كتاب “كليلة ودمنة” من روائع الأدب العالمي لصاحبه عبد الله ابن المقفع الفارسي (ت142هـ) دفين البصرة، أسلم وعايش كلا من الدولة الأموية والعباسية.
اشتهر هذا الرجل بما نقله عن كثير من المصادر التي ضاعت، خاصة من اليونانية والفارسية والهندية، كما عرف ابن المقفع بثقافته الواسعة التي تجمع بين العربية والفارسية واليونانية، ومن أشهر مؤلفاته: “خداينامة” في سير ملوك الفرس، و”التاج في سيرة كسرى “انوشروان”، وكتاب “نامة تنسر” في تشريعات الفرس، وتعد هذه الكتب أم المصادر في بابها.
الكتاب ورد عبر أمثلة وألسنة متعددة من الطير والحيوان. وقد تضمن رسائل سياسية وحضارية وتاريخية عالية لكل من يهمه الأمر.
ومنها كتاب “كليلة ودمنة” الذي كتبه ابن المقفع وهو في البلاط العباسي، نقلاً عن أحد فلاسفة الهند،يعد من أكبر وأشهر الآثار الأدبية في ذلك العصر؛ حيث جمع فيها صاحبها من عيون الثقافة الفارسية واليونانية والهندية ما جمله بأسلوبه العربي البليغ.
الكتاب ورد عبر أمثلة وألسنة متعددة من الطير والحيوان. وقد تضمن رسائل سياسية وحضارية وتاريخية عالية لكل من يهمه الأمر، تخللت كل ذلك حكم وعبر خاصة رجال الدولة وخدامها على مختلف مستوياتهم ومسؤولياتهم. ونظرًا لمضامينه السامية خاصة في الحكم السلطانية، تقرر كتاب “كليلة ودمنة” في عدد من المستويات التعليمية بكثير من الدول العربية ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين خاصة منها مصر والشام.
من أجل كل ذلك، وأنا أطالع بعضًا من قصص “كليلة ودمنة” بأن لي أهمية التعريف به وتنوير الرأي العام ببعض ما جاء في ثنايا هذه القصص. حريصًا على نقلها كما هي لتعم الفائدة وتتحرر القراءة. كما أنوه إلى أني انتخبت من أمثلة “كليلة ودمنة” بعضها، حتى لا أثقل على القارء الكريم. أبدأ بذكر المثال الأول من هذه القصص العالمية الرائعة، سائلا المولى عزل وجل أن يبلغ المقصود.
قال ابن المقفع:مثل مكتشف الكنز: “ومن استكثر من جمع العلوم وقراءة الكتب من غير إعمال الروية فيما يقرأه كان خليقًا أن لا يصيبه إلا كما أصاب الرجل الذي زعمت العلماء أنه اجتاز بعض المفاوز فظهرت له آثار كنوز، فجعل يحفز ويطلب فوقع على شيء كثير من عين وورق، فقال في نفسه: إن أخذت في نقل هذا المال كان إخراجي له قد قطعني الاشتغال بنقله عن اللذة بما أصيب منه، ولكن أستأجر قوماً يحملونه إلى منزلي وأكون أنا آخرهم ولا أبقي ورائي شيئًا أشغل فكري بنقله، وأكون قد استظهرت في إراحة بدني عن الكد بيسير أجرة أعطيها لهم، ثم جاء بالحمالين فجعل يسلّم إلى كل واحد منهم ما يقدر على حمله ويقول له: اذهب به إلى منزلي، فينطلق به الحمّال إلى منزل نفسه فيغدر به، حتى إذا لم يبق من الكنز شيء انطلق إلى منزله فلم ير فيه من المال شيئًا ووجد كل واحد من الحمالين قد فاز بما حمله لنفسه، ولم يكن له من ذلك إلا العناء والتعب لأنه لم يفكر في آخر أمره”. (يتبع)