مواقع التواصل الاجتماعي مخاطر نفسية وجسمية

تُعدّ وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث أصبحت وسيلة للتواصل وتبادل المعلومات في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك فإن استخدام هذه المنصات بشكل متزايد، يُثير مزيدًا من القلق بشأن تأثيرها على الصحة الجسمية، والنواحي الاجتماعية، وصحة الفرد النفسية، لذا يجب علينا البحث والتقصي واستكشاف هذه التأثيرات، لفهم كيف يمكن أن يؤثر استخدام تلك المواقع على حياتنا بشكل عام.

وفي الوقت الذي يظن فيه الكثير أن هناك تأثيرات سلبية لا حصر لها عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية -وهذا ما سيتم توضيحه تفصيلاً- يظهر التساؤل الأهم: هل هناك إيجابيات لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للفرد؟ والإجابة هي نعم. فهناك إيجابيات في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للفرد؛ فهي وسيلة لتعبير الإنسان عن أفكاره ومشاعره، وتلقيه الدعم الاجتماعي من الآخرين، وإحساسه بالقبول عند موافقة أحدهم على طلب صداقته، وشعوره بالحماس عند متابعته النماذج الصالحة والناجحة في مجتمعه.

ومن إيجابيات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، أنها وسيلة للتواصل والتفاعل الاجتماعي بين الأفراد، وبالتالي تساعد في تعزيز الدعم الاجتماعي والشعور بالانتماء. وهذا يعني أن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، حيث إن المنصات الرقمية تشكل أداة ذات تأثيرات إيجابية وسلبية، فهي توفر وسيلة فعّالة للتواصل ونقل المعلومات بشكل سريع وواسع، كما يمكن استخدامها للتوعية وتعزيز التفاعل الاجتماعي.. وعلى النقيض من ذلك، فهي قد تتسبب في تأثيرات سلبية، مثل زيادة مشاكل الصحة النفسية وفقدان الخصوصية، وقد تشكل مصدرًا لانتشار المعلومات الكاذبة، مما يستدعي ضرورة التوعية عن كيفية استخدام هذه المنصات لتحقيق توازن يساعد على الاستفادة من فوائدها الإيجابية، ويقلل من تأثيراتها السلبية.

وإنه من الضروري توضيح أهم المعايير التي يتم من خلالها الحكم على مدى إيجابية أو سلبية استخدام هذه المواقع، مثل طريقة الاستخدام، والغرض من الاستخدام، ومعدل الاستخدام، ومدى تعلق المستخدم باستخدام هذه المواقع، وطبيعة المستخدم نفسه.. مما يفرض علينا استخدام هذه المنصات بحذر ووعي، لتجنب تأثيراتها السلبية، وأضرارها الكبيرة على كلٍّ من علاقات الفرد الاجتماعية، وصحته الجسمية والنفسية.

التأثيرات السلبية على الصحة الجسمية

من الناحية الجسدية، قد تسبب مواقع التواصل الاجتماعي زيادة وقت الجلوس وقلة النشاط البدني، ما يعني أن الاستخدام المفرط لهذه المواقع، قد يؤدي إلى تراجع مستويات اللياقة البدنية، وزيادة مخاطر الأمراض المزمنة مثل السمنة، كما يمكن أن يؤثر التركيزُ المستمر على الشاشة قبل النوم على جودة النوم وحدوث اضطرابات النوم، مما يؤدي إلى مشاكل صحية مثل الأرق.. كما أن الاستخدام المكثف لمواقع التواصل الاجتماعي قد يكون له تأثيرات سلبية على النظر، وكذلك الآلام الجسدية للأعصاب والمفاصل، الناتج عن استخدام هذه المواقع بوضعيات جسدية محددة لفترات طويلة من الزمن.

كما أن كثرة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ووصول الفرد لمرحلة الإدمان، وعدم استطاعة الاستغناء عنها حتى عند تناول الطعام، قد يكون عاملاً مساهمًا في زيادة حالات اضطرابات الغذاء، بسبب تطوير عادات أكل غير صحية، نتيجة الانشغال الكبير بمواقع التواصل الاجتماعي طوال الوقت، وتفضيل الفرد للأطعمة السريعة (Fast Food) لسهولة تناولها أثناء متابعة هذه المواقع.

التأثيرات السلبية على الحياة الاجتماعية

إن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، يعرِّض الفرد لتأثيرات سلبية على حياته الاجتماعية، حيث يزيد من الشعور بالانعزال والانطواء، ويعزز المقارنة السلبية مع حياة الآخرين، مما يؤدي إلى زيادة التوتر الاجتماعي والتأثيرات الاجتماعية السلبية، وبالتالي حدوث اضطرابات في العلاقات الاجتماعية.. يضاف إلى ذلك تأثير انتهاك الخصوصية، وانخفاض مهارات التواصل الواقعي، ما يتطلب مزيدًا من التوعية والتثقيف، للحفاظ على جودة الحياة الاجتماعية الواقعية.

كما أن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي، يسبب الكثير من الاضطرابات في الحياة الأسرية، وزيادة التفكك الأسري، حيث ينعكس هذا التفرغ الرقمي على قلة الاتصال والتواصل الواقعي داخل الأسرة، مما يؤدي إلى التباعد العاطفي وزيادة حالات التوتر والنزاع. في حين يمكن أن يؤثر الانشغال بالشاشات، على جودة الرعاية الأسرية والانشغال العاطفي، وهذا يسبب ظهور عديد من المصطلحات الجديدة على واقعنا العربي والإسلامي، مثل الصمت الأسري، والطلاق العاطفي.. هذه المصطلحات ناتجة عن وجود أفراد أسرة في منزل واحد، بل في غرفة واحدة، وكل واحد منهم منشغل بهاتفه المحمول، ولا أبالغ إن قلت إنَّ أحدهم قد يتواصل مع الآخر في نفس المنزل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بدلاً من التواصل المباشر الذي يقوي ويعزز الروابط والأواصر الأسرية.

التأثيرات السلبية على الصحة النفسية

من الناحية النفسية، يمكن أن تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية بطرق متعددة؛ وقد يعاني البعض من الضغط النفسي بسبب الضغوط المفروضة عبر هذه المنصات، حيث يمكن أن يؤدي التواصل المستمر عبر هذه المواقع، إلى مشاعر القلق والاكتئاب، كما يمكن أن يؤدي التعرض للمحتوى السلبي أو الانتقادات العلنية، إلى تقليل الثقة بالنفس وزيادة مستويات التوتر.

كما تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي على تطوير الهوية لدى الشباب، واستكشاف ميولهم واهتماماتهم وتوسيع آفاقهم الثقافية.. كما يمكن أيضًا أن تسهم في بناء الصداقات والعلاقات الاجتماعية مع مجتمعات أخرى قد تكون مغايرة عن ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ودينهم، مما يمثل خطورة في تشكيل هوية مشوهة لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وخصوصًا في مراحل حياتهم الحرجة كمرحلة المراهقة.

كما أن استمرار المقارنة بين الحياة الافتراضية والواقعية، تؤدي إلى الانخراط في مفهوم غير واقعي للذات، وزيادة الضغوط والتوتر المرتبطين بالمقارنة الاجتماعية والانعزالية الرقمية، وزيادة التحديات النفسية والاجتماعية للشباب، وفقدان الخصوصية، والضغوط النفسية المرتبطة بالظهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

كما قد يفرض الفرد على نفسه مجموعة من المعايير الجمالية والصور المثالية، ويمثل ذلك ضغطًا على الأفراد لتحقيق المظهر الجسدي المثالي، مما يؤدي إلى محاولات عديدة لتعديل الوزن والشكل، وعدم رضا الفرد عن ذاته.

بالإضافة إلى ذلك، يُشجع التعرض المستمر لحياة الآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي، على مقارنة الفرد نفسه بما يشاهده من نماذج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما يسبب له مزيدًا من الضغوط والتوتر والإحباط وضعف الثقة بالنفس.

كما يرتبط الاستخدام السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي، بعديد من الاضطرابات الأخرى، مثل الاكتئاب، والقلق، وتدني احترام الذات، وفقدان الثقة بالنفس، وضعف التركيز، وقلة الانتباه، وكذلك ظهور مصطلحات نفسية جديدة مرتبطة بالتكنولوجيا والعصر الرقمي الذي نعيشه، مثل الضغط التكنولوجي، والإدمان الإلكتروني، والتنمر الإلكتروني، والنوموفوبيا، وغيرها.

مما سبق عرضه من تأثيرات سلبية عديدة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة الجسمية، والحياة الاجتماعية، والصحة النفسية، يتضح أهمية الحاجة الضرورية لعرض أهم طرق العلاج من خلال كبسولات علاجية ووصفة إرشادية، للتصدي لهذه الآثار السلبية، كما نعرضها على النحو التالي:

  • للتخفيف من تأثير الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي على الصحة الجسمية والنفسية، يُنصح بتحديد أوقات معينة للاستخدام اليومي وتفادي التشبث الزائد بها، من خلال اتباع حمية رقمية بزيادة الوعي حول الحاجة إلى استخدام مسؤول لمواقع التواصل الاجتماعي، ويتم ذلك من خلال حصر عدد الساعات التي تمضيها على مواقع التواصل الاجتماعي حتى تستطيع تقليلها. كذلك يمكنك إزالة التطبيقات غير الضرورية التي يمكن الاستغناء عنها.
  • لا بد من المداومة على عادة صباحية جديدة، أو بالأحرى إيجاد البديل المناسب الذي يحل محل الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي. كذلك قم بتحديد أوقات معينة خلال اليوم، لا يتم فيها استخدام أي من مواقع التواصل الاجتماعي، على أن يكون من ضمن هذه الأوقات وقت تناول الطعام، والوقت قبل النوم مباشرة، لتجنب كلٍّ من اضطرابات التغذية واضطرابات النوم.
  • فَعّلْ وضعية عدم الإزعاج (Do Not Disturb) على هاتفك المحمول، وكذلك تخلَّص من عادة السعي المستمر للوصول إلى هاتفك أو المعروف علميًّا بالضغط التكنولوجي أو الحاجة الدائمة لفحص الهاتف ومتابعة الإشعارات؛ حتى لا تكون عرضة للإصابة باضطراب النوموفوبيا (Nomo phobia)، أو اضطراب الخوف من فقدان الهاتف المحمول.
  • حاول الاستمتاع بالأشياء واللحظات ذاتها، مثل التقاط صورة في مكان جميل يكون للاستمتاع بالمكان، وليس بغرض تحميل الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم انتظار التعليقات والإعجابات.
  • قلل قائمة المتابعة الخاصة بك، وقم بإلغاء متابعة الحسابات التي تسبب لك إحساسًا بالضغط أو تعكس محتوى سلبيًّا، واتبع المحتوى أو الأشخاص الذين يلهمونك ويعززون إيجابية حياتك.
  • قم بمراجعة إعدادات الخصوصية على حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لتحديد من يمكنه الوصول إلى معلوماتك ومشاركاتك، لكي تحافظ على خصوصيتك بقدر الإمكان.
  • التفاعل بمعقولية؛ يجب أن لا تشعر بالضغط للرد على كل رسالة أو تعليق، تذكَّر أنك لست ملزمًا بالتفاعل مع كل شيء، بل قم بالرد في الوقت المناسب لك، وتذكَّر أن التكنولوجيا تيسر ولا تعسر عليك.
  • عزز الواقعية؛ فإن ما يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يعكس دائمًا الحياة الحقيقية للأفراد، فالصور المثالية والحياة الظاهرة عبر المنصات، تنشئ ضغطًا على الأفراد لتحقيق المظهر المثالي. لذلك عزز التواصل الواقعي من خلال المحافظة على العلاقات الواقعية والحقيقية، والتواصل المباشر وجهًا لوجه مع الأسرة داخل المنزل، ومع الأصدقاء والجيران، وزيادة عدد الزيارات الأسرية والتجمعات العائلية.

في الختام

يتطلب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، الوعي والتحكم الشخصي لضمان استفادة إيجابية، وتجنب التأثيرات الضارة على الصحة الجسدية والنفسية والحياة الاجتماعية.. وفي سياق استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر بوضوح أهمية مبدأ “الوقاية خير من العلاج”، حيث إن توفير إطار وقائي يشمل تحديد وقت الاستخدام، وتعزيز التوعية الرقمية، وتشجيع الاستخدام الإيجابي، والتشجيع على التواصل الواقعي.. يُعدّ أكثر فعالية في تجنب التأثيرات السلبية لهذه المنصات، وأيسر من السعي فيما بعد لعلاج الإدمان الإلكتروني، والتأثيرات السلبية للاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي.

(*) مدرِّس الصحة النفسية، كلية التربية، جامعة الإسكندرية / مصر.