الفصحى لها مكانة عظيمة لدى العرب، ولها أهمية عظيمة فهي لغة القرآن والسنة النبوية، وتمتاز بالعديد من الخصائص العظيمة، ولها تاريخ طويل وتراث عميق، وهي سهلة التعلم والتعليم وهي لغة الجمال والجلال والتذوق، وفيها قدرة عظيمة على استيعاب متغيرات العصر ومستجداته واختراعاته وأحداثه، ولديها قدرة على الاقتباس من اللغات الأخرى، فهي لغة العلم والمعرفة والحضارة والثقافة وهي لغة العصر.
هناك العديد من اللغات التي اندثرت خلال الأربعة عشر قرنًا، وما زالت العربية كالشمس تضيء لنا لساننا، من يستطيع من الأمم الأخرى أن يجد كتبًا لها عشرة قرون فيقرؤها بلغتها الأصلية فيفهمها، لكننا في لغتنا العربية نستطيع فعل ذلك، نقرأ لعنترة والجاحظ وابن المقفع والشافعي وهم رحلوا من قرون ونستطيع فهم لغتهم كأنهم يعيشون بيننا، من يستطيع فهم لغة شكسبير الآن من الإنجليز.
ومع تلك الخلال الجامعة والخصال النافعة والمكانة العظيمة الراقية ينكر الكثير من أبناءها لها، فعانت من التهميش والإهمال، وأصبحت ذليلة عند الكثير من أبناءها، فيستحيي الكثير منهم من الحديث بها، كأنها لغة ناقصة، فكان لا بد أن نعلم صغارنا محبة اللغة العربية الفصحى، فمزاحمة اللغات الأخرى للغة العربية في عصرنا أفسد هذا الحب في قلوبهم، فجعلهم يهتمون بلغات أخرى غير الفصحى.
الفصحى لها مكانة عظيمة لدى العرب، ولها أهمية عظيمة فهي لغة القرآن والسنة النبوية، وتمتاز بالعديد من الخصائص العظيمة.
محبة صغارنا للفصحى ينبغي أن يبقى من أهم أهدافنا التي نسعى لغرسها في صغارنا منذ نعومة أظافرهم، فالتاريخ والدين واللغة أهم السمات التي تعزز الهوية عند صغارنا.
الذين يهملون لغتهم القومية ويهتمون بلغات الأمم الأخرى، يضعف انتمائهم للغتهم ولدينهم ولوطنهم ويضعف لديهم تفاعلهم مع قضايا أمتهم، وليس غريبًا أن يتفاعلوا مع قضايا الأمم التي يتحدثون بلغاتها، فمن يتقن الألمانية يهتم بقضايا ألمانيا، ومن يتحدث بالفرنسية يهتم بقضايا فرنسا وهكذا، فالذي دفعه لهذا الاهتمام اهتمامه بهذه اللغة الأجنبية، فليس غريبًا أن نجد تفاعلنا بين أبناء دولتين وبينهما بعد المشرقين، ولم يكن لهذا التفاعل أن يحدث إلا بسبب وحدة اللغة بينهما.
محبة صغارنا للفصحى ينبغي أن يبقى من أهم أهدافنا التي نسعى لغرسها في صغارنا منذ نعومة أظافرهم.
إذا أردنا أن يبقى صغارنا جنودًا خادمين لدينهم ولبلادهم ولأمتهم، فلا بد أن نعزز لديهم الانتماء للغتهم العربية والعناية بها ومحبتها والافتخار بها وإيثارها على سائر اللغات الأخرى.
جميع الأمم تهتم بلغاتها وتسعى للتحدث بها والعناية بها والاهتمام بها، وتزيل سائر العقبات التي تواجه أبناءها نحوها، ولا تفرط في العناية بها وقد تفرض القوانين من أجل حمايتها من الاندثار.
اللغة ليست مجرد كلمات وألفاظ للأمم، اللغة تعني خصائص تلك الأمة وتراثها وقيمها وحضارتها وتاريخها وقوتها واتحادها وشموخها وعزتها وترابطها، فوضع الألفاظ والمعاني تدل على خصائص تلك الأمة التي تنتمي لها تلك اللغة.
كما تعمل الأمم على حماية صناعتها وتجارتها ومنتجها المحلي وتحميه من المنافسة مع الواردات، فينبغي كذلك أن نحمي لغتنا من الدخول في صراع مع لغات أجنبية.
قيمة الفصحى عند صغارنا ليست فقط وسيلة لنقل العلوم والمعرفة، بل هي وسيلة لربط صغارنا بدينهم وتاريخهم العريق وتعميق الصلة بالأمة الإسلامية، فاللغة تربط الصغير بجميع الدول العربية المحيطة بدولته.
هناك واقع أليم للغتنا العربية، فاللغة العربية تعاني من الإهمال والتهميش ومع ذلك التهميش هناك اهتمام شديد وإقبال عريض باللغات الأجنبية الأخرى، بل والحديث اليومي باللغات الأجنبية من غير داع، فيكون الاهتمام من باب الوجاهة الشكلية والفذلكة اللغوية فقط، فنرى من يقحم في كلماته العربية بعض المفردات الأجنبية كأنه يظهر ثقافته الراقية أمام السامعين.
قيمة الفصحى عند صغارنا ليست فقط وسيلة لنقل العلوم والمعرفة، بل هي وسيلة لربط صغارنا بدينهم وتاريخهم العريق وتعميق الصلة بالأمة الإسلامية.
إذا لم يتعلم صغارنا محبة اللغة العربية الفصحى في المدرسة فلنعلمهم محبتها في منازلنا وفي الأجواء الأسرية، وليروا اهتمامنا نحن الوالدين بالفصحى فينعكس ذلك عليهم في محبة الفصحى.
كيف نحبب الفصحى لصغارنا؟
كيف سيحب صغارنا الفصحى وهم يرون إهمالنا للفصحى؟ فلا نتحدث بها أمامهم ونستحي من الحديث بها أمامهم كأننا نرتكب جرمًا.
حتى يحب صغارنا الفصحى ينبغي أن نُسمعهم الكثير من الأحاديث، ونريهم العديد من المرئيات بالفصحى البسيطة التي يسهل عليهم فهمهم واستيعابها.
ينبغي أن نهتم بغرس محبة الفصحى للصغار في مهدهم قبل أن يعوا سخرية الساخرين بها، وقبل أن يسمعوا دعاوى صعوبة الفصحى ودعاوى تعقد وجمود قواعدها النحوية وقبل أن ينبهروا باللغات الأجنبية. وينبغي أن ينعقد حبهم للفصحى في بداية حديثهم وبداية تعلمهم الكلام، لنفتح عيونهم على كلمات الفصحى وجملها وألفاظها الجميلة.
محبة صغارنا للفصحى في مرحلة مبكرة ليس معناه معرفة الألفاظ دون معنى، بل معناه محبة دينهم وقربهم منه وفهمهم دينهم فهمًا صحيحًا وعنايتهم بأمتهم ونصرتهم لقضاياها وارتباطهم بواقع أمتهم وانتمائهم لبلادهم وعملهم على تقدمها.
إن دراسة أي لغة يعني دراسة وتعلم ثقافة تلك الأمة التي تتحدث بتلك اللغة، وإن تعليم صغارنا في مدارس أجنبية يعني العمل على تهديد جذورهم العربية الأصيلة التي تربطهم بدينهم وأمتهم وبلادهم، وهذا قد يدفعهم للتعاطف والولاء لتلك الأمم التي يتحدثون بلغاتها.
إذا كان سوق العمل يحتاج للغة ثانية وثالثة غير الفصحى، فثبات أبناءنا على قيمنا ومبادئنا وديننا وثقافتنا بحاجة للعناية باللغة العربية الفصحى.
ينبغي أن يرى فينا الصغار حبنا للغتنا وعنايتنا بها وحديثنا بها وفخرنا واعتزازنا بها، هم سيأخذون هذا الحب منا وسيقتبسون تلك العناية والاهتمام منا، وسينالون النطق الصحيح وسيتعلمون المخارج الصحيحة للحروف منا.
ينبغي أن نوفر لهم مجلات الأطفال الهادفة ذات المحتوى الفصيح، ونوفر لهم القصص الفصيحة السهلة ونوفر لهم الأناشيد الجميلة السهلة مثل أناشيد أمير الشعراء أحمد شوقي ليتلذذوا بجميل الأشعار ويشدوا بروائع العربية.
ليس في النحو صعوبة كما يزعم البعض، فقد عمل الكثير على تقريب القواعد وتبسيطها وطرح أمثلة سهلة وعرضوها بأسلوب واضح وبسيط، فلا يفتقر أبناء العربية إلا ممارستها وتطبيقها في حديثهم.
ينبغي أن يرى فينا الصغار حبنا للغتنا وعنايتنا بها وحديثنا بها وفخرنا واعتزازنا بها.
إن بقاء القواعد النحوية كما هي من أسرار بقاء اللغة العربية الفصيحة كما هي قوية ناصعة، فاللغات الأخرى التي اندثرت ما اندثرت إلا بسبب اندثار قواعدها.
نحن لسنا بحاجة لتعليم صغارنا قواعد النحو والصرف والبلاغة وهم في المهد بأسلوب سهل راق ونقي من الشوائب التي عكرت صفوها في القرون الماضية، هم بحاجة لسماع القصص والأناشيد والحكايات الفصيحة ليتشربوا حبها في مهدهم، فإذا ذاقوا حبها سيسهل عليهم تعلم قواعدها عندما يصلون لعمر التمييز والفهم لما يتعلمون.
محبة الفصحى إرث ينبغي أن نورثه لصغارنا، نغرسه في قلوبهم قبل محبة الأوطان، ونجعله قبل الفطام، نغرسه في قلوبهم غرسًا، إذا تحدثوا بألفاظ عامية أتينا لهم بالبديل من الفصحى، وإن تكلموا بألفاظ إنجليزية أتينا لهم بالبديل من العربية.
كما أن لنا مبادئ في تربية صغارنا مثل العناية بالأخلاق والعناية بالتفوق الدراسي، لتكن العناية بالفصحى لدى أبناءنا من أهم مبادئنا التربوية معهم، فلا نسمح لهم باللحن في الحديث، ولا نتركهم للحديث بالإنجليزية من غير داع، وننزعج عندما يفخرون بلغة أخرى غير لغتهم.
ما المانع أن ندخل معهم في حوار بالفصحى، لا توجد بيئة أخرى تغرس فيهم محبة الفصحى غير الأسرة، فالمدرسة خليط بين العامية والإنجليزية والشارع والتجمعات الخارجية في النوادي الرياضية وغيرها خليط بينهما أيضًا فمن سيقوم بتحبيب صغارنا للفصحى غيرنا.
والرسوم المتحركة ذات المحتوى النافع الذي لا يتعارض مع قيمنا له دور كبير أيضًا في تحبيب صغارنا للفصحى، فتلك الرسوم المتحركة التي لغتها الفصحى تعلم صغارنا الفصحى وتقربها لهم وتجعلها طوع أيديهم، فهم بحاجة لتوفير المزيد منها، فلماذا لا نحمل لهم العديد من المرئيات الهادفة من الإنترنت ليستمتعوا بتلك القصص ويعتادوا على الفصحى.
الرسوم المتحركة ذات المحتوى النافع الذي لا يتعارض مع قيمنا له دور كبير أيضًا في تحبيب صغارنا للفصحى.
أيها الوالدان حدثوا أولادكم بالفصحى، وشجعوهم على الحديث بها، افرحوا بكل كلمة فصيحة ينطقون بها، خصصوا لهم الجوائز العظيمة والمكافآت الكبيرة كلما تقدموا في التفوق في لغتهم العربية، اجعلوا عنايتكم بالفصحى في البيت فوق عنايتكم بسائر اللغات الأخرى، تحبيب صغاركم للفصحى من أهم واجباتكم نحو صغاركم ولغتكم العربية.