التفكير جوهر الحياة، بل هو “الداينمو” الذي يمدُّ عجلة الحياة بالدوران، ومن دونه تغدو الحياة شاحبة باهتة، باردة برودة الموت، وساكنة سكونه وصامتة صمته.. وفي مقاله القيم “فلسفة الحياة عندنا” يجلي “فتح الله كولن” هذا المعنى ويتناوله من جوانب مختلفة، مبيّنًا أن حاجاتنا إلى “التفكير تضاهي حاجتنا إلى الهواء الذي نتنفسه”، وأن الأمة التي لا تفكر، فإنها في الحقيقة لا تحيا، أو تحيا ولكن على فتات أفكار الآخرين. وهذا الفتات ربما يكون قد تعفّن منذ زمن بعيد، فنحن إذا تناولناه فإنما نتناول ما يزيد في أمراضنا الفكرية والروحية ولا يعمل على شفائنا منها، وهذا الأمر معلوم ومحسوس، فبها نحشي عقول أجيالنا من أفكار هي خليط عجيب من ثقافات وأفكار ليس فيها من التجانس ما يجعلها سائغة القبول عند الكثير من الأذهان المتفتحة، وهذا الأمر كثيرًا ما يؤلم ويبكي “الأستاذ” ويؤلمنا ويبكينا على إثره، فنذرف الدمع ونسكبه مدرارًا.
فإذا بـ”محمد السقا عيد” يحدثنا حديث العلم عن “أسرار الدموع” التي تذرفها عيوننا إذا ما حزنا أو فرحنا سواء، ويجلي لنا الكثير من أسرار هذه الدموع التي قد تكون في بعض الأحايين غسيلاً لأمراض كثيرة تنتاب العين في أوقات مختلفة. وإذا ما كففنا دموعنا رأينا “بركات محمد مراد” وهو يكتب مقالاً غاية في الإمتاع عن “التمثل والإبداع في العمارة الإسلامية” التي تشكل أعظم معالم الحضارة الإسلامية وإبداعاتها في الأدب والفكر والفن. وكأن مقال البوشيخي “من القرآن إلى العمران” متمم وموضح فلسفة هذا الإبداع الفني وجذوره الأولى في كتاب الله القرآن الكريم؛ فيتحدث عن “الفكر العمراني” في القرآن الكريم إذا صح التعبير.
و”مريم آيت أحمد”، تتحدث عن “آليات بناء ثقافة الوسطية”، وهو مقال يشكل لبنة من لبنات البناء الثقافي الوسطي الذي تسعى الكثير من الأقلام إلى تناوله وتناول آلياته وطرائق بنائه. أما “السيد حامد السيد”، ففي مقاله المبتكر “أسس القيادة والإدارة” يستقرئ معطيات قصة ذي القرنين المليئة بالاستنهاضات والتحفيزات، لكي يفيد من مدلولاتها أولئك المتصدون للقيادة والإدارة في كل شأن من شؤون الحياة.
و”جاسم سلطان” يتحدث عن مقاربة المفاهيم وعن الوعي وعن الحضارة وعن الفاعلية والتمكين. ويأتي بعد ذلك كله مقال “خالد الصمدي” عن “التربية الإسلامية والبعد الإستراتيجي لقضايا التنمية”، وهو يصبّ كذلك في المنحى الحضاري نفسه الذي سبق الحديث عنه. وفي حقل “الأنشطة الثقافية” يستعرض لنا محمد باباعمي نشاط مجلة حراء في السودان، فيتحدث عن الملتقيات والندوات التي أقيمت هناك لتعريف رجال الفكر والرأي بمجلة “حراء” وبخطها الفكري الوسطي، وهو مسك الختام في هذا الاستعراض.