ارتبطت أشعة الليزر في الأذهان بحرب الصواريخ وإستراتيجية حرب النجوم، بالأسلحة الفتاكة والمضادات الحربية التي لا يشق لها غبار، أما اليوم فقد أصبحت تستخدم في كل مجالات الطب والجراحة مما أعطاها اسم “الضوء الساحر”. فعندما اكتشف الليزر لأول مرة لم يتوقع العلماء أن يكون له هذا الدور في حياة الإنسان، لكن العقود الأربعة التي تلت اكتشافه أثبتت ان تطبيقاته كثيرة ومتنوعة ولها أهمية بالغة في مختلف الحقول العلمية.
فهذا الشعاع المبهر والرائع، الذي يسحر ويخطف الأبصار، قد أحدث طفرة فى مجال الطب عامة والطب التجميلي خاصة. فلم يعد هناك فرع من فروع العلم يخلو من استخدام وتطبيقات الليزر، ومنها الطب، والفضاء، والمجالات العسكرية، والمزيد من المجالات، وهذا على سبيل الذكر وليس الحصر. وقد دخل الليزر حقل تطبيقات الطب من أوسع أبوابه، بل أصبح هناك علم خاص بالليزر في مجالات الطب يسمى جراحات الليزر، والذي يستخدم فيه الليزر على نطاق واسع، في تصحيح عيوب الإبصار، وطب الأسنان، والتصوير بالرنين المغناطيسي، والماسحات الضوئية المستخدمة في عمل الإشاعات، وفحص الجسم البشري.
الليزر وأمراض العيون
يستخدم الليزر في علاج تصحيح عيوب الإبصار، وما بعد الماء الأبيض، وعلاج الجلوكوما، أمراض الشبكية.
تصحيح عيوب الإبصار الليزك هو التقنية الحديثة لتصحيح الابصار باستخدام حزام ضوئي مكثف داخل القرنية وليس على السطح كما كان في السابق. وتُعرف جراحة الليزك للعيون بأنّها جراحة لتصحيح النظر باستخدام أشعة الليزر لتغيير شكل قرنية العين، وهي الجزء الشفاف الموجود في مقدمة العين لتحسين جودة الرؤية لدى مرضى قصر النظر، وطول النظر، والاستجماتيزم كحل بديل للنظارات والعدسات اللاصقة. تعدّ جراحة الليزك جراحة ناجحة مُستخدمة مدة 25 عامًا ولها نتائج جيدة؛ إذ يحصل 96% من المرضى على النتيجة المرغوبة بعد العملية، وتكون النتيجة سريعة ويلاحظ المصاب التحسن في الرؤية من اليوم الأول بعد العملية كما أنّها جراحة سهلة تسبب ألمًا طفيفًا؛ إذ يُستخدم مخدر موضعي للعين في شكل نقط كما أنّها لا تحتاج إلى قطب أو ارتداء ضمادات على العين بعدها.
كيف يعمل شعاع الليزر؟ يقوم شعاع الليزر بإعادة تشكيل سطح القرنية ففي قصر النظر، يجعل الجزء المركزي من القرنية أكثر تسطحاً عن طريق كشط درجة معينة من الجزء المركزي من القرنية. وفي طول النظر يجعل الجزء المركزي من القرنية أكثر تحدباً عن طريق كشط درجة معينة من الجزء الطرفي أو الخارجي من القرنية. أما في الإستجماتزم: يجعل القرنية أكثر كروية بإزالة طبقات من القرنية في جزء ما أكثر من الجزء الآخر.
الفيمتوليزك وعلاج أمراض العيون
شهدت عمليات الليزك في السنوات الأخيرة تطورا هائلا في مجال جراحات العيون، خاصة مع ظهور جيل جديد من الليزر، هو الفيمتو ثانية ليزر لتصحيح عيوب الإبصار بدقة متناهية وبدون مشرط جراحي. وتؤكد الأبحاث العلمية أن الفيمتوليزك حقق نتائج مشجعة في عمليات إزالة المياه البيضاء وعلاج القرنية المخروطية وزرع القرنية في انجاز لم تحققه عمليات الليزك من قبل. وتعتمد تقنية الفيمتوليزك على استخدام نوع جديد من الليزر يتم توليده اعتماداً على نظرية العالم الكبير الدكتور أحمد زويل، ويتميز بأنه أعلى درجات الليزر دقة وسرعة وطاقة، ويمكنه اختراق جميع طبقات القرنية من دون استخدام أي مشارط جراحية أو لمس العين تماماً، مما يحقق درجة أمان عالية ودقة متناهية تضمن عدم عودة عيب الإبصار مرة أخرى.
لقد وفر التصحيح بأشعة الليزر علاجاً جيداً فعالاً أميناً ونصراً كبيراً للذين ابتلوا بقصر البصر العالي، ولكن أشعة الليزر عاجزة للآن عن تصحيح حرج البصر غير المنتظم والذي يسمى “القرنية المخروطية”، وفى هذه الحالة لابد من العدسات اللاصقة الأكسجينية أو إجراء عملية ترقيع القرنية.
ونحن إذ نقف على أبواب القرن الحادي والعشرين وانغلاق الألف الثاني للميلاد، نعلم جيداً أن مئات الألوف من المرضى الذين استردوا البصر الجيد بواسطة أشعة الليزر يلوحون وهم بثقة يهتفون وداعاً للنظارات التى ابتدعت منذ ألف عام وكذلك العدسات اللاصقة.
استطبابات شبكية العين بالليزر
يعتبر استعمال الليزر في علاج أمراض الشبكية هو أول استعمالات الليزر في مجال طب وجراحة العيون وربما الأول في جميع فروع الطب (منذ أكثر من خمسين عاما)، يمكن لمرض السكري أن يتسبب بالعديد من المشاكل البصرية عند عدم ضبطه بشكل جيد، وأبرز هذه المشاكل ما يُدعى باعتلال الشبكية السكري، حيث تتكاثر الأوعية بشكل عشوائي وشاذ ضمن الشبكية، مما يؤدي إلى تندّبها وأذيتها بشكل غير عكوس وغير قابل للإصلاح. ويمكن عن طريق العلاج بالليزر منع هذه الأوعية من التشكل والتكاثر وحجبها عن أذية الشبكية. ومن الاستطبابات الأخرى لعلاج شبكية العين بالليزر، أورام الشبكية، التنكّس البقعي، وهو أحد أمراض العين والذي يتسبب بتدمير الرؤية المركزية الحادّة، تمزّق الشبكية، الانسداد الحاصل في الأوعية الصغيرة التي تحمل الدم بعيدًا عن الشبكية -أو أوردة الشبكية-، وأخيرا انفصال الشبكية، وهي الحالة التي تنفصل فيها شبكية العين عن الطبقات التي توجد خلفها.
ما بعد الماء الأبيض.
بعد مرور فترة من الزمن من عملية إزالة المياه البيضاء يحدث لنسبة قليلة من المرضي عتمة بالجزء الخلفي من هذه الكبسولة مما يؤدي إلي انخفاض مستوي الرؤية ، لذلك يستعمل الياج ليزر في احداث فتحة في هذا الجزء من الكبسولة.
الجلوكوما (المياه الزرقاء)
ينصح باستخدام الليزر لعلاج المياه الزرقاء عندما تكون الاستجابة للعلاج الدوائي غير كافية للتحكم بضغط العين، أو للمرضى الذين لديهم مضاعفات من استخدام الأدوية. كما يستعمل الأرجون ليزر أو الياج ليزر في إحداث فتحة صغيرة بقزحية العين تمكن سائل العين من الخروج من العين بصورة طبيعية وهي من أكثر أنواع الليزر استخداماً في الجلوكوما وكانت تتم سابقاً الجراحة إلى أن تم استخدام الأرجون ليزر قبل ما يقرب من 35 عاماً ثم استخدام الياج ليزر قبل ما يقرب من 25 عاماً.
الليزر وعلاج أمراض الأسنان
يُعتبر عام 1994 بداية الدخول الفعلي لليزر في عيادات الأسنان، ومنذ ذلك الحين كثرت أنواع الليزر المتوفرة لأطباء الأسنان وكثرت استعمالاتها. ويهدف استخدم الليزر في عيادات الأسنان لتحسين الدقة في العلاج ولتقليل الآلام ولسرعة الشفاء. وقد أظهرت الإحصاءات أن 5% من أطباء الأسنان لديهم جهاز ليزر للعلاج في عياداتهم. وتتوقع الجمعية الأمريكية لطب الأسنان أن هذه النسبة سترتفع إلى 50% في عام 2025. وهذا يدل على مدى توجه أطباء الأسنان لاستعمال الليزر لما له من مميزات تجذب كلا من المريض وطبيب الأسنان. يمكن استعمال أجهزة الليزر بأنواعها العديدة في عيادات الأسنان لتحقيق عدة غايات علاجية، منها: كشف تسوس الأسنان وعلاجه وعلاج أمراض اللثة حيث يقوم بإزالة اللثة الملتهبة والزائدة، وكذلك يقوم بتعقيم الجيوب بين اللثة والأسنان وإزالة البكتيريا، كما بستعمل الليزر تجميليا في تبييض الأسنان. ولليزر أنواع متعددة منها، ما يستخدم على الأنسجة الطرية مثل اللثة والجلد، ومنها ما يستخدم على الأنسجة الصلبة مثل الأسنان والعظم والغضاريف. وتختلف أنواع الليزر باختلاف الغاز المستعمل داخل الجهاز. ويصدر عن هذه الغازات الطاقة الضوئية التي يتكون منها الليزر. وتسير هذه الطاقة الضوئية العالية لليزر بخطوط مستقيمة ومتوازية، ما يجعلها تقطع مسافات أكبر من دون أن تفقد طاقتها. وتكون طاقتها مركزة على الجسم المصطدمة به.
الليزر وعلاج الأمراض الجلدية يستخدم في علاج البقع الداكنة والنمش والكلف والوحمات البنية، وذلك عن طريق توجيه الأشعة إلى الخلايا الصبغية تحت الجلد، كما يستخدم في علاج الوحمات الحمراء التي قد توجد في وجوه بعض الأطفال. أيضا يستخدم في إزالة الشعر، وذلك بتوجيه الأشعة إلى بصيلات الشعر أو الخلايا الصبغية بها، ولاننسي استخدام الليزر في تقشير الجلد أو سنفرتة وذلك بتوجيه الأشعة إلى بروتين معين موجود في الخلايا السطحية للجلد. بقى أن نقول إن العلاج التجميلي بأشعة الليزر لابد من تقييده بضوابط صارمة من حيث التقنية المستخدمة والأشخاص الذين ينبغي أن يصرح لهم باستخدامها وهم الأطباء، ومن حيث الأماكن التي يتاح لها أن تقدم هذا النوع من العلاج، وهي المستشفيات والمراكز الصحية والعيادات المتخصصة التي يشرف عليها أطباء على درجة عالية من التأهيل والخبرة.
استخدامات أخري
وقد أجرى فريق من الباحثين الأميركيين في معهد السرطان الوطني بأميركا تجارب عدة بالليزر في المراحل الأولى من سرطانات الحنجرة، وحالات الشخير وأعطت نتائج مذهلة، وتقوم التجارب حاليا على استخدام هذه الاشعة في ازالة الزوائد اللحمية التي تخلق مع الأطفال سواء في أنوفهم أو حلوقهم، اضافة الى تطبيقها في ازالة الأورام الدماغية. كما يستخدم في بعض حالات العقم، أيضا دخل الليزر في حل الكثير من المشاكل كتضيق الأنابيب التناسلية واصلاح التقرحات الرحمية التي تحول دون الإنجاب، ويدخل الليزر الآن في جراحات وصل الأوعية الدموية وجراحات القلب والمخ والجلد والتجميل وشد الوجه وازالة التجاعيد والوشم، وهو من الوسائل المدهشة لإزالة آلام الأسنان، وعلاج النخر السنی والحشوات السنية وتجفيفها وتثبيتها بسرعة فائقة، ولاننسي استخدامه في عمليات الجراحة العامة حيث يقوم مشرط الليزر بأدق أنواع الجراحة بدقة متناهية و دونما إحداث أي نزيف ويحدث الشق الجراحي.
وختاما ما أن يسمع الإنسان كلمة ليزر حتى يشعر بارتياح كبير بعد أن كان يشعر بالرعب من سماعها، وذلك لتعدد استخداماتها في الحياة، في المجالات السلمية، الطبية وغير الطبية.
لقد أحدثت أشعة الليزر ذلك الاكتشاف المذهل ثورة كبيرة في مجال الطب والجراحة بكل اختصاصاتها، وشهد العقد الماضي نجاحات باهرة لهذه الأشعة في المجال الطبي والعلمي والتكنولوجي في الجانب المفيد للبشرية، وليس قصرا على الفتك بها من خلال حرب النجوم والآلة العسكرية المتطورة، بهذا انتقلت أشعة الليزر وبجدارة من غرف الطائرات المقاتلة إلى غرف المستشفيات والعمليات الجراحية.