الشيح: تاريخ نبات مهم وفوائد لا تنتهي

الشيح “الأرتميسيا” نبات بري معمِّر مرتبط اسمه بالأسطورة الإغريقية المشهورة، فقد منحت “أرتميس” وهي آلهة الصيد والطبيعة والبرية الكائن الأسطوري “القنطور” مجموعة من النباتات الطبية ذات القدرات العالية، وتكريمًا للآلهة أطلق عليها “القنطور” اسم “أرتميسيا”. وهو نبات الشيح ذاته المعروف لدينا في البلاد العربية. يتميَّز بطعمه المر وفوائده التي لا تُعد ولا تحصى.
نبات الشيح له تاريخ معروف عند قدماء المصريين في عصر الفراعنة، وكذلك استخدمه الصينيون وغيرهم، وخاصة في التخلص من الطفيليات ومرض الملاريا. وهو واسع الانتشار في آسيا وشمال إفريقيا.. له أنواع متعددة، ولكن أفضلها الشيح البلدي، الذي يحتوي على العديد من العناصر الفعَّالة مثل الزنك، الرصاص، النيكل، الحديد، المنغنيز، البوتاسيوم.. كما أن نسبة الزيوت العطرية لا تتجاوز الثلاثة بالمئة منه.
أجمل ما في الأمر تلك السلوكيات الشعبية التقليدية القديمة التي كانت توجه الناس كي يضعوا الشيح في البيوت لمنع وطرد العقارب والثعابين وغيرها، وكذلك يوضع الشيح في الخيام للغرض نفسه ويتم ذلك بفضل رائحته القوية التي تحتوي على “السانتونين” مما يجعل الهوام تنفر بعيدًا عن المكان.

أنواع الشيح

الشيح نبات معمِّر، له حوالي ثلاثمئة نوع متوزِّعة على أنحاء الوطن العربي والعديد من دول العالم من أصنافه: البرية والطبية والصناعية والتزيينية أيضًا.
الشيح البري له أنواع عديدة منها: القيصوم، شيح عذارى، واليعبيتران، الشويلاء، حبق الراعي، عشبة النار، عشبة الأقحوان، الشيح الشجيري، الشيح الأبيض، الشيح الصيني أو الحلو وأفضلها الشيح البلدي وهو الحولي نفسه الذي ينبت بالدرجة الأولى في شمال إفريقيا وفي بلاد الشام.. معظمها مُرَّة جدًّا، لها فوائد صحية مهمَّة وخواص كيميائية متشابهة بشكل عام.
من الجدير بالذكر أن الناس تنفر من طعمه المر، علمًا أنه كلما كان الطعم مرًّا، كانت فائدته أكبر، بخلاف الطعم الحلو الذي كلما ازداد في الجسم، ازدادت خطورته أكثر.
من اللافت أيضًا أن من يمضغ القليل القليل منه، فسوف يكتشف طعمًا ممتعًا للمرارة الغريبة المنعشة التي يصعب على المرء تحديد اسم لها، حتى إنه يسعى إلى الحصول عليها باستمرار.

فوائد نبات الشيح

لقد انتشرت معلومات تقول: إن الشيح يحتوي على مادة تسبب الهلوسة، هذا ما يزيد من تفاقم مرض الصرع، مما جعل الناس تبتعد عنه لسنوات طويلة إلا أنه أخذ بالظهور من جديد بعد الحرب التي حدثت في “فيتنام” أثناء ذلك انتشرت أنواع عدة من مرض الملاريا، مما جعل الباحثين يتَّجهون إلى العلاج التقليدي وذلك عبر نبات الشيح الذي أعطى نتائج جيدة.
اكتشف العلماء حديثًا أن الشيح يمتلك مواد مفيدة جدًّا، تعمل على محاربة الطفيليات، كما كان معروفًا عنه سابقًا، وحاليًا كعلاج هام لمرض السرطان باعتبار أن هناك دراسات قد أثبتت علاقة الطفيليات بالسرطان، وصار الناس يتناولون أدوية الطفيليات للشفاء من السرطان، كما يستخدم الشيح في معالجة الالتهاب وتخفيف الآلام. وبسبب تقليله من التهابات الجسم، كان له دور فعَّال في علاج مرض “كوفيد”، كما يعتبر الشيح مضاد أكسدة بشكل كبير فهو ينظِّف الجسم بشكل عام.
ومن فوائده أيضًا أنه طارد للغازات، ويقوِّي الذاكرة وينشِّط المخ، ويُستخدم في علاج الأمراض المناعية بسبب تقليله للالتهابات بالدرجة الأولى، كما أنه محسِّن للهضم ويزيد من درجة حموضة المعدة، ومن إنتاج إفراز العصارة الصفراوية، ويحسِّن البشرة، وله دور فعَّال في معالجة أمراضها، أهمها الثعلبة والصدفية والأكزيما، وتساقط الشعر، كذلك للشيح فوائد في طرد البلغم، ومعالجة اليرقان ويقوِّي الحيوانات المنوية.
من المعروف أنه قد انتشرت علاجات تقليدية كثيرة عند العشَّابة، وخاصة فيما يتعلق بحرق الشيح ومداواة الأمراض الجلدية، مما حفَّز الباحثين للعودة إليه من جديد بعد مشاهداتهم النتائج المبهرة.

الشيح ومرض السرطان

هناك رعب من قبل الناس لا يمكن إغفاله، فهم ينظرون إلى مرض السرطان على أنه خطير، قاتل، فتَّاك، يهدد الآلاف منهم، لذلك يحاول العلماء البحث باستمرار لإيجاد علاج فعَّال يقي الناس من ذلك الشر المخيف من خلال عشبة الشيح المشهورة بشكل واسع في بلدان عدة من العالم. فقد اكتشفوا أن هناك علاقة مهمة بين الشيح ومرض السرطان، لا يمكن التغاضي عنها، فتوصَّلوا إلى أن الشيح يهاجم الخلايا السرطانية فقط على خلاف العلاج الكيميائي وغيره من العلاجات الحديثة التي تدمِّر الخلايا السرطانية والسليمة معًا، من هنا ازداد الاهتمام به إلى درجة عالية مما يوفِّر على الناس الكثير من المتاعب والآلام والخسائر. كذلك يؤكسد الشيح الحديد في الجسم، علمًا أنه مضاد أكسدة، ولكنه يفعل ذلك ليهاجم به الخلايا السرطانية، ويوقف نمو الأوعية الدموية والشعيرات التي تصنعها الخلايا السرطانية، كما يوقف انتشارها، ويثبِّط العامل الوراثي، ويقتل الطفيليات المسؤولة عن المرض.
من خلال إجراء العديد من الأبحاث أثبت العلماء أن مادة “الأرطميسين” التي يحتوي عليها الشيح، هي المسؤولة عن توقف عامل نسخ المورِّثات، مضاف إليها الحديد، مما يمكِّنها من تدمير الخلايا السرطانية بفاعلية عالية، وخاصة سرطان الرئة، أضف إلى ذلك أن طفيليات “الملاريا” لا يمكنها المقاومة أمام “الأرطميسين” الغني بالحديد، فيتم القضاء عليها عن طريق الموت الذاتي. وبما أن السرطان يتضاعف مع وجود الطفيليات في الجسم، فإن الشيح له الدور الفعَّال في القضاء عليها.

المحظور من تناول عشبة الشيح

بما أن نبات الشيح يمتلك مواد قوية وفعَّالة فإنه يشكل خطرًا على بعض الناس، فيجب عليهم عدم تناوله على الإطلاق وفي حالات محدَّدة، هذا لا يعني أن غيرهم يخشاه ويتجنبه.
يعتبر الشيح خطرًا على المرأة الحامل والمرضعة ومرضى القلب، والمصابين بالصرع، كذلك يجب عدم تناوله من قبل المرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي وأمراض الكبد لأن المواد الفعَّالة في الشيح توقف عمل الأدوية التي يتناولونها. علمًا بأن نسبة المادة الفعَّالة فيه صغيرة جدًّا، كل كيلو غرام واحد من الشيح، يُستخلص منه مخبريًّا نصف ملغرام. هناك كبسولات من مطحون الشيح، لا يمكن الاستهانة بها، فعند الاستخدام يجب أن يتناولها المريض وفق تعليمات الطبيب، من هنا وجب الانتباه إلى عدم تناوله من قبل الأطفال إلا بعد ضبط الجرعة بدقة من قبل الطبيب.

طريقة تناول الشيح

أفضل طريقة لاستخدام الشيح: يغلى الماء، ثم يوضع فوقه الشيح، ويغطَّى لمدة عشر دقائق، ثم يصفَّى، ويشرب، ويمكن إضافة ملعقة صغيرة من العسل حتى يستسيغه الأطفال، وخاصة لمعالجة الديدان. ومن المستحسن تناوله بعد الوجبات الدسمة. ولكن، يجب استخدامه بحذر، ووفق إرشادات الطبيب.
ختاماً نقول: لقد تعددت الأبحاث حول نبات الشيح وتوصل العلماء إلى أنه يساهم بشكل كبير في علاج الكثير من الأمراض، ومنها مرض السرطان وأهم تلك الأبحاث جاء من قبل الدكتورة “هولدا كلارك”، فقد قدَّمت الكثير من البروتوكولات الهامة في علاج السرطان وأهمها البروتوكول الذي أثبتت فيه فعالية الشيح مع القرنفل وقشور الجوز الأسود الطازجة في علاج السرطان بشكل خاص وكانت النتائج مبهرة. هذا ما يشجع على الاهتمام بالمواد الطبيعية في العلاج، ويحفِّز البحث العلمي أكثر. ومن الجدير بالذكر أنه يجب استخدام الشيح بمقدار، فكل شيء زاد عن حده، انقلب إلى ضده.