إليك أيها المعنى

مسافر أنا في صحراء أسأل كل دلال على الطريق إليك أيها المعنى، أخافوني منك وأرادوا تحويلي عنك، في عيونهم ألمس الرأفة وأتسأل لماذا كل ذاك الخوف؟ لم أكن أعرف أن الوصول إلى بابك العالي صعب المنال، لكن الإصرار مني على الترحال راكبًا مُهرة الكلمات أشد لجامها بالحركات والسكنات، وكلما أسرعت اتسعت بيننا فجوة المسافات، أريد أن أصل إليك لتحدثني عن سر الشعور والإحساس؛ ولكن أراك متخفيًّا خلف سدود الكلمات لا بل خلف الحروف والنقاط وراء أنات المشاعر والآهات.

احترت أنا فيك

تتوالى الدعوات والتضرعات لرب الأرض والسماوات والعوالم والكائنات لمعرفة السبيل إليك وبعد مضي الزمان ترسل الإشارة التي فيها أن المعني له عالم خاص خارج عن المكان والزمان للوصول اليه لابد من سلوك طريق الخيال والغوص في أعماق قلوب الكلمات.

باحث أنا عن المعني خلف اللفظة قبل أن تنطق عنها في أثناء انفعالها في الحس والوجدان، وحيث تقلبها في قلب الإنسان وحيث يعقلها فيربطها بالحروف ويلفظها لتقرع الأذان.

أنقب عنك أيها المعنى لتخبرني عن سر الحكمة، يقول لي الدلال لابد من الغوص في أعماق محيط المعنى للبحث عن درره المنثورة والمنظومة، أخذني الدلال إلى برزخ هناك يقع بين بحرين عظيمين الحقيقة والخيال وقال: هنا حيث مجمع البحرين أتركك لأنه سيأتيك من يعطيك الجواب، سألته وكيف لي أن أجده رد مبتعدًا مكررًا كلمات.

كل ما تطلبه يطلبك

كلمات أفهمها ولكنها لاتزيدني إلا حيرة، أجول وأصول راغبًا الوصول لطلبي المأمول، هنا كل يتكلم ولكن بلفظ غير منطوق بكلام يصدر من القلوب فيملأ الوجدان بالدهشة والعجب، هناك وجدته يحدثني بلا لفظة ولا كلمة يكاد يهرب العقل من العِقال كأن كياني كله يدور ويتسرب مني أتلاشى فلايبقى مني جسد ولا جوهر وفِي تلكم الحال خطر على بالي السؤال فإذا بالجواب.

يقول ممثل المعني: حملت الحكمة في طيات صدري قبل أن تسطرها الأقلام وقبل الحرف والحركة كنت الفكرة أحياني من أحس بكياني وقتلني من وقف عند الحروف والكلمات ولم ينقب عن معادن الأفكار ولا عن لآلئ الأسرار، الكلمة ليست كلمة الكتاب بل كل ما خلقه الله كلمات تدل عليه، أنت أيها الإنسان فهرس كتاب الكائنات من حيث لا تدري

وتظن أنك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر

هنا ساد الصمت والسكون، ولا سكون كل يدور وأدور، يتلاشى المكان والزمان والأشكال والألوان ويستمر بحثي عن بيان، يقذف في قلبي أن يا أيها الإنسان أن ليس لك إلا ما سعيت إليه، وهذا السعى مرصود فأحذر فإن العقبة كؤود وتوجه بكليتك إلى الله فكل إليه يعود فاختر مكانك في الخلود واترك العوالم كلها، وقل لا أريد إلا الودود لا أريد إلا الودود.