ما لي أطاوع قلبي وهــو يــدفعني | إلى حياض الردى والعــقلُ ينهاني؟! |
إنّـي سئمت فقلبي كلما ضحكتْ | لـي الحـياةُ بـطــيب العــيش أبـكاني! |
هذا أنا أسكب الألحان من شفتَيَّ | ولـيـــس يــســعــدني شــدوي بألحاني |
وأمتطي من أحاديث الدجى لغةً | تــطـوف بـي فـي فضاء العالم الثاني |
يحاول القلب أن ينأى بصومعةٍ | عــن الـحياة فــقــد أشــقـتْه أحــزاني |
واللــيل يــرســم فــي عيـنيّ أخـيلةً | يشفّــها مــن أحــاديــثي وأشــجـانـي |
كأنّ عــيــنيّ فـي أجـفـانـها شَــرَكٌ | والنــوم طــيرٌ رأى مــا بـين أجــفــاني |
هذا أنا أُشــعل الأبــيات فـي لغتي | نـارٌ قــبَـــسْتُ لــها مــن نـــور إيــماني |
هذا أنا أنــتـــقي للــنــاس فــاكــهــةً | مـــن سَـــلّــةٍ ذات أشــكــالٍ وألــوان |
وأقطف الورد من أغصان دوحته | فــلا تَـــدلَّى بــغـــير الــــورد أغــصـــاني |
كأنّني نسمةٌ في الفجر قد عبقت | أو بـــسمةٌ قـــد حـــواها ثغرُ نِيسان |
أو أنّني نبضةٌ في القلب قد خفقتْ | يــضــمّها فــي الحــنايا صـدرُ إنسان |
لكــنّـــني فـــي زمــانٍ كــلــما زرعتْ | أنـــامــلــي أنــكـــروا وردي وريــحاني |
هذا أنا قد كسوتُ الناس من حُلَـلي | لكــنّ ثــوبــي مــن الأحــزان أكفاني |
وضقتُ ذرعًا بأرجائي التي وسعتْ | مــَـن يــملــؤون بزرع الشوك ودياني |
من أين أبدأ تمزيق الدُّجى؟ فأنا | نـــورٌ كــلــيلٌ ولــيلُ الهــــمّ أضــــوانــي |
وكيف أزرع بَيْدائي وقد يبستْ | كــفّي مــن الغــرس والرمضاءُ ميداني |
إذا تــخاصم أهل الحب في وطنٍ | كــتــبتُ في دفتري نهجي وعنواني: |
“بالشام أهلي وبغدادُ الهوى وأنا | بالرقمتين، وبــالــفســطاط جــيــراني |
وأيــنــما ذُكـــر اســم الله فــي بلــدٍ | عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني”(1) |
(*) شاعر وأديب سعودي.
(1) البيتان الأخيران لأبي تمام.