أتى جمع قارون يختال كِبرا | فماج به البرّ وانساب بحرا | |
بسبعين ألفًا من الراكبين | خيولًا تحلّت لُجينًا وتبرا | |
يُشاهَد آخرها ساكنًا وأبرق من صهوات الجياد | وإنْ هو حثّ الأوائل سيرا بريقُ سروجٍ ترصّعن درّا | |
فجاءت تميس بفرسانها | مرفّهة الخلق بيضًا وشقرا | |
وشعّ من الركب وهجُ الحرير | برودًا تَماوَجُ حمرًا وصفرا | |
وفيهم بدت فتنة الغانيات | تزينّ بالحلي وازددن بهرا | |
تباهَينَ في قُطُف الأرجوان | وأظهرنَ منها المفاتن جهرا | |
تحلّين من بطرٍ لؤلؤًا | وبالذهَب الصِرف زيّنّ نحرا | |
فأبهرنَ بالحسن لبّ الرجال | ومن كل حسناء أوغرن صدرا | |
وفي كل قلبٍ دنيّ غدت وناءت مفاتيح تلك الكنوز | أمانيه بالمثل تنهار حسرى بجمع البغال وجاهدن وقرا | |
فقهقه قارون مستهزئا | بكل فقير يكافح عسرا | |
ونادى ألا أيها المؤمنون | بموسى وأنتم تقاسون ضرّا | |
فحتّام من بئره تشربون | شراب المذلّة صعبًا ومرّا | |
يطالبكم توبةً تائهين | ويطلب منكم على الذلّ صبرا | |
يمنّيكمُ في غدٍ جنةً | إذا ما غدوتمُ لله أسرى | |
فلا تُقرفوني بآرائكم | ومن أسر شِرعتكم صرتُ حرا | |
أتيه بما فيّ من قوةٍ | وجمعٍ لديّ وأضحك بِشرا | |
بأني سأبقى من الخالدين | وأُذكر في الناس دهرًا فدهرا | |
فما لكنوزي فناءٌ وما | لجمعي زوالٌ ولستُ مُقرّا | |
بأن الفناء لهذي الحياة | مصيرٌ وأن البقاء لأخرى | |
وأن كنوزي عطاءٌ لربٍّ | عطاياه تُلزم حمدًا وذكرا | |
وأن أُنفق المال للمعوزين | وأنشرَ في الناس خيرًا وبرّا | |
فكل كنوزيَ من فيض علمي | وما قد عملتُ وأبدعتُ فكرا | |
وليس لغيريَ حقٌ بها | وإني لبالملك أولى وأحرى | |
فهلاّ تركتم رؤى النائمين | أما قد شبعتم من الجهل سكرا | |
ألستم ترون جناني وما | حوته كنوزي من المال وفرا | |
وبالذهب الجمّ زيّنتُ قصرًا | وبالجوهر الفذ شيّدتُ قصرا | |
وها هم عبيدي كمثل الفَراش | تعالَوا على الخيل زهوًا وفخرا | |
وإني أحطتُ بخير العلوم | وما يمنح المرءَ عزًا وقدرا | |
فما قدرُ موسى وأتباعِه | بجلبابه الرثّ ينفض شَعرا | |
ويسكن كوخًا يذرّ التراب | بأركانه الفأرُ يحفر جحرا | |
ونعلاه جلد حمارٍ ذميم | يخطان في الأرض شؤمًا وخُسرا | |
وليس لديه من الملك إلا | عصاه بها يزجر الناسَ زجرا | |
فهل أسكنتْه عصاه القصور | وعن تابعيه أتدفع فقرا ؟! | |
فما هي إلا عصا فتنةٍ | يضلّ بها القومَ إفكًا وسحرا | |
ويحسدني أن ملكتُ الكنوز | ويفرض فيها زكاةً وسعرا | |
بدعواه أن ينقذ البائسين | بما قد جمعتُ وأفنيتُ عمرا | |
وما للمساكين حقٌ سوى أن | يكونوا عبيدي فيعطَون أجرا | |
وهل تعرفون البغيّ التي | أذاعت لموسى من الفحش سرّا | |
فها قد أتينا بها شاهدًا | لتنبئكم عنه ما كان نُكرا | |
فبانت عن الجمع تلك البغيّ | ونادت تزيح عن الحق سترا | |
ألا أيها الملأُ الحاضرون | أصيخوا فإني بقارون أدرى | |
لقد كاد موسى وقد غرّني | بمالٍ لأنطقَ زورًا وكفرا | |
وإني تحمّلتُ جمّ الخطايا | وما عدتُ أسطيع إثمًا ووزرا | |
فبالله أعلن حقًا وصدقًا | براءة موسى تقيًّا وطُهرا | |
وما قال قارونُ إلا خداعًا | وإفكًا يضمان كيدًا ومكرا | |
فردّته بالخزي بين الأنام | وخذلانه حين أزمع غدرا | |
وعاد الى قصره خائبًا | على مُلكه لعنةَ الله جرّا | |
فكبّر موسى مع المؤمنين | وخرّ ليسجد لله شكرا | |
وسبّح يدعو بفيض الدموع | بأني ظُلمتُ وأرجوك نصرا | |
على بغي قارون في قومنا | وإفساده الأرض تيهًا وجورا | |
فجاء لموسى من الله وحيٌ | مُر الأرض ما شئتَ تؤتيك فورا | |
فقال ألا أيها الأرضُ هزّي | بقارون عرشًا تطاول شرّا | |
خذيه وأتباعهَ الكافرين | إلى قعرك المتسجّر حَرّا | |
فزُلزلت الأرضُ بالمجرمين | وظلت من الخسف تُكسر كسرا | |
أحاطت بقارون غيلانُها | فصاح من الجند يطلب نصرا | |
ورام المخارجَ من هوّةٍ | بجذبٍ تواريه شبرًا فشبرا | |
ونادى ألا أيها التابعون | هلمّوا فإني سأدفن قسرا | |
فإن تنقذوني فإني لكم | سأعطي كنوزي وملكيَ طرّا | |
فما كان منهم سوى صيحةٍ | تصاعد من باطن الأرض حيرى | |
تقول بأنا عبدنا كنوزًا | ومُلكًا فعنّا لدى الخطب فرّا | |
فلا منقذَ اليوم من غضبةٍ | أراد بها الله للعدل ثأرا | |
وأهوى عليهم متينُ السقوف | وما كان في عمدٍ مستقرّا | |
فكلٌ بزينته قد هوى | وفي الأرض غار حطامًا تفرّى | |
وغار بقارون عرشٌ مريد | تسافل في ظلمةٍ مستمرّا | |
هبوطًا يواريه في غيهبِ | من المهل يغلي وبالنار يضرى | |
وأصبح من قد تمنّوا لديه | مكانًا يفرّون رعبًا وذعرا | |
ونادوا تباركتَ يا ذا الجلال | ويا من لك الكونُ خلقًا وأمرا | |
تجاوزتَ عن جهلنا منّةً | علينا وآن لنا أن نُقرّا | |
بأنك أنت الإله فلا | إله سواك وندعوك جأرا | |
بأن لك الحمد من واهبِ | لمن شئتَ تبسط رزقًا مُدرّا | |
ومن شئتَ تسلب منه الثراء | إذا ما طغى في غناه مصرّا | |
وأن لك المجد من قاهرِ | فتمنح من شئتَ عزًا وقهرا | |
فإن صار يبغي ويختال كِبرًا | قمعتَ فصار له الذلّ قبرا | |
وأنت تعاليت من مالكٍ | يذيق الملوك هوانًا وصُغرا | |
وتجعل عزك للمؤمنين | ومن يتقونك خوفا وحذرا | |
فتدخلهم جنةً لا تبيد | إذا حُشر الخلق للفصل حشرا | |
وتحرق أعداءك الفاسدين | بنارٍ تفور من الغيظ فورا | |
فإياك نعبد يا ربنا | وإياك ندعو ونسأل غفرا | |
لما قد تفاقم من ذنبنا | فمنّا تقبّلْ متابًا وعذرا |