الواحات البحرية جنة النخيل والتمور

النخلة أعظم شجرة منتجة للغذاء في المناطق الصحراوية، وتسمى فاكهة الصحراء، وتعتبر زراعة النخيل من أهم الزراعات التي عرفها الإنسان المصري القديم، و”التمر” أو “البلح” كما يعرف في مصر، إذ هي من الكلمات الشائعة في الدارجة المصرية، وتعود جذورها للغة القبطية القديمة بلفظة (بلحول) وتعني التمر، أمَّا اسم بَلَـــح في اللغة العربية فهو جمع بَلَحَة: والبلحة هي ثمر النَّخل قبل أن ينضج أي مادام أخضر مستديرًا، كما اعتبر الغذاء المفضل لبُناة الأهرام، ومن ثم حرص المصريون القدماء على توزيعه أثناء زيارة قبور موتاهم، كما ساهم البلح في إنقاذ مصر من المجاعات في أوقات شح الطعام، ويعد واحدا من مظاهر وعادات وتقاليد وطقوس الغذاء في مصر احتفالا بالحياة، وبحثًا عن التواصل والترابط بين الأفراد وبعضهم البعض، وبينهم وبين ماضيهم العريق.

الواحات البحرية

عرفت واحات مصر منذ أقدم العصور فواحة الخارجة سميت بـ “الواحة العظمى” حيث شغلت منخفضًا كبير في الصحراء وعاصمتها “هيبس” التي اشتق اسمها من كلمة هبت ومعناها المحراث. وسميت الواحات الداخلة بـ “كنمت” وعاصمتها “دس- دس” أي (اقطع- اقطع) بمعني قطع الأرض وشقها لزراعتها. وعرفت الفرافرة باسم “تا- احت” أي أرض البقر.

عاش في المنطقة إنسان عصور ما قبل التاريخ منذ حوالي 5000 سنه ق.م. وترك آثاره في ربوع الواحات منها جبل الطير بالخارجة ودرب الغبارى بطريق الخارجة – الداخلة وفي العوينات جنوب الواحات. وفي العصور الفرعونية كانت الواحات تُمثّل أهمية قصوى لكونها خط الدفاع الأول عن مصر القديمة لتعرضها لهجمات النوبيين من الجنوب والليبيين من الغرب، وكان الفراعنة يهتمون بهدوء المنطقة واستقرارها وتظهر آثارهم في عدة مناطق بالخارجة والداخلة، وكذلك عندما غزا قمبيز الفارسي مصر عام 525 ق.م.

وعندما بدأ اضطهاد الرومان لأقباط مصر حضر إلى الواحات كثير من الأقباط الفارين بدينهم وعقيدتهم وعاشوا فيها يزرعون الأراضي حاصدين لخيراتها. وتعد جبانة البجوات بشمال الخارجة أبرز دليل لهذا العهد. وجاء دور الرومان الذين استغلوا الواحات فظهروا وشقوا القنوات واستغلوها في الزراعات الكبيرة وازدهرت التجارة على طريق درب الأربعين الموصل بين مصر والسودان عبر الواحات، وكان شريانا للتجارة، وتظهر معابدهم على طول هذا الدرب وأهمها معبد الغويطة وعند الزيان معبد دوش.

مهرجان التمور الأول

شهدت الواحات البحرية أول مهرجان للتمور بمشاركة أكثر من 80 عارضا من عدة دول عربية منتجة للتمور في الفترة من ١١ إلى ١٣ نوفمبر 2021، في إطار دعم قطاع زراعة النخيل وإنتاج التمور بمصر، حيث تنتشر زراعة النخيل في معظم محافظات الجمهورية وفي واحات الصحراء الغربية وشمال وجنوب سيناء، لتوائم الظروف المناخية خاصة المناخ الصحراوي إلى شبه الصحراوي إلى مناخ البحر الأبيض المتوسط في تحديد الأصناف المناسبة والتي يمكنها تحقيق إنتاج جيد.

وتحتل مصر في الآونة الأخيرة المرتبة الأولى في إنتاج التمور في العالم، ويشهد موسم حصاد التمور في مصر طفرة كبيرة، سواء في الإنتاج أو الأنواع أو التصدير، وعلى الرغم من أن مصر تعد من أكثر دول العالم إنتاجا للتمور، فإن معدلات التصدير لم تكن ملائمة في السنوات الماضية، لكنها شهدت طفرة نوعية من خلال إقامة مهرجان التمور المصرية، الذي يتم برعاية إماراتية على مدار السنوات الأخيرة. فتُصدر التمور المصرية إلى أسواق 42 دولة مختلفة يأتي على رأسها إندونيسيا والمغرب وماليزيا وبنجلاديش وتايلاند، كما تم فتح أسواق جديدة بإفريقيا وآسيا وأوروبا.

ووفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تحتل مصر المرتبة الأولى عالميا في إنتاج التمور بإنتاجية تصل إلى مليون و700 ألف طن سنويا، بإجمالي 18% من الإنتاج العالمي للتمور، والأولى على المستوى العربي بإجمالي 24%، فوصل إجمالي أعداد النخيل في مصر حاليًا إلى ما يقرب من 20 مليون نخلة، علمًا بأنه يُقدر إجمالي عدد أشجار نخيل التمر في العالم بنحو 100 مليون نخلة، موزعة على ثلاثين دولة، وتنتج ما بين 2.5 – 4 مليون طن.

صناعة البلح بالواحات البحرية

يعتبر محصول البلح هو المحصول الاستراتيجي بمنطقة الواحات البحري لما يمثله من دخل رئيسي لكافة مزارعي الواحات، حتى إن موسم حصاد محصول البلح يعتبر هو موسم الزواج لدي سكان المنطقة لما يحققه من عائد اقتصادي كبير للمزارعين ويطلق على هذا الموسم اسم الدميرة وهي كلمة واحاتية تعني جمع البلح من أشجار النخيل.

وتحوي الواحات البحرية أكثر من 2 مليون نخلة بإنتاج يبلغ 30 ألف طن تمور سنويا. كما تضم المدينة المصرية نحو 37 مصنعًا ومحطة تعبئة لصناعة التمور التي تتمتع بجودة إنتاجية عالية، حسب المصدر ذاته.

وقد حصلت 200 مزرعة نخيل بواحة سيوة على شهادة المطابقة للإنتاج العضوي وفقاً للوائح والتشريعات الأوروبية والأمريكية المعترف بها دوليا، مما يفتح المجال لأصحاب المزارع في تسويق منتجاتهم بطريقة أفضل وبسعر أعلى، مما سيساهم في تنافسية التمور المصرية على المستويين الإقليمي والدولي وفتح أسواق جديدة لوصول التمور المصرية إلى الأسواق الدولية.

وترتبط بعض الصناعات بالتمور في الواحات البحرية وعلى رأسها صناعة الخوص من سعف النخيل، إحدى الصناعات التقليدية التي اشتهر بها أهالي الواحات في مصر منذ القدم، وذلك للشهرة الكبيرة التي تتمتع بها تلك الواحات الصحراوية في زراعة النخيل وإنتاج التمر وتوافر كل مكوناتها في البيئة الطبيعية.

حيث تحتل صناعة الخوص مكانة متميزة في المجتمعات الواحاتية، والتي شهدت تطورًا جعل لها مساهمتها الواضحة في الإنتاج الصناعي خاصة مع دخولها في الصناعات التكميلية واستيعابها لأعداد كبيرة من الصناع والحرفيين المهرة.

أما الجريد (الأعواد التي تحمل السعف) فيستخدم في صناعة الأرابيسك والأقفاص والسرائر والكراسي والتي تلقى رواجًا كبير خاصة في محافظات الصعيد الذين يقبلون على شراء الأقفاص من أجل تعبئة الخضروات التي يزرعونها بها، بالإضافة إلى شراء الكراسي والتي يتم تصنيعها بجودة وحرفية كبيرة ويتم طلاؤها ودهانها بالألوان المختلفة التي تتناسب مع ألوان حوائط المنازل.