أطفال كورونا والتنمر الإلكتروني

في ظل جائحة كورونا تحولت كثير من الأعمال، من العالم الواقعي إلى الفضاء الإلكتروني، خاصة في تعامل الأطفال مع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والمنصات التعليمية وغيرها، الأمر الذي جعل الخبراء يشددون على ضرورة قيام الآباء بتثقيف أنفسهم ومجاراة أبنائهم. إذ تذكر وكالة تابعة للأمم المتحدة، أن بقاء الأطفال في المنازل بسبب جائحة كوفيد-١٩، يجعلهم يدخلون عالم الإنترنت في سن أصغر، ويقضون وقتًا أطول على الاتصال بالشبكة الدولية، كما أصبحوا أكثر عرضة للتنمر الإلكتروني.

تستجيب القيادات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم بسرعة، لتحديات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-١٩)، حيث تقوم بتقديم التوجيه والمواساة لأولئك الذين يعانون من مشاعر القلق والخوف والعزلة والفجيعة.. ومن ثم يحتمَل أن يكون البقاء في المنزل وعدم الاتصال الاجتماعي، أمرًا مرهقًا للأطفال من جميع الأعمار، لذا يحتاج البالغون إعطاءهم بعض الأدوات للتعامل مع الموقف.

لذا ننصح البالغين، بدعوة الأطفال والمراهقين لمشاركة مشاعرهم حول الانفصال عن أصدقائهم، وبمساعدتهم على وضع خطط للبقاء على الاتصال، من خلال الزيارات الافتراضية أو المكالمات الهاتفية أو حتى كتابة الرسائل. كما يمكن للكبار أن يخبروا الأطفال أن كل هذه التغييرات -مثل إغلاق المدارس- يتم إجراؤها لتجنب انتشار الفيروس، ومنع أكبر عدد ممكن من الأشخاص من الإصابة بالمرض.

تحديات التعليم عن بُعد

يخشى الخبراء من أن يؤدي الانقطاع عن الدراسة، إلى توسيع الفجوة بين الفقراء والأغنياء في التحصيل الدراسي، إذ أشارت دراسات إلى أن الأطفال الأكثر ثراء، يتحسن أداؤهم في القراءة في الإجازة الصيفية، في حين أن الأطفال الأكثر فقرًا، تؤثر الإجازة عليهم سلبًا لقلة الفرص التعليمية التي تتاح لهم أثناء الإجازة.

صحيح أن الحكومات تشجع على التعليم المنزلي، إلا أن الطالب لن يتمكن من الحصول على الموارد التعليمية التي تتيحها المدرسة، إلا إذا كان يمتلك جهاز كمبيوتر جيد وشبكة إنترنت يعول عليها، وغرفة هادئة تساعد على التركيز. ويفترض التعليم عن بُعد أن الآباء متعلمون، ولديهم الوقت الكافي لمساعدة أطفالهم في دروسهم.

إن هذه الافتراضات لا تنطبق على الكثير من العائلات، ومن ثم لن يحقق الكثير من الأطفال تقدمًا دراسيًّا أثناء إغلاق المدارس، وخاصة إن كانوا ينتمون لعائلات فقيرة. يقول “فان لانكر”: “إننا نواجه فترة تمتد لشهور طويلة، حُرم فيها الأطفال الأقل حظًّا من فرص التعليم، ومن ثم ستتسع الفجوة بين الطلاب عندما يعاد فتح المدارس في الفصل الدراسي القادم”. وسينعكس الحجر الصحي سلبًا على أبناء الجيل الأول من المهاجرين، لأنهم لن تتاح لهم نفس الفرص المتاحة لأقرانهم للتعلم وتحدث لغتهم الثانية.

وخلص بحث أجراه باحثون من مؤسسة “معهد الدراسات المالية” البحثية، إلى أن العائلات الأكثر فقرًا، أقل استعدادًا للسماح لأبنائهم بالعودة إلى الدراسة.

وتقول “أليسون أندرو” التي شاركت في إعداد الدراسة: “إن نتائج الدراسات السابقة تشير إلى أن العائلات الأكثر فقرًا، كانت أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا، ولهذا تزيد معدلات القلق من الإصابة بين أفراد العائلات الأكثر فقرًا.

ومن أجل الاستمرار في تقليل قلق الأطفال، ننصح البالغين أيضًا بالحد من تعرض الأطفال للأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي. وحتى المراهقين الذين قد يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للبقاء على اتصال مع الأصدقاء، يحتاجون إلى أخذ استراحة من أجهزتهم.

وعلى الآباء متابعة ومراقبة استخدام أطفالهم لوسائل التواصل الاجتماعي، وتوفير النظام وضمان أن الأطفال والمراهقين لديهم وقت خال من متابعة الشاشات خاصة في الليل، إذ مع إغلاق معظم المدارس حول العالم، يجد الآباء والأمهات أنفسهم أمام تحدي تقديم الدعم لأبنائهم لإتمام تعليمهم عن بُعد.

مَن الأقلّ حظًّا؟

ويأخذ هذا التعليم أشكالاً مختلفة، فبينما يكون التعليم عبر الإنترنت متاحًا لأطفال في مناطق عدة، لا تتوفر هذه الرفاهية أمام أطفال آخرين لأسباب عدة. وقد انتقلت دروس التلاميذ بعد الإغلاق، إلى تطبيقات التواصل الاجتماعي كالواتساب وغيرها، لأن معظم التلاميذ ليس لديهم سعة إنترنت كافية لتشغيل مقاطع الفيديو.

إن من بين ملايين التلاميذ الذين أدوا امتحانات العام الدراسي المنصرم ٢٠٢٠، كان ٤٢٪ منهم فقط يمتلكون أجهزة كمبيوتر في المنزل، وذلك وفقًا لمنظمات غير حكومية. وكان أغلب هؤلاء، الذين لا يمتلكون أجهزة كمبيوتر من الإناث ويدرسون في المدارس الحكومية. وتخفي هذه البيانات مستويات متعددة من الحرمان. وغالبًا ما يعيش الأطفال والتلاميذ الذين لا يمتلكون جهاز كمبيوتر، في منازل بها عدد قليل من غرف النوم، ولا يمكنهم العثور على مكان هادئ للتركيز والدراسة. وقد يضطر الكثير من هؤلاء التلاميذ للعمل من أجل كسب المال، كما تضطر الفتيات خصوصًا إلى رعاية إخوتهم الصغار.

ولا يؤثر الحرمان على التحصيل العلمي في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل فقط، ولكن أيضًا في المجتمعات الأكثر ثراء. ففي بريطانيا -مثلاً- يعاني واحد من كل ستة أشخاص من ضعف مهارات القراءة والكتابة، لكن في “بالسال هيث” وهي واحدة من أكثر المناطق حرمانًا في “برمنجهام”، يعاني واحد من كل ثلاثة بالغين من ضعف تلك المهارات. ما نريد أن نقوله هو أن ولي الأمر هو المعلم الرئيسي لطفله. وإن الآباء الذين يفتقرون إلى المهارات اللغوية والرقمية، غالبًا ما يشعرون بالضعف ويؤمنون بمجرد ذهاب أطفالهم إلى المدرسة، أنه لا يوجد ما يمكنهم فعله لدعمهم.

الأطفال والتنمر الإلكتروني

لقد أصبح الإنترنت “شريان حياة رقمي حيوي”، وقد حذر أطباء واختصاصيون في علم النفس من تأثير تفشي كورونا، وقالوا إن القلق الذي يسببه انتشار الفيروس قد يكون له وقع الصدمة على الأطفال. فبقاؤهم في المنازل بسبب جائحة كورونا جعلهم يدخلون عالم الإنترنت في سن أصغر مما كان يخطط لهم أولياء أمورهم، ويقضون وقتًا أطول على الاتصال بالشبكة الدولية، وهم لا يتوفرون على المهارات اللازمة لحماية أنفسهم، فأصبحوا أكثر عرضة للمضايقات على الإنترنت وخاصة التنمر الإلكتروني.

قدّر الاتحاد الدولي للاتصالات -ومقره جنيف- أن ١.٥ مليار طفل، لا يذهبون إلى المدرسة بسبب إجراءات العزل العام لوقف انتشار فيروس كورونا المستجد، الأمر الذي يدفعهم للاتصال بالإنترنت لتحصيل دروسهم، وكذلك من أجل حياتهم الاجتماعية. وقالت “دورين بوغدان مارتن”، مديرة الاتحاد الدولي للاتصالات، في إفادة إلكترونية: “كثير من الأطفال يدخلون على الإنترنت في سن أصغر مما كان يخطط له أولياء أمورهم، بل في سن أصغر بكثير، وبدون المهارات اللازمة لحماية أنفسهم سواء من المضايقات على الإنترنت أو من التنمر الإلكتروني”.

لكن الاتحاد أشار إلى أن الإنترنت “شريان حياة رقمي حيوي”، وأن الجائحة سلطت الضوء على ما يعرف باسم “الفجوة الرقمية” بين من يتاح لهم الاتصال بالإنترنت ومن يفتقرون إلى ذلك.

ويقدر الاتحاد أن ٣.٦ مليار شخص في المجمل، ليست لديهم إمكانية الاتصال بالإنترنت، وأن كثيرًا ممن يستطيعون الاتصال بالشبكة الدولية، يدفعون أكثر مما ينبغي، أو لا يحصلون على اتصال قوي. إن هناك مليارًا ونصف مليار هو عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى التعليم من خلال الإنترنت بسبب جائحة فيروس كورونا، وعلى الرغم من قلق بعض الآباء وأولياء الأمور بشأن جودة التعليم الذي سيتلقاه أطفالهم في بيئة افتراضية، لا يزال التعليم من خلال الإنترنت غير ممكن بالنسبة لملايين الأطفال غير المتصلين بشبكة الإنترنت في جميع أنحاء العالم.

الإنترنت لن يحل محل المعلم

وفي حالة التباعد الاجتماعي، فإن الاتصال بالإنترنت هو ما يجعلنا على دراية بمستجدات الأمور، ومن خلاله نستطيع مباشرةَ أعمالنا، بالإضافة إلى المحافظة على قدر من الرفاهية العقلية والجسمانية. وبالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى الإنترنت، سيكون الأثر الاقتصادي والاجتماعي لهذه الجائحة أشد وطأة عليهم.

إن أولياء الأمور سيكون لهم فهم أفضل للحاجة إلى العمل المشترك مع المدارس لتعزيز تعليم أبنائهم، وسيعون مدى صعوبة وظيفة عمل المعلم وما ينطوي عليه من تحديات، وهذا الأمر سيدفعهم لتقدير عمله أيما تقدير. فالوباء ألغى فكرة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل المعلم. المعلمون يعون الآن أهمية التكنولوجيا الرقمية في عملهم، وستصبح من الآن فصاعدًا عنصرًا أساسيًّا في مجموعة الأدوات التي يعملون بها.

وتدرك وزارات التعليم الآن، أنه من دون التكنولوجيا سيكون من الصعب للغاية توفير فرص التطوير المهني التي يحتاج إليها المعلمون على نطاق واسع، كما تعي جيدًا دور وسائل الإعلام في حياة الناس وفي العملية التعليمية وجود اختلافات كبيرة في جودة التعليم والمدارس في العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وحتى في العديد من البلدان المرتفعة الدخل، والارتباط الوثيق بالدخل والثروة والمتغيرات الأخرى.. أدى إلى ترك المدارس في المناطق الأكثر فقرًا على وجه التحديد، لأنها غير مستعدة بتاتًا للتكيف مع الوضع الجديد.

بيد أن عددًا كبيرًا من المدارس لم تقم بذلك، ونفذ ٣٠ بلدًا إستراتيجيات التعلم عن بُعد باستخدام العديد من المنصات الإلكترونية، وشبكة الإنترنت، وشبكات الإذاعة والتلفزيون، والشبكات الاجتماعية، للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال.. لكن كان هناك تباين في فاعلية هذه الإستراتيجيات التي كانت تستهدف التخفيف من أثر الأزمة.

الفجوة الرقمية كرست الفوارق الطبقية

إن الفجوة الرقمية كرست اللامساواة وغياب العدالة، التي تتمثل في تفاوت فرص القدرة على الوصول إلى الأجهزة، وإمكانيات الاتصال، والبرمجيات المناسبة، فضلاً عن العجز الهائل في المعلمين الملمين بالمهارات الرقمية. لكن الصدمة أصبحت الآن مباشرة، لأن عدم معالجة هذه الفجوة، أدى إلى منع التكنولوجيا من أن تكون العنصر الحاسم في تحقيق المساواة وهي قادرة على ذلك.

إن نقص مهارات العديد من المعلمين في التكنولوجيا الرقمية، ستجعل الناس الآن يتجهون إلى الحلول الرقمية أكثر من ذي قبل، وستضطر بعض المدارس أو بعض الأنظمة إلى استخدام التكنولوجيا على نحو مفاجئ، وقد نجح بعضها ولا يزال البعض الآخر يحاول. هناك مصدر ثالث لعدم المساواة كشفته هذه الجائحة، ألا وهو أن التعليم لا يحدث فقط في المدرسة، ولكن في المنزل وقد تجلى ذلك فجأة خلال هذه الجائحة، فليس لدى جميع الأطفال منزل مستقر مع أبوين متعلمين أو لديهما حافز لتعليم أبنائهما، وليس لدى جميع الأطفال شبكة إنترنت أو كمبيوتر أو جهاز للاستخدام الخاص في المنزل،. وليس لدى جميع الأطفال كتب في المنزل أو مكان لعمل الواجبات والدراسة.. وهنا يجب تحقيق تكافؤ الفرص.

ولسد هذه الفجوة الرقمية لا بد من تغيير جوهري، والأمر لا يتعلق بالأجهزة والبرمجيات، فلن تحل التكنولوجيا محل المعلم أبدًا ولكن يمكن أن تزيد من فاعليته، كما أن هناك أشياء لا يمكن للتكنولوجيا القيام بها، كقصر مدة تركيز بعض الأطفال، وهناك من يحتاج إلى تحفيز و تشجيع وما إلى ذلك.. و بالتالي ينبغي إحداث توازن صحيح بين التكنولوجيا والعامل البشري عند الاستثمار في تعزيز المهارات الرقمية للمعلمين.

ومع استمرار العملية التعليمية في المنزل، يلزم بذل جهد لتوفير الإنترنت والأجهزة للأطفال الفقراء، ويجب أن يكون لدى الأطفال كتب ومواد للقراءة في المنزل. وينبغي أيضًا دعم الآباء وأولياء الأمور دعمًا كبيرًا ليكونوا رقمًا مهمًّا في معادلة تعليم أطفالهم، حيث سيكون مزيج التعلم المباشر والتعلم عن بعد، حقيقة جديدة في واقع الحياة.

كما يجب إدراك أن العملية التعليمية تتحقق من خلال تعزيز دور المعلم باستخدام التكنولوجيا، وتضافر الجهود بين المعلمين وأولياء الأمور والمجتمع، وضمان حصول كل طفل على المساندة التي يحتاجها.. ولن يكون هذا سهلاً، بل سيتطلب قدرًا كبيرًا من التكيف من جانب جميع الأطراف الفاعلة في هذه العملية، فالأشياء الجيدة ليست سهلة المنال.

(*) عميدة كلية التربية السابقة بجامعة الأسكندرية / مصر.

المراجع

(١) البنك الدولي، دروس من الجائحة، درس لم نتعلمه، عدم المساواة ٢٠٢٠.

(٢) التنمر على الإنترنت قضايا معاصرة في تربية طفل ما قبل المدرسة، د. بسمة سيف. (بحث مقدم للمؤتمر العلمي العاشر لعلم نفس الطفل، كلية التربية، جامعة الإسكندرية، أبريل ٢٠٢٠.

(3) Simon, Mallory -Can school dropout widen the gap between rich and poor in academic achievement- 2020 Oxford.

(4) Goldsmith, Susan; Howie, Pauline (2020), “Bullying by definition: an examination of definitional components of bullying”, Emotional and Behavioral Difficulties.

كثير من الأطفال يدخلون على الإنترنت في سن أصغر مما كان يخطط له أولياء أمورهم، بل في سن أصغر بكثير، وبدون المهارات اللازمة لحماية أنفسهم سواء من المضايقات على الإنترنت أو من التنمر الإلكتروني.