“بأنواعه المتعددة كان لمشروب الشاي سبب لعبت به يد الطبيعة الساحرة، فحولته مع الزمن إلى عادة وطريقة وضرورة، فاحتساه الناس ليجدوا فيه المتعة والانتعاش والراحة”.. هي قصة موغلة في التاريخ الصيني، قصة أحد الأباطرة المشهورين اسمه “شينونج” الملقَّب بــ”إله المزارع”، وإليه تنسب اختراعات عديدة، منها الفأس والمحراث والمعزقة.. كذلك عُرف بخبرته في الطب وولعه بجمع الأعشاب.. كان ذلك منذ حوالي خمس آلاف سنة وفق التاريخ الصيني.
تقول القصة، لقد اعتاد الإمبراطور “شينونج” الخروجَ إلى البراري والغابات بقصد جمع الأعشاب، واعتاد كذلك أن يشرب كوبًا من الماء الساخن في بعض الأوقات، لأنه يعرف مدى قدرة ذلك الماء على معالجة الأمراض في الجسم.. وعندما توقف في أحد المنتزهات وأعدَّ كوب مائه المعتاد، سقطت بضع وريقات من الشاي الأخضر في الكوب، فتغير لون الماء، ومع ذلك شربه الإمبراطور فشعر بالنشاط والمتعة.. وصار مشروب الشاي طلبه المفضَّل.. هذا ما دفعه لينشر الأمر حوله، ليصبح مشروب الشاي مع الزمن كأس الناس الرائج على مستوى العالم.
هذه القصة هي حالة من مفاجآت الطبيعة تأثر بها الإنسان، ولا تقل أهمية ومفاجأة عن قصة القهوة؛ الراعي الإثيوبي الذي لاحظ أن الماعز لا تنام لأنه قدَّم لها حبوب القهوة، مما دفعه للقيام بغلي الحبوب وشرب مائها، فشعر بالنشاط والحيوية والمتعة، فصار لفنجان القهوة مع مرور الزمن متعة يسعى إليها الناس عالميًّا.
الشاي الأخضر وزراعته
من المعروف عالميًّا أن أهم الدول المنتجة للشاي الأخضر، هي الصين واليابان وفيتنام. ولكن يمكن لأي شخص مهتم بالزراعة، أن يقوم بزرعه على أكمل وجه دون صعوبات تذكر.
تتميز الأوراق بانبساطها ورقتها، مما يجعلها تكتسب كمًّا كبيرًا من أشعة الشمس، ويسمح لها بالقيام بعملية التمثيل الضوئي عبر الخلايا التي تحتوي على اليخضور. إن زراعة شتلات الشاي الأخضر لا تختلف عن زراعة النعناع، وأي غصن يتم غرسه في الأرض يتمدد وينمو، وذلك بعد غمره بالماء وإعطائه السماد العضوي المناسب، بذلك تصبح النبتة صالحة للتناول بشكل صحي تمامًا.
ويمكن لنبتة الشاي أن يصل ارتفاعها لمسافة متر ونصف المتر تقريبًا، كما يمكن أن تزرع الشتلات تحت الأشجار المثمرة.. ولكي يضمن المزارع مشروب شاي عالي الجودة، فعليه أن يقطف البراعم العليا من النبات مع الأوراق المجاورة باستخدام الإبهام والسبابة. ولكن ما تفعله الآلات الحديثة، من القطف مكنيكيًّا، يؤذي الأوراق والبراعم ويجعلها تفقد الكثير من مكوناتها المفيدة.
مكونات الشاي الأخضر
يحتوي الشاي الأخضر على الفيتامينات، منها -مثلاً- فيتامين ب، وفيتامين د، وفيتامين هــ، وفيتامين ك، وفيتامين سي، إضافة إلى احتوائه على المعادن، مثل معدن الحديد، والكالسيوم، النحاس، السيلسنيوم، البوتاسيوم، والمنغنيسيوم.. أضف إلى ذلك امتلاك الأوراق على العديد من الأحماض الأمينية والأهم على وجه الإطلاق حمض “الثيانين” الذي يوجد بشكل كبير في كل أنواع الشاي الأخضر، وبنسبة عالية في شاي “الكاميليا” الصيني، فهو يقلل الضغط العصبي، ويقلل من الأعراض التي تنتج عن آلام الحيض، ويخفف من حدة الكافايين، ويحفِّز نشاط موجات “ألفا” في الدماغ، مما يساعد على الهدوء والتركيز والاتزان والنشاط العقلي، وهذا مفيد للأطفال أيضًا. كذلك هناك حمض “هيدروكسي الأنيسول”، وهو مضاد أكسدة غذائي قوي ومضاد للالتهابات أيضًا.
فوائد الشاي الأخضر
يعتبر الشاي الأخضر من أهم مضادات الأكسدة التي تحمي الجسم من الالتهابات المزمنة، وخاصة حماية الجسم من الإصابة بالأمراض الخطيرة.. كما أن الشاي الأخضر يساعد مرضى السكر على تحسين حساسية الأنسلين، كما يساهم في تقليل نسية السكر في الدم، والأهم من كل ذلك الوقاية من مرض السكر من الدرجة الثانية.
مشروب الشاي الأخضر يفيد الشخص الذي يتناوله بانتظام، حيث يكون أقل عرضة للسكتة الدماغية وأمراض القلب. كما يساعد على تخفيف الوزن، وتقوية جهاز المناعة، وتحسين الذاكرة.
الشاي الأخضر يحرق الدهون وخاصة في الكبد، فهو يقلل من شدة أمراض الكبد المرتبطة بالسمنة، ويحمي من الشيخوخة، ويقوي جهاز المناعة، ومضاد للتوتر، ويساعد على الاسترخاء لامتلاكه “الثيانين” الذي يساعد على تهدئة الأعصاب ومن ثم الاسترخاء.
فوائد الشاي الأخضر بالنسبة للفم
إن مشروب الشاي الأخضر الساخن، يعطي الفم رائحة طيبة ونفسًا منعشًا، فيقلل من رائحة الفم الكريهة، ويحارب البكتريا التي تساهم بتسوس الأسنان. كما يقضي على البكتريا التي تتكاثر في الفم، ويحفظ الأشخاص من انتقال العدوى إليهم في حال وجود قريبين من الشخص المريض فمويًّا. كما يعمل على حماية الأسنان من تراكم طبقة الجير عليها. وأهم ما يملك الشاي الأخضر مادة “الفلورايد” التي تقوم بمكافحة تسوس الأسنان.
استعمال الشاي الأخضر في التجميل
يمكن استخدام الشاي الأخضر في التجميل لتقشير البشرة بلطف، فيقوم بإزالة الخلايا الميتة، ويفتح مسامات البشرة، ويعطي الوجه نضارة وحيوية، مما يحفِّز إنتاج خلايا جديدة.. وقد دخل الشاي الأخضر في تركيب الكثير من مستحضرات التجميل، وخاصة أنه يعالج التجاعيد لاحتوائه على فيتامين ضروري لصحة البشرة، مما يساعد على الحفاظ على إنتاج “الكولاجين” الذي يعطي البشرة مرونة لطيفة، ويعالج البشرة الدهنية وحب الشباب، ويدخل في تركيب الماسكات.
أضرار الشاي الأخضر
من المعلوم أن كل زيادة مفرطة في تناول أية مادة غذائية حتى لو كانت مفيدة جدًّا، فسوف تنعكس سلبًا على الجسم حتمًا. لذا وجب الانتباه إلى أهمية تناول مشروب الشاي الأخضر بحسبان، وخاصة أنه يحتوي على نسبة عالية من “الكافيين”، مما يزيد النشاط عند متناوله؛ فقد يسبب لشاربه الأرق والاضطراب في النوم وما إلى ذلك.. لذلك يُنصح بعدم شرب الشاي الأخضر قبل النوم، وبالمقابل إن الشاي الأخضر يحسن النوم في حال تناوله قبل النوم بثلاث ساعات تقريبًا. كذلك قد يسبب الغثيان لدى البعض، ويثير الاضطرابات الهضمية في حالات نادرة.
تحضير الشاي الأخضر
إن مدة تحضيره ما بين أربع إلى خمس دقائق فقط؛ فتحضير كوب من الشاي الأخضر مثله مثل أي نبات عطري، يجب أن يصل الماء إلى درجة الغليان، وبعدها توضع الأوراق الخضراء أو الجافة في الماء، ويغلق الوعاء جيدًا لكي لا تتطاير الزيوت العطرية من النبات. إن تعرُّض الأوراق للحرارة العالية ولمدة قصيرة، يجعلها تحافظ على مكوناتها الغذائية المفيدة، وتعطيل كل المكونات عديمة الفائدة.
بين الشاي الأخضر والشاي الأسود
على الرغم من أنهما ينبتان من نبات ذات طبيعة وتركيب واحد، إلا أن تخمير الشاي الأسود يجعله عرضة للتأكسد فتقل فائدته أثناء التخمير، بينما الشاي الأخضر لا يخضع لمثل هذه طريقة، مما يجعله يحافظ على مكوناته أكثر من الشاي الأسود، علمًا بأنه يعزز صحة القلب والشرايين لاحتوائه على مضادات الأكسدة أيضًا، مما يقلل من الإصابة بنقص التروية القلبية. كما يساعد الجسم على مقاومة الأمراض الخبيثة، وكذلك مقاومة مرض السكري، ويحمي من السكتات القلبية، ويحسن الهضم.. كما يعتبر مضادًّا للجراثيم فيقضي على أنواع عدة منها، كذلك يهدئ الأعصاب.
وعند المقارنة بين الشاي الأسود والشاي الأخضر، فإننا نجد أنهما يتقاطعان في الكثير من الفوائد، مما يدل على أهمية تناولهما بشكل منتظم.
ختامًا نقول إن الله سبحانه وتعالى قد وهب الإنسان نعمًا كثيرة، فيها من الفائدة ما لا يعد ولا يحصى.. فسبحان الله الخالق الوهاب على ما أنبت من الأرض.. فمن عدة أوراق بسيطة من الشاي الأخضر، يستطيع الإنسان أن يحصل على فوائد كبيرة جدًّا، من هنا تأتي أهمية جمال وفائدة تلك النباتات بشكل عام.
(*) كاتبة وصحفية سورية.