المفهوم الزمني استغلال مجدي أو ضياع أبدي

يُعرف المفهوم الزمني بكونه بُعد فيزيائي رابع للمكان، حسب نظرية النسبية الخاصة، لكنه لا يعدو كونه، وسيلة لتحديد ترتيب الأحداث بالنسبة لمعظم الناس، والزمن هو أمر نشعر به أو نقوم بقياسه، وهو يختلف بإختلاف وجهة النظر نفسها التي ننظر بها، بحيث يمكننا الحديث عن زمن نفسي، أو زمن فيزيائي أو تخيلي، ولا يمكن حصر الزمن مبدئيًّا، من خلال الإحساس الجماعي للبشر كافةً، على توالي الأحداث بشكل لا رجوع فيه، فهذا التوالي الذي يظهر بوضوح أكثر بتوالي كلاً (الليل والنهار) وتعاقب الأيام، قد فرض على الناس، تخيُل الزمن بشكل يسير في إتجاه محدد لا عودة فيه أبدًا.

لكن الفيزياء الحديثة، قامت بإنزال الزمن عن مكانه، وإلغاء صفة الإطلاق التي إتصف بها عبر السنين، ذلك لأن نظرية النسبية الخاصة، إعتبرته أحد مكونات المسرح الكوني التي تجري فيه الأحداث، وبالتالي باتت لكل جملة فيزيائية زمنها الخاص بها، الذي يختلف عن زمن جملة فيزيائية أخرى، كما يعبر الوقت عن مسافة زمنية فاصلة بين الأحداث أو التعبير عن نقطة ما على الخط الزمني، ووجدت وحدات قياس الوقت والزمن، والتي تشمل كلاً من الثانية والدقيقة والساعة واليوم والأسبوع، كما تُستخدم كسور تلك الوحدات للتعبير عن الوقت أيضاً، وعن الشهور والسنين، فقد جاء استخدامها كوحدات لقياس الزمن، فهو غير دقيق رغمًا من شيوعه، وذلك لإختلاف أطوال الشهور وأطوال السنوات، مثل السنوات الكبيسة أو البسيطة .

لا يمكن إيقافه

الوقت هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن إيقافه أو التحكم فيه، وهذا قانون كوني جعله الله تعالي ثابتًا، فكل ثانية تمر يذهب معها جزء من العمر ولن يعود أبدًا، فالإنسان هو عدد من الثواني، كما أن الدراسات العلمية الحديثة، تؤكد أن الإنسان الذي يعرف كيف يستغل وقته في أعمال مفيدة ونافعة، يكون أكثر سعادة من أولئك الذين يضيعون أوقاتهم دون فائدة تذكر، لأن السعادة مرتبطة بما يقدمه المرء من أعمال نافعة، فالجزء الأكبر من البشر، باتوا غير راضين عن حياتهم وواقعهم، لعدم معرفتهم لأهمية الوقت .

لا يوجد شيء يمكن للمؤمن أن يندم عليه يوم القيامة، إلا لحظة مرت عليه في الدنيا ولم يذكر الله فيها، ولا توجد لحظة تمر على المؤمن، أسعد من أن يحقق فيها عملاً يرضي الله تعالى.

وهذا ما يسبب لهم الكثير من الإضطرابات النفسية، كما أن علماء النفس يؤكدون على أن معظم الأمراض النفسية، تنشأ نتيجة عدم الرضا عن الواقع، وتلك المسألة تسبب مشاكل نفسية وآلامًا، لا تقل عن الآلام العضوية إن لم تكن تزيد عنها إيلامًا، وقد وجدت بعد تجربة طويلة، أن أفضل طريقة للتغلب على تلك المشكلة أن تُفرغ جزءاً من وقتك، وتستثمره في تدبر الأمور، وخاصةً (القرآن الكريم) والاستماع إليه وفهم معانيه .

بين الواجبات والأوقات

علي حسب آراء خبراء أصول التربية، يجب العلم بأن حجم الواجبات، بات أكثر من الأوقات، لذا فالموازنة مطلوبة لإنجاز أكبر قدر من الواجبات في الوقت المتاح، مع الحفاظ علي الحيوية والنشاط، كما وجد أن العدو الأول للوقت، هو الكسل مع الأخذ في الإعتبار أن قيمة العمل الحقيقية فيما أستغرقه من وقت، وليس في انجازه فقط، والحرص علي تحقيق المعادلة أو الموازنة، بين السرعة في العمل وإتقانه، والربط بين هذين المفهومين برباط قوي .

بل ويجب إدراك أن لكل عمل وقت يُؤدي فيه، كما أن لكل وقت عمل، فليس هناك فسحة من الوقت يفعل الإنسان فيها ما يشاء، وكما قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: “إن لله أعمالاً بالليل لا يقبلها بالنهار، وأعمالاً بالنهار لا يقبلها بالليل”، ويقول الإمام الحسن البصري “ما من يوم ينشق فجره إلا ينادي مناد، أنا يوم جديد وعلي عملك شهيد، فأغتنمني فإني لا أعود إلي يوم القيامة” .

مفهوم الإدارة الجيد

تُعتبر الإدارة الجيدة للوقت عاملاً أساسيًّا، للتعامل مع ضغوط الحياة الحديثة بالحد الأدنى من الإجهاد النفسي، ونظرًا لعدم وجود الوقت الكافي للمرء لإنهاء مهامه اليومية، فإن مزيدًا من الإدارة لوقته ستساعده على التحكم بيومه، ولا تعني الإدارة الجيدة للوقت إنجاز مزيد من الأعمال، بل تعني التركيز على المهام ذات الأولوية، والتي يؤدي إنجازها إلى إحداث تغيير إيجابي، ولا ينحصر ذلك بالعمل، بل يتعداه إلى أن يكون جزءً من نمط الحياة اليومي، لأن التمرين على إدارة الوقت بصورة فاعلة، إنما يساعد المرء على الشعور بمزيد من الراحة والقدرة على التركيز.

قائمة بالواجبات وتجزئة المهام

من الأخطاء الشائعة في إدارة الوقت، محاولة تذكر الكثير من التفاصيل، الأمر الذي يؤدي لفرط تحميل بالمعلومات ولكن تساعد كتابة قائمة بالمهام على تنظيم الواجبات والتحكم بالمشاريع، فعلي المرء القيام بكتابة قائمة بالواجبات اليومية، ومن ثم يجرب مدى فائدتها، إذ أن القيام بذلك يساعدك على تحديد أولوياته ومواعيده، وبالتالي تأجيل المهام غير المستعجلة، ومن الأفضل والأوفر كتابة قائمة واحدة بالمهام، مع تجنب القوائم المتعددة لتفادي التشتت بينها .

 

إن تجزئة المهام إلى أربع مجموعات، باتت هي أفضل طرائق الاستفادة من الوقت فالأولي تكون مهام عاجلة وهامة، والثانية تكون غير عاجلة ولكنها هامة، والثالثة تكون عاجلة ولكنها غير هامة، وعن الأخيرة فهي تكون غير عاجلة وغير هامة، فالأشخاص الذين يتمتعون بتنظيم عالي لأوقاتهم، يقومون بتخصيص وقت للتركيز على الواجبات المهمة وغير العاجلة، وبذلك فهم يقللون من إحتمال أن تصبح واجبات مهمة وعاجلة قريبًا، فالهدف من ذلك هو تعلم كيفية التقليل من الواجبات المهمة والعاجلة ما أمكن، لأن وجوب إنجاز العديد من الواجبات الهامة والعاجلة، قد يكون مجهدًا إلي أبعد حد .

أسعد لحظات المؤمن

لا يوجد شيء يمكن للمؤمن أن يندم عليه يوم القيامة، إلا لحظة مرت عليه في الدنيا ولم يذكر الله فيها، ولا توجد لحظة تمر على المؤمن، أسعد من أن يحقق فيها عملاً يرضي الله تعالى، ويشعر معه برضا رب السموات والأرض وما بينهما، فالوقت نعمة كبرى قد منّ الله بها علينا، ولكن معظم الناس غافلون عن نعمة الوقت، ونجد دومًا أن مقياس النجاح لدي العالم الغربي، هو ما يحققه المرء من مكاسب مادية أو شهرة أو سلطة، ولكن أولئك يتجاهلون فكرة بسيطة، وهي المصير الذي ينتظر كل واحد منا بعد الموت (جنة ونعيم) أو (نار وجحيم) .

العمر مهلة مجهولة

لقد أعطانا رب السموات والأرض مُهلة مجهولة، وهي العمر الذي سنعيشه على سطح الأرض، وسيحدث كل شيء خلال تلك السنوات، التي قدرها الله تعالي لنا مسبقًا، وهذه المهلة تبدأ دومًا منذ الطفولة وحتى الموت، وبعد ذلك يتوقف كل شيء، ويبدأ وقت من نوع آخر، فالوقت في الآخرة إما (نعيم أزلي) أو (عذاب أزلي) وليس بينهما فارق، وقد وجد علماء الإسلام، أن الطريق إلى إدارة الوقت ومن ثم السعادة لا يتحقق إلا بكتاب الله تعالى، لأن كتب البشر جميعها تعتمد على التجربة والخطأ والصواب، ولكن كتاب رب البشر، لسوف يعطي لنا النتيجة الصحيحة مسبقاً، فكل آية من آياته تعتبر قانونًا ثابتًا يمكن تطبيقه دون تُوقع نتيجة خاطئة .

تُعتبر الإدارة الجيدة للوقت عاملاً أساسيًّا، للتعامل مع ضغوط الحياة الحديثة بالحد الأدنى من الإجهاد النفسي، ونظرًا لعدم وجود الوقت الكافي للمرء لإنهاء مهامه اليومية

بل النتائج تأتي كلها دوماً صحيحة ومفيدة، وبالتالي نضمن إستثمار الوقت بأفضل صورة، دون إضعاعة الوقت في تجارب ونظريات قد تصيب أو تخطئ، ونتيجة للإعتماد على تلك الفكرة، إنخفضت نسبة الوقت الضائع إلى الصفر، لأن كل لحظة سيعيشها المسلم سيجد فيها فائدة ما، لأنه بذلك سيعيشها لهدف واحد فقط، وهو الحصول علي رضا الله تعالي .

 فراغ ثم بطالة فـجريمة

وجد علماء الإجرام، وجود علاقة حميمة بين كلاً من الفراغ والجريمة، فالفراغ يؤدي إلي البطالة، والتي تؤدي بدورها في أغلب الأحيان إلى نوع من العُزلة الاجتماعية للعاطل نفسه، ومن ثم تضعف علاقاته الاجتماعية وتتضاءل قدرته على التضامن مع مجتمعه، ليصاب ذلك الشخص بالوحدة ويشعُر بالغربة بينه وببن أهله وعشيرته وطبيعيًّا سيتخلى عن التزامه بالمعايير والقيم الاجتماعية السائدة، وستنهار تلك القيم والمعايير لديه، مما يؤدي به في نهاية المطاف، إلى اللجوء لقيم ومعايير أخرى، كي توائم ظروفه الجديدة، والتي تصبح مبررًا يكفى لسلوكه الإجرامي .

 

ونجد أن الأفعال الإجرامية، قد تقع دوماً، عندما يتوافر لها أنسب المواقيت وأفضل المواقف، والتي فيها يجد الشخص نفسه عاطلاً عن العمل، وذلك بالرغم من قدرته عليه، مما يحفزه على الإختلاط بغيره وأمثاله، من أولئك العاطلين الناقمين، ليظهر اتجاههم للانتقام والتعويض من ما حولهم، وعن أبرز ما يمس الأمن القومي العربي من اشكاليات، هي الناتجة عن الفراغ، المؤدي إلي الجهل والفقر ثم الانحلال.