ما أجمل الجري دون تهور وتعثر

 

       ” ما أجمل الجري دون تهوّرٍ وتعثُّرٍ …”

                       جلال الدين الرومي

لغةُ العِرفان التي تحدثنا فيها..ونتحدث.. ليست “تطويقًا”  لطاقاتِ الانسان وتجميداً لها كما يتوهم البعض .. أبداً

إنها الاُهْبَة الباعثة للهمّة والحركة  والتجدد بلغةِ الحُبّ …

وإنني يا قارئي هنا في حديث عن ” الوجدانية ”  الفاعلة والمُنفعلة.. المتوثبة نحو الحركة والبناء وإبداع ما هو أروع..

فكل ما قيل بالأمس يذهب مع الأمس بلغة “الدارسين الباردين” أو ربما المتجمدين.. لكن في تجربة العِرفان تتساوى كل الأزمنة، فالماضي والحاضر والمستقبل ما هي في النظرة العرفانية إلا توائم ثلاث تساوت في أعمارها وأحجامها.. ولربما اختلفت بوجوهِ الشَبَهِ فيما بينها…

إنها ثقافة روحٍ لا تتأثر بالزمن.. ولا تعبأ به.. إنها لحظة جرت على سنن “النُّشؤ والارتقاء” لتكتسب في “حضرة الخيال” قدرةً وأَلَقًا ومُكْنَة على تسييل  مشاكلنا وأزماتنا… وأن تُعيد تدويرها لتبعث منها “وعياً تفاؤلياً ” منطلقًا في أبعاد وآفاق، غير عابء بقوالب الزمن..إنها اللحظة الماثلة… إنها “بنتُ الوقت “..وحيث وَلَجَتْ وَسَمَتْك وَسَمَتْ بِك الى كمالاتٍ من سَعَة المَدارك.. محطمةً قيود وحدود الجِهاتِ الثماني..

إن مُثُل العِرفان وتجاريبَهُ ليست صَرخَةً في بريَّة مُقفِرة، وإنما هي الواحة الخِصبة المُخْضرة والمُفعمة بإنبات معاني التحمّل وتثبيت قوائم الهِمم عند جَلَد الحياة ومصاعيبها..

ولكن مهلاً.. ماذا يعني لنا كل هذا نحن ” البُناةَ “..

ما هو الناتجُ من مِثل هذه الحفريات المحشوّة بالرموز…

أليس ترفاً أن تحملها حتى الأوراق؟ وقد ازدحم عصرنا بما جد واستجد…

ماذا يعني كلُّ هذا في لغة الأرقام؟

الحقيقة أنني لا أستسيغ  أسلوب اثبات الفروق..

ولكن تأمل بين ثقافة تريد أن تحولك إلى “إفرازاتٍ من السوائل لبنيتها” المعقولة “بعِقال “المُزَمَّنِ” و “المُحَسِّ” تستنصر فيه معارفُك الذاتَ والجسدَ الموتوريـن بأزماتٍ مع معاني الروح فيبدوان عاريين منها….

وبين ثقافة ترفعك إلى عرش تستنصر فيه معارفُك وروحك.. ليخيطا في تناغمهما أثوابًا منمَّقة لما تجسّد، “وتذوَّت”… فتجعلك بذلك لا سيد أزمنتك.. ولكن سيد الأزمنة..

أليس هذا البُعد يحوّل الوجود مرآةً كونية لك؟

ولنترك الحديث عن “ثقافة المرآة” هذه إلى مرموز آخرَ…