــدَعنَّكَ فــيه لـومــةُ لائمٍ *** أو يَصْرِفَنَّكَ عنه قــولُ ســفيهِ

مَـــنْ مِثْلُهُ واللهُ عـــظَّــمَ قـــدْرَهُ *** جـــلَّ الذي مِـــنْ فضْلِــه يُعــطيهِ

أوَمــــا سمعــــتَ لـــه حديـــثًا قالَهُ *** أهــــلُ الصحيحةِ لـــم تـــزَلْ تَرْويهِ

“لا تُؤْمنوا حتى أكونَ أَحَبَّ مِنْ ***  كُـــــلِّ البـــريَّةِ وابْــــنِه وأبــــيهِ”

قلبي يَذُوبُ إذا وقفْتُ أمامَه *** وتســيلُ عَيْــــنِي أدْمُعـًـــا تبـكيهِ

وأكـادُ أعتنِقُ التـــــرابَ لحُـــبِّه *** فـــــأَرى جِــــدارًا قائمًـا يَحْــميهِ

واللهِ مــــا فــي الكــــونِ أطهرُ تُرْبةً *** أو بُـــــــــقْـــعـــــةً مــــــــــن بــــقـــعـــةٍ تَحْويهِ

أَشَعرْتَ بالأطفال كيف تلهَّفُوا *** وجَـــــــــرَوْا إلـــــــيك أخٌ قُبَيْلَ أخيهِ

وقَفُوا بِبَابِكَ والـوجوهُ بريئةٌ *** طــــمـــــعًا بـــجــــاهـــك يـــا أعـــزّ وجيهِ

ويُصوِّرُونَكَ بالهواتفِ فرحةً *** وقلــــــوبُهـــــم تَــــحْـتارُ فـــي التشبيهِ

أيضيعُ أطفالي وأنت حبيبُهم *** ومَن احْتَمى بك قطُّ لا تُخزيهِ

يـا زائـــرًا جَــــدِّي هناك بطَيْبَةٍ *** بـــــالله بـــــلِّـــــغْـــهُ ســـــــــلامَ بَــــنِــــيهِ

أخْبِرْهُ أنِّي قد سقِمْتُ مـن الهوى *** وبــــأن رُوحــــــي دائـــــمًا تَــــــفــديهِ

وبــــأننــــــي متــــــــوسِّــــــلٌ بــــجـــــنابِه *** فــــــي كـــــلِّ مـا أرجـــــــوه أو أَبْـــــغيهِ

وبأنــــني مـــــا زِلْـــــتُ محــــتاجًا له *** وهـــو المحـــــبُّ لأهــــله وذَوِيهِ

لا زلتُ أطمعُ في عظيمِ نَـــوالِه *** طمَـــــعَ الوسيـــــلةِ ليــــــس بـــالــتَّأْليهِ

لا شِرْكَ إن قُلْتُ النبيُّ وسيلتي *** فهـــــو الوسيلةُ عـــند كـــــلِّ نَبِيهِ

اللهُ ربٌّ والــــرســـولُ شفيـــعُه *** يُـــعطيه في الدَّاريْــــنِ مــــا يُـــرْضيهِ

يــا أيُّها القمرُ المنوِّرُ في الدُّجَى *** لا زال نـورُك في الورى يَهديهِ

لا زلْـــتَ تَسْــرِي كالحـــياة لِعَالَمٍ ***  كـادتْ مـــــذاهـــب غَـــيِّهِ تُــــفْنِيهِ

يـا حِصْنَ كلِّ العالمين من الرَّدى *** إن الســعـــيدَ هـــــو الذي تُــــــؤْويـــهِ

مـاذا على مَنْ كنتَ حِصْنَ أمانِهِ *** ألَّا يَـــــرَى واللهِ مـــــا يُخــــزيـــهِ

وأنـا الضعيفُ المستغيثُ المُلْتَجِي *** المُسْــــــتَجِــــيرُ بِــــحِبـــِّـــهِ ونَــبِــيِــهِ

كادت صروفُ الدهرِ تقتلُ عزْمَهُ *** فـامْـنُـنْ عـلـيـه بـنـظـــرةٍ تُــحْــيــيهِ

(*) كلية أصول الدين في طنطا، جامعة الأزهر

الشريف / مصر.

الهوامش

(1) لقد شاهدت طفلاً هنديًّا أو باكستانيًّا واقفًا أمام الحجرة النبوية الشريفة يكاد يذوب من شدة الوجد والبكاء، فكتبت هذه القصيدة تأثرًا بحاله. (الشاعر)