ثمرات الهندسة الوراثية

نشأت الهندسة الوراثية على يد الأندلسي “أبو القاسم الزهراوي”، ساكن مدينة الزهراء الملَكية بظاهر قرطبة، التي ازدانت حدائقها بـ24 نوعًا من النباتات الهجينة التي استزرعها “الزهراوي”، الذي حصر الهندسة الوراثية في كروموزومَين متباعدَين عن بعضهما مسافة 2 ملليمتر، تحويهما نواة أيّ خلية نباتية، فإذا ما تقاربا إلى درجة التمازج (التلقيح)، فإن الصفات الوراثية للنبات تتغير بمقدار التمازج الذي يحدُث لهما. وهو التمازج الذي مكَّن “الزهراوي” تحقيقه باستخدام “سوليفات النحاس” و”نترات البوتاسيوم”، بما أدى إلى تكوين ثمار الأفوكادو والسفرجل، اللذين يدعم تناولهما “الوسط الحمضي” المحيط بالمُخِّيخ، وهو الضروري لتنشيط الوعي وتنظيم تدفق الدم للمخ، وتؤدي قلة حموضته -مع الوقت- لاختلال توارُد الدم إلى المخ، بما يؤدي -مع عوامل أخرى- للإصابة ببعض حالات الفصام.

وقد كوَّن “الزهراوي” أيضًا 12 نوعًا من البلح الحاوي الـ”سكروز” المكافئ للبروتين الحيواني، والقُطن المزهِر ذي اللوزة “طويل التيلة”، وهي نباتات لم تكن أصلًا من الطبيعة، حيث استزرع “الزهراوي” أغلبها في صُوبةٍ تتكون من فروع شجرة الصفصاف داخل مدينة الزهراء، خلال الخريف الأندلسي الممتد لثلاثة أشهر، حيث  الحرارة تتراوح بين 23 في النهار و16 في الليل. وهي الظروف المثالية التي أنتج فيها بعض ثماره، التي منها سُلالات الطماطم بشكلها الحالي، حيث إن ثمرة الطماطم البرية كانت تنبُت أصلًا في “أوزبكستان” في حجم العِنَب الفيُّومي المصري الخريفي، وكانت قليلة الماء ولا بذور داخلها، وتدين الطماطم التي لا يستغني عنها مطبخٌ في العالم الآن لـ”الزهراوي”، الذي كوَّنها بِنَقع “البريَّة” الصغيرة الحجم عشرة أيام في محلول “اليُود” المُشبَّع بـ”نترات البوتاسيوم”، ثم زراعتها في صُوبَتِه بين 26 سبتمبر و16 أكتوبر.

وأيضًا، فإن البرسيم والأرز لم تكن سوى أعشاب برِّية صغيرة الثمار؛ فالبرسيم كان عشبة بحجم الحشائش البرِّية تنبت في إقليم منشوريا الصينى، ولكنه تحوَّل لمصدر اللبن الأول بعد انتقال بذوره للشرق الأوسط في القرن السادس عشر، وهندستها وراثيًّا على يد الفلاح المصري “الدُّمَيري”، بما جعلها تنبت من أربع إلى سبع مرات خلال الشتاء. كما أن الأرز الأبيض كان عشبة برِّية بنفسجية اللون، تنبت في جزيرة “هوكايدو” الباردة شمال اليابان. ولكنه انتقل عبر طريق الحرير إلى الشرق الأوسط والأندلس، حيث كان التجار الصينيون يبطِّنون به أجناب العرَبات الحاملة أثواب الحرير.. بما لفت أنظار فلاحٍ مسلم عاش في القرن الرابع عشر، يدعى “محمد بن إسحاق الخوارزمي”، وكان أن حصل على شتائله من أحد التجار الصينيين، وهجَّنها مع “نبتة الشعير الهندي” بقرب بحر قزوين في أذربيجان، لإنتاج نبتة الأرز الأبيض خلال الربيع القزويني بين 21 مارس و15 إبريل، باستعمال “سوليفات النحاس” لمزج الكروموزومَين.

تطور الهندسة الوراثية

وما بين قيام علماء أمريكيين بتطوير سلالات طماطم تثمر كل ستة أسابيع، وسلالات تفاح تثمر كل ثمانية أسابيع، وقيام باحثين يابانيين بتطوير أوراق الملوخية المصرية ولكن بطعم يشبه الطحالب البحرية من نوع “المُوسِي”، المستخدَم في صنع طبق السُّوشِي الشهير، ينبغى التفريق بين “الهندسة الوراثية” و”التعديل الوراثي”؛ لأن التعديل الوراثي يعني حقن الكروموزومَين اللذين تتكون منهما الخلية النباتية بعناصر ضارة صحيًّا، كاليُود المُشِعّ والباريوم المؤدي لتكبير حجم الثمرة، دون اعتبار الأضرار الصحية الناتجة عن استعمالهما.

وتتمثل أهمية الهندسة الوراثية حاليًّا في تحديد “البصمة الوراثية” للبشر أفرادًا وجماعات، حيث هناك بصمة مشتركة لكلٍّ من الجماعات البشرية، وأيضًا بصمة للفرد الذي يحمل مزيجًا وراثيًّا بين صفات الجماعة المنتمي إليها، وصفاته الذاتية التي ينفرد بها، والتي تُماثل بصمات الأصابع التي يستحيل تكرارها.

وكان للهندسة الوراثية فضل الكشف عن تلك البصمة التي تتحدد وفق ثلاث معطيات، وهي شكلُ الخلايا الجذعية وطريقة عملها التي لاتتكرر أبدًا، وطريقة عمل المخ والتكوين المِزاجي للفرد، والقدرات الذاتية للفرد الخاضعة في تقييمها لكلٍّ من الهندسة الوراثية والخوارزميات. وتوصلت آخر أبحاث “الخلايا الجذعية” إلى دور “الهندسة الوراثية” في تشكيل الخلايا الجذعية الـ12 خلال مرحلة التكوين من 3 إلى 16 سنة. حيث إن تلك الخلايا لا تتواجد أصلًا في الجسم وقت الولادة، ولكنها تبدأ في التشكل بدءًا من سن السابعة، ولا يكتمل نموها قبل سن 18. وتختص بانتظام فسيولوجيا الجسم وتجديد خلاياه التالفة، فإذا ما تشكلت جيدًا نتيجة “جودة الحياة” خلال مرحلة التكوين، فإن معدَّل عمر الفرد وحجم ناتجه سيزداد.

وتوصلت “الهندسة الوراثية” للتكوين السليم لتلك الخلايا الـ12 كلها، الذي يعتمد على إمداد الجسم بتسع مواد رئيسية، هي “الأمونيا” الموجودة في الحليب بنسبة 1/1000 في كل 100 سم من الحليب، و”الحديد” و”الفضة” المتوافران في الخضروات والفاكهة، و”البروتين الحيواني” في اللحوم، و”الأوميجا 3″ في الأسماك، و”أيدروبروميد الفضة” في الجبن المُشبَّع بالكالسيوم، إضافة إلى “السفرجل وعسل النحل”، و”الصمغ” الذي يدخل بدوره في تكوين أغذية الأطفال في أوروبا وأمريكا. ولا تتوافر  تلك المواد اللازمة لاكتمال نمو الخلايا الجذعية حاليًّا إلا في 20 دولة فقط، بفضل تطور الهندسة الوراثية فيها.

واعتبارًا لِما توصلت إليه آخر أبحاث الخلايا الجذعية، من أن عدم توافر تلك العناصر التسعة للناشئين يُؤدي إلى ضعف تكوين تلك الخلايا وصولًا للشيخوخة المُبكرة، فإن دور الهندسة الوراثية في تحقيق النمو الصحيح للكائن البشري يعدّ مصيريًّا. وإذا علمنا أن تسعًا من الخلايا الجذعية هي خلايا الجهاز العصبي المركزي والفص الأيسر للمخ، تمكَّنا من إدراك دور الهندسة الوراثية في تمايز البشر عن بعضهم في قوة التفكير، التي هي أساس التطور الحضاري والمجتمعي.

مستقبل الهندسة الوراثية

وعلى ذلك فإن “التغذية العلاجية” ترتكز أيضًا على الهندسة الوراثية، حيث إن “أيدرو بروميد الفضة” الموجود في الجبن المصنوع من اللبن دون إضافة دهون نباتية هو فيصل عمل الكبد، لأن إفراز هرمون “التستوبروفين الثنائي” المنشط للكبد والمانع لتليُّفه وتراكم الدهون عليه، يعتمد على إمداد الجسم بتلك المادة بمعدل 13 ملليمترًا يوميًّا. كما أن “الصمغ العربي” يبطِّن جدران المعدة والأمعاء ويمنع تقرحاتها. وتعدّ الهندسة الوراثية مسؤولةً عن إنتاجه بصورة كمية، حيث إن الناتج غير المكوَّن منه في السودان والقرن الإفريقي لا يجاوز 1200 طنًّا، بما لا يلبي سوى 15% فقط من الاحتياجات العالمية.. ولكن تكوينه وراثيًّا بدمج الكروموزومَين فيه مع الكروموزومَين التي يحويهما لحاء شجرة السنط، مكَّن تعميم زراعته في الأجواء المشابهة لأجوائه الأصلية، كالمكسيك وحوض الأمازون البرازيلي، الذي صار يُنتج وحدَه أكثر من 40 ألف طن من الصمغ، ليُنصَح به لأساتذة الرياضيات. إنه يوفر لزوجة الخلايا المخية بما يرفع عدد الإشارات الصادرة عن المخ لـ400 إشارة/دقيقة بدلًا من 275 إشارة فقط في أغلب البشر، بما يساعد أساتذة الرياضيات على التركيز في حل المعادلات الرياضية لخمس ساعات متواصلات. وهو المعدّل الذي تتطلبه اختبارات المعادلات الخوارزمية المشغِّلة لخطوط الإنتاج في مصانع “الهاي تك”.

تداخلت الهندسة الوراثية أيضًا في تحديد الصفات الوراثية لعسل النحل، التي تعني تحديد لونه وطعمه ونسبة السكر فيه. وجرى التدخل الوراثي في العسل بمضاعفة عدد كروموزومات الخلية الرئيسية لملكة النحل لخمس خلايا بدلًا من اثنين في الحالة العادية، ما أدى لتنشيط خلايا النحل 20 ضعفًا، كما أمكَنَ إكسابه طعم الفاكهة حسب الذَّوق بحقن ذكور النحل بعنصر الأمونيا  الموجود في اللبن مضافًا إليه “سوليفات النحاس”.

وتم أيضًا تعميم فائدة “الأوميجا 3” في العالم، بعد تلقيح خلايا “سمكة الرنجة” بـ”الأيوديك” المشبَّع بـ”نترات الفضة”، ما مكَّن من استزراعها في البحار الدافئة، بعد أن كانت لا تعيش إلا في شمال المحيط الأطلسى وخلجان أوروبا وبحارها. وظهرت أيضًا فوائد جديدة للسفرجل في زيادة معدَّلات التركيز لدى الأطفال والمراهقين في الدول التي تقرِّر مناهج تعليمية قاسية، كـ”كوريا الجنوبية” التي يطالَب التلميذ فيها بحلّ 30 معادلة رياضية في الساعة، حيث صُنعت أقراص من خليط السفرجل وحبوب لقاح جنين القمح المكوَّن وراثيًّا يتناولها الصبيان في مرحلة البلوغ، مما أدى لزيادة إنتاج الخلايا الدماغية لديهم بنسبة 70%، إضافة لزيادة حجم تلك الخلايا بنسبة مماثلة، ما أدى لتكوين قاعدة من متخصصي الرياضيات في دولٍ -ككوريا الجنوبية والسويد- تعدّ بمئات الآلاف، كافية بدورها لتشغيل 10 آلاف خط إنتاج لصناعة الـ”هاي تك” في كوريا الجنوبية وحدها.

وتَجرُّ الإشارة للسفرجل إلى كشف تم في 2023م عن تأثيره في التمثيل الغذائي للإنسان، الذي يعني امتصاص الدم لكامل الفائدة الغذائية من الطعام. وقد أثبت فريق بحثي فرنسي، أن المواظبة على إطعام الأطفال -من عمر 6 سنوات إلى 14سنة- مُربَّى السفرجل على الريق، يؤدي إلى بناء 70% من الخلايا الجذعية بشكلٍ سليم في مرحلة الطفولة، وهي خلايا العصَب السمبثاوي، والخلية اللبنيَّة التي يختص بها ثدي المرأة، وخلايا الفصّ المخِّي الأيسر المسؤولة بالترتيب عن تقوية عضلات الجسم، وإفراز هرمون الأنيروبرفين (هرمون الرجولة) الذي يتكون منذ مرحلة الرضاعة، وتنشيط ذاكرة الدماغ المسؤولة عن التحصيل، بما يجعل من الخلايا الثلاث أساس النشاط البشري.

إن السفرجل بإضافة “أيدرو اليوديك الأحادي” إليه بنسبة ضئيلة، هو المكوِّن الرئيسي لعقار “الأوكاسيل” المستخدَم في حقن “الوريد الدماغي” المسؤول عن جودة الإبصار، الذي يجرِي حقنه إذا زادت “المياه البيضاء” على القرنيَّة، المسبِّبة فقدان البصر إذا زادت نسبتها عن 20 ملليمتر.

ويُذكر أن “الأيدرو يوديك الأحادي” هو أيضًا ناتج الهندسة الوراثية، حيث يُستخلَص بإضافة لحاء “نبات الأيدروم” المكوَّن وراثيًّا بتلقيح “سُمّ الأكونتين” الحاوي للسيانيد الشديد السُمِّيَّة بعنصر الباريوم إلى عنصر اليود الطبيعي. وهو ما صار يستخدَم أيضًا في تغيير لون قرنية العين، في إطار عمليات تجميل ناجحة أجريت منذ 2018م في السويد، بما يعدّ نجاحًا فيما يتعلَّق بالبصمة الوراثية، حيث إن اللون الأخضر للقرنية -مثلًا- يرتبط بأجناسٍ تعيش في شرق أوروبا تحوي خلاياها تركيبًا كروموزوميًّا مختلفًا (4 كروموزومات في الخلية الواحدة)، بدلًا من اثنين في أغلب البشر. وهذا يؤدي لتمثيلٍ غذائي أكبر للبروتينات الحاوية نسبة كبيرة من صبغة الكاروتين ذات اللون الأخضر، بما يُكسِب أعينهم ذلك اللون. وأثبت باحثون سويديون أيضًا، أن حقن العين بالأيدروم المكوَّن وراثيًّا، كفيلٌ بإكسابها اللون الأخضر في إطار عملية تجميل آمنة لا تستغرق أكثر من 15 دقيقة.

(*) كاتب وباحث مصري.

المراجع

(1)  الفلاحة، ابن بصَّال الأندلسي، معهد مولاي الحسَن، تطوان 1955م.

(٢) حياة الحيوان الكبرى، كمال الدين الدميري، دار المعرفة، بيروت 2006م.

(٣) مجموعة مقالات بالفرنسية عن “تأثيرات الإكساب الوراثي على مستقبل البشرية”، المجلة العلمية، جامعة نيس 2023م.