نملة تصنع أمن قومها

دروس عظيمة وجليلة علينا نملة، وأثبتها الله سبحانه وتعالى في كتابه، وسمى سورة من كتابه الخالد بسورة “النمل” لقول نملة :(يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(النمل:18).

بداية نسأل كيف عرفت النملة أن القادم هو نبي الله سليمان عليه السلام وحوله جنده؟

إن الله عز وجل يُعْلم جميع الكائنات باسم النبي المرسل في هذا الزمان.

كيف سمع نبي الله سليمان عليه السلام كلام النملة؟

إنه من عطاء الله عز وجل لنبيه سليمان عليه السلام، فلقد قال الله في حق نبي الله سليمان عليه السلام: (وورث سليمان داود وقال يآ أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين)(النمل:16)، بداية المشهد: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالت نملةٌ)(النمل:18)، أي جاءوا إلى الوادي من علٍ – (قَالَتْ نَمْلَةٌ) : ” نملة ” نكرة: فهي أي نملة – شاهدت قرب وصول نبي الله سليمان عليه السلام، وحوله جنده فصاحت على الفور منادية على جميع أفراد مجتمعها (ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ) – ولم تقل: “ادخلوا في مساكنكم” فحذفت : “في” تنبيهًا على السرعة في الدخول لخطورة الموقف. (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ) وجاءت باسم (سليمان) دون أي لقب له، للدلالة على أنه معروف لدى النمل- وأنه النبي المرسل في هذا الزمان ولم تقل :لا يَحْطِمَنَّكُمْ نبي الله سليمان ، لأن سياق كلامها فيه تحذير، فلا يليق ذكر لفظ ” النبوة ” في هذا السياق من كلامها فيا لها من نملة، لديها من الأدب الجم، والفصاحة في التخاطب  (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يحطمونكم وهم لم يشعروا بكم -وبذا وصفت نبي الله سليمان ( عليه السلام ) وجنوده بالرحمة، وفي هذا ما يشير أنها تعلم أن الأنبياء معصومون، فلا يقع منهم خطأ متعمد والاكتشافات الحديثة قد بينت أن للنمل لغة تخاطب، وله من الغرائز الفطرية ما يعطيه قدرا من الذكاء والإدراك، الذي يمكنه من معرفة الأشياء‏ ‏والأشخاص.

الدروس التي نتعلمها من النملة

الدرس الأول: بلاغة وأدب التخاطب قالت النملة (يَآ أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(النمل:18)، قال علماء اللغة: إنها عندما قالت (يَا) نادت (أَيّـُهَا) نبهت (النَّمْلُ) عينت (ادْخُلُوا) أمرت (مَسَاكِنَكُمْ ) خصت (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ) حذرت ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) اعتذرت لنبي الله سليمان، فيـا لها من نملة ذكية .

دروس عظيمة وجليلة علينا نملة، وأثبتها الله سبحانه وتعالى في كتابه، وسمى سورة من كتابه الخالد بسورة “النمل” لقول نملة :(يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(النمل:18).

الدرس الثاني: أن الأمن وسلامة الجماعة، مسئولية كل فرد في المجتمع، ففي مملكة النمل الفرد أغلى شيء في المملكة ويضحى الفرد بنفسه، من أجل الجماعة فيا ليتنا نعتبر.

الدرس الثالث: الهمة العالية والتضحية وإنكار الذات: فلقد أبدت أعلى درجات الهمة والتضحية، حينما سارعت لتنذرهم في الوقت المناسب، منادية عليهم، وكان بوسعها أن تنتحي جانبًا، ولا تفكر إلا في إنقاذ نفسها، ولكنها اختارت المخاطرة من أجل إبلاغ قومها، مما يدل على التضحية العالية وإنكار الذات.

الدرس الرابع: النظام وتقسيم العمل فهذه النملة مجرد نملة عادية ليست زعيمة النمل ولا رئيسة، وإنما هي تؤدي مهمة كغيرها، فباقي النمل مشغول بأداء الأعمال والمهام المكلف بها، فلم يروا ركب نبي الله سليمان – ولكنها هي الوحيدة التي رأت الركب، فقد يكون لكونها تولت أمر مراقبة الوادي وتأمينه.

الدرس الخامس: إدارة الأزمات فلقد رأت النملة أن اتجاه سير نبي الله سليمان وجنده أقرب إلى تدمير مملكة النمل، وهناك احتمال آخر أن ينحرفوا عن هذا الاتجاه ويبتعدوا، ولكن النملة لم تدع الاحتمالات الأخرى، تسيطر عليها وإنما اتخذت سبيل الإنذار المبكر حتى تنجي أمتها، من خطر محتمل.

الدرس السادس: الشعور بالمسئولية فالنملة وكأنها المسئول الأول عن قومها، ومثل هذا الشعور بالمسئولية في كافة أرجاء أي تنظيم من أعلاه إلى أدناه، هو أقصى ما تطمح وتحلم به أي أمة لتحقيقه؛ إذن كل فرد منا عليه أن يحرص على أمن أمته -كما حرصت النملة على ذلك، والآن هل أدركنا لماذا توجد سورة في القرآن باسم “سورة النمل” فبتلك الروح؛ نجى الجميع من إبادةٍ جماعية، كانت ستحل بهم، وذكرها القرآن مثالاً رائعًا للأخوة، ونكران الذات والشعور بالمسئولية، وبذل ما في الوسع لأمن الجماعة.

ولذلك تبسم نبي الله سليمان عند سماعه مقولة النملة‏ (فتبسم ضاحكًا) ضاحكًا لكي يوصل رسالته إلى النملة: بأنه قد سمع مقولتها، وسعِد بها لما فيها من بلاغة، وعلم، وحب لمجتمعها، والتضحية من أجله، فيا ليت جموع البشر في الدول الإسلامية أن يدركوا ما قالته النملة، لتبقى المجتمعات في تعاون، وحب وتضحية.