نعمة المرض من وجهة أخرى

قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا يُصيبُ المسلمَ مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمٍّ ولا حُزْنٍ ولا أَذىً ولا غَمٍّ حتى الشوْكةِ يُشاكُها إلا كفَّر اللهُ بها من خطاياه” (رواه البخاري).

المرض ابتلاء لكي يتفكر الجميع ويعلم فضل الله ونعمه عليهم بالصحة. فمن المعروف أن “بضدها تتميز الأشياء”، والصحة تتضح بالمرض… وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَن رأى صاحبَ بلاءٍ فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضَّلني على كثيرٍ ممن خلَق تفضيلا إلا عُوفِيَ من ذلك البلاءِ كائنًا ما كان ما عاش”. (رواه الترمذي)
إن المرض دعوة للحذر وتغيير السلوك عند التعامل مع الأمراض المعدية، يقول صلى الله عليه وسلم: “فِرَّ من المجْذُوم فرارَك من الأسد” (رواه الإمام أحمد)، والجذام مرض جلدي معدٍ يجعل الأطراف تتساقط. ومن سنته صلى الله عليه وسلم أن لا ندخل أرضًا موبوءة، ومن يوجد في أرض موبوءة لا يخرج منها حتى لا يتفشى المرض المعدي… ومن الإسلام أن نأخذ حذرنا من الأمراض المعدية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾(النساء:71)، فمن الحكمة الحذر من الأمراض المعدية بلا تهوين أو تهويل.

وكذلك المرض دعوة إلى السلام ونبذ الحروب؛ فالتشوهات والأمراض الوراثية التي نتجتْ عن استخدام القنابل الذرية في الحرب العالمية الثانية في مدينتي “هيروشيما” و”نجازاكي” اليابانيتين، والتي لا يزال سكان المدينتين يعانون منها حتى الآن، هي أكبر رادع منع دول العالم من استخدام هذه القنابل في الحروب حتى يومنا هذا. فهذه التشوهات والأمراض الوراثية تحمي العالم من أسلحة الدمار الشامل، وتدعو العالم للسلام والعيش في أمان.

وكذلك المرض دعوة إلى العدل، وقد يجعل بعض الناس يراجعون أنفسهم ويَزِنونها، كما يجعل بعض العلاقات الاجتماعية تعود إلى مجاريها؛ فزيارة الأهل والأصدقاء للمرضى قد تعيد بعض المحبة والود بين الناس… وبالتالي فإن زيارة المريض يأخذ المسلم عليها الثواب من الله والأجر، ففي الحديث القدسي أن الله عز وجل يقول لابن آدم: “مرِضتُ فلم تَعُدْني. قال: يا ربِّ، كيف أعودكَ وأنتَ ربُّ العالمين؟ قال: أما علمتَ أن عبدي فلانًا مرِض فلم تَعُدْه، ولو عُدْتَه لوجدتني عنده؟” (رواه مسلم)، ومن السنة النبوية أن يقول للمريض عند زيارته: “لا بأس طهور إن شاء الله” ثم يدعو له: “اللهم ربَّ الناس أَذْهِبِ البأس، اِشفِ أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقمًا” (وراه البخاري).

ومن الناحية الاقتصادية فإن الأمراض توفر ملايين فرص العمل للبشر في العالم، حيث إن هناك العديد من البشر يعملون على علاج الأمراض في المستشفيات والصيدليات وشركات الأدوية، وفي الجامعات والمراكز البحثية من العلماء والباحثين، فنعمة الله على البشرية بحدوث الأمراض، أنعمتْ على البشرية بملايين فرص العمل.

المرض دافع لتقدم العلوم

حِرْص الإنسان على علاج الأمراض، له الفضل في التقدم العلمي؛ فالأمراض هي سبب اكتشاف الميكروبات، وسبب الاهتمام بعلم الميكروبيولوجي (علم الكائنات الدقيقة)… والأمراض دافع لتقدم عدد آخر من العلوم الأخرى التي لها الفضل في تقدم البشرية في نواحٍ صناعية وإنتاجية أخرى. فالتقدم في علم الميكروبيولوجي خدَم البشرية ليس في شفاء الأمراض البشرية فحسب، بل في علاج أمراض النباتات والحيوانات، وفي نواحٍ إنتاجية أخرى؛ حيث تستخدم الميكروبات في إنتاج مواد أخرى في الصناعة والزراعة، كذلك تطور الميكروسكوبات وأجهزة التحاليل وغير ذلك مما يستخدم في علاج الأمراض، يستخدم في فروع علمية أخرى أدت إلى التقدم والرقي للبشرية.

والخوف من المرض رادع أقوى من أي قانون، وقد يكون عقابًا ربانيًّا للمجرمين والعاصين، فمثلاً الخوف من الأمراض التناسلية مثل الزهري والسيلان وكذلك مرض الإيدز، يجعل الكثيرين يرتدعون ويمتنعون عن العلاقات المحرمة أكثر من خوفهم من القانون. ومن ثم فقد جعل الله الأمراض التناسلية رادع وعقاب سماوي لمن يفكر أو يفعل الفاحشة.

كما أن الخوف من الأمراض يدعو إلى النظافة الشخصية، مثل نظافة الأسنان خوفًا من تسوس الأسنان، ونظافة الأبدان خوفًا من الأمراض الجلدية، ودعوة للنظافة العامة مثل الحفاظ على البيئة من التلوث.

والخوف من الأمراض دعوة للاجتهاد في العمل، حيث يجعل مَن يجدّ ويجتهد يجد ثمار عمله نجاحًا وفرحة وأموالاً. فمثلاً الخوف من الأمراض التي تصيب النباتات والحيوانات، يدعو المزارعين وأصحاب مزارع الحيوانات إلى الاجتهاد؛ فالفلاح أو المزارع الذي يعتني بمحاصيله ويقاوم الأمراض التي تصيب هذه المحاصيل يحصل على محصول وافر، والكسلان الذي لا يهتم، يحصل على محصول قليل ويجد ما لا يسره. والذي لا يهتم بنظافة مزارع الحيوانات ويهتم بصحة حيواناته، تنفق منه حيواناته ويخسر الكثير من المال، والمجتهد الذي يعتني بصحة الحيوانات يكسب الكثير من المال.

والأمراض التي تصيب الأعداء الطبيعية للبشرية يستخدمها العلماء في المقاومة البيولوجية، مثل استخدام الميكروبات التي تتخصص في إحداث الأمراض للحشرات الضارة، يمكن استخدامها في القضاء على هذه الحشرات. وكذلك بعض الميكروبات التي تصيب الحشائش ولا تؤثر في النباتات الأخرى، يتم استخدامه في القضاء على هذه الحشائش.

المرض دعوة إلى الحركة والنشاط

المرض جند من جند الله. فعندما حاصر “نابليون بونابرت” عكا، ما صده عنها إلا إصابة جنوده بمرض الطاعون. والأمراض الوبائية ممكن عند انتشارها أن تكون أقوى من أيّ أسلحة وأيّ جنود تصيب الملايين من الضحايا، وتبيد الآلاف وتقتل الملايين.

كما أن المرض قد يكون دعوة إلى الحركة وعدم الكسل؛ مثل أمراض المفاصل، والعمود الفقري، حيث تكون الحركة والمشي من أهم وسائل العلاج. ولكي يتمتع الذين يمارسون أعمالاً مكتبية بصحة جيدة، يجب أن يمارسوا رياضة بصفة دورية، وأبسط أنواع الرياضة هو المشي. والكثير من برامج العلاج الطبيعي تعتمد على الحركة والرياضة، بل الحركة وممارسة الرياضة تنشط الدورة الدموية، وتقوي جهاز المناعة، وتقي من الكثير من الأمراض… ومن نعم الله علينا أنّ عباداتنا مرتبطة بالحركة، فالصلاة من أفضل وسائل علاج أمراض المفاصل، والسعي للصلاة في المساجد فيه رياضة المشي، والحج كل شعائره فيه حركة، ولكن الأهم أن تكون عباداتنا خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى.

المرض قد يجعل الكثير من الأغنياء يشعرون بالفقراء وحرمانهم ومعاناتهم؛ فكثير من الأمراض تجعل الأطباء يحذرون المرضى من تناول أصناف معينة من الطعام، ويمنع الأطباء المرضى من تناول ما يشتهون من أطعمة، خشية حدوث مضاعفات لهم نتيجة تناول هذه الأطعمة. وقد يتذكر الأغنياء من هذه الفئة من المرضى وعدم مقدرتهم على تناول ما يشتهون من أطعمة، بل وشراء حاجتهم الأساسية نتيجة الفقر وليس المرض، فينفقون الأموال على الفقراء ويتصدقون بها لوجه الله سبحانه وتعالى لعله يشفيهم. وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “داووا مرضاكم بالصدقات” (رواه الطبراني)؛ فما تنفقونه من الصدقات -ابتغاء وجه الله- يوفى إليكم في صحتكم وفي أشياء كثيرة، فاعتبروا ما أنفقتم من صدقات ثمن دواء أو علاج، وثقوا أن الله يدفع به عنكم البلاء.

المرض دعوة للتواضع

المرض دعوة للتواضع وعدم التكبر، وعدم الغرور لمن يملك قوة بدنية أو علمًا أو سلطة وجاهًا… فأقوى الأقوياء إذا أصابه حادث أو حمى يصبح لا حول له ولا قوة. وأذكي الأذكياء وأعلم العلماء قد يصيبه مرض ألزهايمر فلا يتذكر حتى اسمه ولا تنفعه ذاكرته ولا ذكاؤه. يروى أن أحد الحكماء سأل أحد الملوك: ماذا لو مُنع عنك الماء وكانت حياتك مرتبطة بشربة ماء؟ فقال الملك: أشتريها بنصف ملكي. قال الحكيم: ماذا لو مرضتَ ولم تستطيع أن تتبول وحبس في جسمك البول؟ فقال الملك: أشتري العلاج ولو بنصف ملكي! إذن بماذا نشتري صحتنا وسلامة أعضائنا كلها؟ فالصحة هي أفضل تاج على رؤوس الأصحاء، والصحة أفضل من أيّ سلطان وجاه.

وأوقات المرض، من الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، فيكون المريض قريبًا من الله. لذا يجب على من يعاني مرضًا أن يدعو الله بالخير له وللآخرين، وأن يغتنم الفرصة في الدعوات الصالحات.

وأخيرًا فإن الله سبحانه وتعالى خلق لكل داء دواء، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسعى لعلاج أمراضنا. قالت الأعراب: يا رسول الله ألا نتداوى، قال: “نعم يا عباد الله تداوَوْا فإن الله لم يضعْ داءً إلا وضع له شفاءً إلا داءً واحدًا”، قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: “الهَرَمُ” (رواه الترمدي). فيجب على كل إنسان مريض أن يسعى للعلاج، وكان من أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة”.