في افتتاحية “حراء” لهذا العدد، يشيد “فتح الله كولن” بعظمة الانتصارات الروحية التي توّجت انتصارات أولئك العظماء الفاتحين من رجال الحروب والمعارك، ويشير إلى أن عظمة الإنسان العظيم لا تتحقق إلا بانتصاره للروح، والوقوف معها بالضد من نوازع اللحم والدم، وبالضد من انتفاخ الـ”أنا”، وتورمها إلى حد الشعور بأن العالم يوشك أن يركع تحت قدمي صاحبها، وأنه كاد يكون محورًا للكون يدور عليه ويدور من أجله، وأن كل شيء -ما عداه- ينبغي أن يخطب ودَّه، ويسبح بحمده، ويطيع أمره، ويجري حيث يجري هواه ورغبته.
وجنون العظمة هذا، كثيرًا ما كان سببًا في سقوط الرجال وانكسار الدول والشعوب، وتحطم الإمبراطوريات وتفككها وانهيار سطوتها. فالأحداث العظيمة في التاريخ، لا تحركها إلا القوى الروحية العظيمة التي يمتلكها رجال الفعل التاريخي، كما يفيدنا التاريخ نفسه، وتعلمنا أحداثه ووقائعه.
وفي مقال “القابضون على الجمر”، يخوض “عبد المجيد بوشبكة” فيما تموج فيه ساحاتنا الفكرية والثقافية والدعوية من اختلاط أوراق، وتزاحم منافع ومصالح حتى غدا الصادق كاذبًا، والكاذب صادقًا، والأمين خائنًا، والخائن أمينًا.. ولكن ستبقى الحقيقة والقابضون عليها هي المنتصرة في آخر المطاف.
أما مقال “جانب الطور الأيمن” لـ”عبد الإله بن مصباح” ففيه التفاتات قيمة لما جاء في القرآن الكريم من إشارات كونية هي رؤوس أقلام مختصرة ومركزة حول بعض الحقائق العلمية، وأشياء مدهشة لا يمكن تجاهلها كما يقول “فتح الله كولن”. فهذا المقال يتحدث عما جاءت به الكشوف العلمية من أن الجبال لها حركة كما قال الله تعالى في كتابه: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)(النمل:88).
و”أديب الدباغ” في مقاله “من أسرار الروح”، يتحدث عن عظمة الروح التي هي من أمر الله قائلاً: “وللروح أنفاس يفوح منها عبق حياة الأكوان وروائح الجنان.. وليس للروح حدود تقف عندها ولا سدود تصدها عن اختراق الحجب”، إلى أن يقول: “وإذا ما فاضت الروح وألقت بعلومها تحت أعيننا، فإننا نستطيع عند ذاك أن نفهم من أين تأتينا القوى الحيوية التي نصارع بها الزمن ونتغلب على ويله الوبيل”.
ويكتب “سليمان الدقور” عن منهجية التعامل مع الشائعات والاتهامات فيقول: “إن المسلم الصادق، المؤمن بربه، الواثق بقدره، يتجاوز مثل هذه المواقف برصيد المحبة والأخوة… ويؤكد الأستاذ “فتح الله كولن” موقفه في الخدمة مع إخوانه -على الرغم من كل الإساءات والاتهامات- على جملة من مفاهيم الإيمان، ومنها ضرورة التماسك والثبات على ذات القيم، لأنها قيم قرآنية ثابتة”.
و”محمد إقبال عروي” يتحدث عن الجمالية السليمانية فيقول: “إن مضامين القرآن الكريم وتوجهاته، لفتت نظر هذا الإنسان إلى الجمال الذي يبدأ من أعماق داخله، ويمتد إلى مختلف العناصر الطبيعية التي تحيط به في عالم النبات والجماد والحيوان، وفي محيط الأرض وملكوت السماوات.
هذا إلى جانب مقالات قيمة أخرى تفتح أمام القارئ آفاقًا فكرية واسعة.