يحملون رسالةَ السماء… يمضون بالحب والجمال والنقاء، يقصفون المدن الكئيبة حتى تنتفض من كآبتها القديمة، يوزّعون حقائبَ من نور تنتشل الإنسان من وحدته وشروده وتيهه الأربعيني، وتنقله من خيامه القديمة وأكواخه الممسوخة، إلى قصورٍ مجيدة، أعمدتها من إيمانٍ فتيٍّ، وأسوارها من تقىً نقيٍّ، وأروقتها من عملٍ عفيٍّ، ونورها من عزمٍ أبيٍّ، وخدّامها من لؤلؤٍ مسجيٍّ… قصورٌ تشتاق سكّانَها بقدرِ اشتياقهم إن علموا أنها هنالك، من أجلهم هم!
إنهم فرسانُ أملٍ، يرفعون راية محبة وسلام، يغزلون ثوب سكينة واطمئنان، يعزفون على أوتار الكون أغنية جمالٍ تهدِّئُ روعَ العالم المرتبك في أوهام المادة… والمقولب قهرًا تحت راية وجهها القبيح، والمتستِّر مجازًا في أثمالها الرثَّة، إنهم حملة رسالة النور ومهندسو الضياء.
حياتهم كلها لحظات مخاض؛ يتألمون وحدهم، ويتأملهم غيرهم في أملٍ غير منته لرؤية ثمار ذلك المخاض العظيم والانتفاع الكوني بها… نعم حياتهم لحظات مخاضٍ عظيم، يحملون فيها كل آلام الكون، وكل هموم أهل الأرض في سعيهم الدءوب للارتقاء بالإنسان نحو الكمالات الإنسانية، والسمو به فوق أثمال المادية التي تجثم على صدره وتثقل كاهله وتدمع عينيه، علهم في سعيهم الدءوب المتفرد بنقائه يصيبون ذرة من رضى الله عن هؤلاء الذين بايعوه تحت شجرة من مئات السنين، أو يلمحون نظرة في عيون رسول الله صلى الله عليه وسلم تنبئهم بشفاعة منه.
فرسان الأمل، تنخلع قلوبهم، وتنخسف حياتهم، وينكسف كونهم إذا ما نقص نقاء أعمالهم أو انطفأ طيفه بعض الشيء… فهم يؤمنون بأن النقاء ليس إلا نورًا من القلب يصاحب كل فعل وقول يصدر منهم، ولا يعكر صفوه إلا كل تعكر يشوب ذرة من إخلاصهم أو يمس ذرة من تجردهم المحمدي في رحلة سيرهم إلى الله تعالى في مواكب العشق والجمال.
نعم يؤمنون أن الدعوة رحلة حبٍّ، ومسار عشقٍ، وحملة ودٍّ للأغيار في حثهم للانضمام لمواكب الجمال السائرة إلى الله، وليست ميدان حرب أو أرض صدام… نعم يعلمون أن التدافع بين الحق والباطل سيظل قائمًا ما بقي الزمان، فالحق لن ينتصر على الباطل بروح الصدام الحربية، ولكن بأخلاق المحاربين الأبطال، الذين يحملون في صدورهم قلوبًا عاشقة تبكي بكاء الأم الثكلى في قتالهم الباطل خشية أن يموت رجل على الباطل ولا يهتدي، فتكون نفسًا فرت منهم إلى النار، أو يظل في شقائه الدنيوي وتيهه الأربعيني لا يهتدي فيعاتبهم الله يوم القيامة عليه.
إنهم حملة رسالة، وفرسان أمل، ورجال دعوة، وعشَّاق حق… أينما حلّوا حلَّت البشرى، وتلألأت من حولهم آيات الفتح وتباشير الانتصار… إني أراهم الآن رأي العين يحملون رايةً خفَّاقة، ويملؤني الأمل أن يقبلوني خادمًا في ركابهم، علّي يصيبني بعضًا من حب الله لهم، المرسوم في نور وجوههم وجمال أعمالهم، ونقاء ثمارهم، فهلا يقبلوني؟ هلا يقبلوني؟