ذكر الله تعالى الفضة في محكم تنزيله في ستة مواضع مختلفة بالتعريف (الفضة)، وبدون التعريف (فضة) كقوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)(آل عمران:14)، وقوله تعالى: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ)(الإنسان:15)؛ لقد خصّ الله سبحانه وتعالى في هذا الموضع أهل الجنة بأكواب الفضة. ثم في موضع آخر من نفس السورة يقول تعالى: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا)(الإنسان:21)؛ وهنا إشارة لطيفة تربط بين أكواب الفضة والشراب الطهور، وتؤكد هذه الإشارة وتصدقها البحوث العلمية الحديثة التي أُجريت على معدن الفضة. وكَشفت هذه الدراسات أن الفضة من أنجع الوسائل لمكافحة البكتريا والجراثيم.
الفضة عنصر يرمز له بالأحرف “Ag” اختصارًا للكلمة اللاتينية (Argentum)، ونسبت إليه دولة الأرجنتين (أرض الفضة)؛ حيث وُجدت فيها الفضة بكميات كبيرة، وهي معدن أبيض ويمكن صقله وتلميعه. ويأتي معدن الفضة في المجموعة الانتقالية رقم II من الجدول الدوري، ورقمها الذرّي 47، ووزنها الذرّي 107.868، ويبلغ وزنها النوعي 10.5. تنصهر الفضة عند درجة حرارة 962 درجة مئوية، وتصل إلى مرحلة الغليان عند درجة حرارة 2212 درجة مئوية.
استخدمت الفضة منذ القدم في مكافحة البكتريا نظرًا لقدرتها على قتل الكائنات الدقيقة والطحالب. وقد استخدمها المسلمون في تنقية الماء؛ حيث قاموا بوضع الماء في القِرب المصنوعة من جلد الشاة، حتى امتلأ ما يقرب من ثلاثة أرباعها وظل الباقي هواء، ثم وضعوا في الماء قطعًا معدنية من عملات الفضة لتهتز القِربة أثناء الرحلات الطويلة فتحتك القطع ببعضها البعض، مما يؤدي إلى ذوبان جزء بسيط من الفضة في الماء في صورة مسحوق ناعم جدًّا يكون وسيلة في قتل البكتريا وتطهير الماء.
في العصر الحديث بعد ظهور علم النانو، حظيت المواد ذات البنية النانومترية على تركيز مكثف من الباحثين -خاصة في العقود الأخيرة- بسبب اعتماد خصائصها الفيزيائية والكيميائية الفريدة على حجمها. وبما أنه أصبح من السهل بناء جسيمات نانوية (من 1 نانومتر إلى 100 نانومتر)، فقد تسابق العلماء والباحثون في ابتكار طرق مختلفة للسيطرة على حجم وبنية المواد في مستوى النانو. وبالتالي استغلال خصائص هذه المواد المختلفة، وأهمية دراسة أثر المواد النانوية على البكتريا، تأتي في إطار الأبحاث حول توفير مضادات حيوية فعّالة. وقد أثبتت أيونات الفضة -وخاصة بحجم النانو- أنها تكون مفيدة وفعّالة في مكافحة الجراثيم.
لذلك تسابق الباحثون في مختلف دول العالم، وتفننوا في تحضير مواد نانوية ذات تراكيب مختلفة وأشكال متعددة استطاعوا أن يطبّقوها في مجالات عديدة علميةٍ وتكنولوجيةٍ وصحيةٍ. وكانت حبيبات الفضة النانوية من أهم هذه المواد نظرًا لتطبيقاتها المحتملة في مجالات عدة، وعادة ما تكون فضة عالية النقاء.
عُرفت الفضة كمطهِّر لعدة قرون، واستُخدمت على نطاق واسع في علاج الأمراض السريرية وجروح الحروق الموضعية. ومما يشجع الباحثين على الاهتمام والتركيز على الفضة، كونها تعمل ضد طيف واسع من البكتيريا بشكل استثنائي، في حين أنها تظهر سُمّية منخفضة إلى خلايا الثدييات.
وتعتبر تقنية النانو فضة، بمثابة فتح طبي جديد؛ إذ تستطيع الفضة المصنعة عند هذا الحجم الصغير للغاية، أن تقضي على أكثر من 630 نوعًا من البكتريا بتحطيم جدران الخلية البكتيرية، وعلى العديد من الفطريات والفيروسات، كما تُستخدم هذه المادة في تعقيم أدوات الجراحة أيضًا. وهناك دراسة علمية نشرت في مجلة تقنية النانو الأمريكية عام 2005، أجراها باحثون من جامعتي تكساس ومكسيكو الأمريكيتين، تؤكد على أن النانو فضة عند مقياس 1-10 نانومتر، قادرة على القضاء على أحد أخطر الفيروسات على صحة الإنسان، ألا وهو فيروس الأيدز (HIV-1). وطبقًا لما جاء في البحث المشار إليه، فإن الفضة النانوية قضت على 100% من فيروسات الأيدز خلال ثلاث ساعات فقط من بدء التجربة عند درجة حرارة 37 درجة مئوية، أي درجة حرارة جسم الإنسان.
(*) رئيس جمعية الفيزياء بجامعة وادي النيل / السودان.