شهدت بدايات القرن الحادي والعشرين تقدمًا هائلاً في مجال تكنولوجيا المعلومات، وحولت الوسائل التكنولوجية الحديثة العالم إلى قرية كونية صغيرة. وانعكس هذا التطور في مجالات متنوعة كالتعليم، حيث ظهرت أنماط وصيغ جديدة للتعليم ومنها الجامعات الافتراضية، التي انتشرت في العديد من دول العالم، وحققت العديد من الإنجازات. وفي هذا المقال عرض لنشأة الجامعة الافتراضية، وخصائصها وتطورها، ومجموعة من المقترحات حول كيفية تبني تلك الصيغة في التعليم الجامعي العربي.
حتى سنوات قليلـة، لـم تكن مصطلحات الجامعة الافتراضية (Virtual University)، وجامعة الإنترنت (Online University)، وغيرها شائعة في أوساط التعليم الجامعي والعالي، ولكنها ظاهرة حديثة تزامنت مع التنامي المتسارع في إمكانات تقنية المعلومات والاتصال، خصوصًا تقنية الإنترنت وتطبيقاتها في أواسط وأواخر التسعينات الميلادية في القرن الماضي.
وتعرف الجامعة الافتراضية بأنها مؤسسة تُقدم خدمة تعليمية غير مباشرة، تُلبِّي حاجات المتعلمين ذي الرغبة في تعليم يُحاكي ما تقدمه الجامعات التقليدية، أولئك الذين لم تتح لهم فرصُ الالتحاق بها نتيجة ظروفهم الحياتية. وتستند هذه الخدمة الافتراضية على التعلم الإليكتروني عن بُعد، خلال بنية تكنولوجية متقدمة تُبَثُّ عبر الإنترنت مُتخَطِّية حدود المكان والزمان، ليحدث التفاعل والتحاور بين المتعلمين والمعلم، وبين المتعلمين أنفسهم وقتما شاؤوا وحيثما كانوا.
وبدأت الجامعات الافتراضية في الظهور في جامعة نيويورك بشمال شرق إسبانيا بكلية افتراضية واحدة من كليات الجامعة، وكانت تجربة مشجعة جدًّا، مما حدا بالعديد من مؤسسات التعليم العالي إلى خوض التجربة نفسها. وفي أوائل عام 2000م صدر تقرير يوضح أن هناك أكثر من 300 مؤسسة متخصصة، ومكرسة للتدريب عبر الاتصال المباشر في الولايات المتحدة وحدها (Online Training) .
ونمو الجامعات الافتراضية ليس ظاهرة مقتصرة على الولايات المتحدة الأمريكية، ففي عام 1998م تأسست جامعة كوريا الافتراضية (Virtual University Korean) كصيغة من صيغ إصلاح التعليم العالي، وبعد ثلاث سنوات بلغ عدد البرامج التي تقدمها نحو 66 برنامجًا تعليميًّا لنيل شهادة بكالوريوس، استفاد منها زهاء 14,550. طالب. كما قدمت جامعة سول الافتراضية (SNU) حوالي عشرين مقررًا إليكترونيًّا، كما أنشأت كندا الحرم الجامعي الافتراضي المكون من 11 جامعة يُقدم فيها ما يزيد عن 350 درجة علمية، و2500 مقررًا إليكترونيًّا يَخدم ما يزيد عن 100000 طالب.
كما حدث نموًّا هائلاً في مبادرات التعليم الجامعي الافتراضي؛ ففي عام 2002م درس أكثر من 350000 طالب في الولايات المتحدة من خلال تعلم جامعي افتراضي بالكامل للحصول على درجات علمية. وقامت الجامعات المرموقة كجامعة هارفارد (Harvard)، بتقديم برامج أكاديمية افتراضية، وحققت حوالي 150 مليون دولار من عائدات برنامج التعليم عن بُعد، الذي يخدم حوالي 60000 طالب وطالبة متفرغين جزئيًّا. ومن جهـة أخـرى، أسس الاتحـاد الأوروبي خطـة إلكترونيـة بعنـوان “جامعات القرن الحادي والعشرين”، وهي عبارة عن ائتلاف جامعات أوروبية لنقل التعليم الجامعي إلى الطلاب في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية رصد لها 13.3 بليون دولار.
وقد ساعد على انتشار الجامعات الافتراضية عالميًّا وجود العديد من العوامل يتمثل أبرزها في:
– زيادة الطلب على التعليم العالي؛ فقد أشار البنك الدولي إلى أن حوالي 150 مليون شخص سيحتاج تعليمًا جامعيًّا في عام 2025م.
– التطور الهائل في إمكانات تقنية الإنترنت الذي فتح أبواب التعليم العالي إلى جمهور جديد ومتنوع، وشجع الجامعات على تأسيس أسواق جديدة في مواقع جغرافية بعيدة. وقدرت مؤسسة البيانات الدولية (IWS) أعداد مستخدمي الإنترنت عالميًّا في 30 يونيو 2014م بحوالي ثلاثة مليار فرد.
– رغبة العديد من الدول توسيع فرص التعليم الجامعي، وتحسين جودة التعليم، وتقليل التكلفة.
ولحاقًا بركب التطور التعليمي، سعت بعض الدول العربية للاستفادة من التعليم الإليكتروني عن بُعد؛ أنشأت سوريا وتونس والمغرب الجامعة الافتراضية، كما أنشأت المملكة العربية السعودية عمادات التعلم عن بُعد، والمركز الوطني للتعليم الإليكتروني، وبدأت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ببث دروسها عبر الجامعة الافتراضية -مقرها في ماليزيا- لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، ودعم تعليمها في منطقة جنوب شرق آسيا.
وتبين الدراسات أن الجامعة الافتراضية تحقق المزايا الآتية:
1- الإتاحة Accessibility: أي إن المتعلم يستطيع الالتحاق بالجامعة الافتراضية من أي مكان في العالم دون قيود روتين الجامعات التقليدية.
2- المرونة Flexibility: فالمتعلم لا يتقيد بزمان التفاعل والتواجد في بيئة التعلم، فهو مَنْ يُحدد متى وأين يتفاعل مع بيئة التعلم الافتراضية التي تلبي احتياجاته وتشبع رغباته.
3- المعايشة Presence والاستغراق Immersion.
4- التفاعل Interaction: إن استخدام الإنترنت في التعلم والتدريس يوفِّر البيئة المثلى للتعلم، من حيث توفير التفاعل المطلوب للتواصل، من خلال برامج الدردشة (Messenger) بالبريد الإلكتروني الذي كان يضمن التفاعل الصوتي والمكتوب. كما أنها تدعم المعلمين في جعل التعلم أسرع وأسهل؛ فالمتعلم فاعل نشط وليس سلبيًّا.
5- التكلفة أقل في العديد من أوجه الإنفاق عن التعليم التقليدي وخفض التكاليف غير المباشرة، مثل انعدام تكاليف المدينة الجامعية لسكن الطلاب، وانعدام نفقات سفر، وانعدام إشغالات فيزيقية لمباني التعليم الجامعي، بالإضافة إلى ندرة نفقات المواد المطبوعة، فالمقررات تقدم في صورة إليكترونية تفاعلية وهي أكثر تشويقًا.
6- الاستيعاب: لا حدود لاستيعاب الجامعة الافتراضية، في حين أن التعليم الجامعي تُحدَّد نِسب استيعابه وفقًا لإمكاناته.
7- التعامل مع الحواس المتعددة: إن المعايشة والاستغراق والتفاعل تعد نتيجة حتمية لكون هذا النوع من التعليم يخاطب حواس المتعلم كافة، وهذا ما يفتقده التعليم التقليدي.
ويمكن القول بالحاجة لتبني مثل تلك الصيغة ونشرها في التعليم الجامعي العربي للتغلب على كثير من المعوقات والمشكلات التي يعاني منها، وذلك بحسبانها واحدة من أبرز نماذج التعليم الجامعي عن بُعد، وما تحققه من مزايا وفوائد وتلبية للطلب الاجتماعي المتزايد على التعليم الجامعي.. ولكن يجب أن يسبق ذلك كله الإعداد الجيد وتهيئة المتطلبات الأساسية لنجاحها، ونشر الوعي بأهميتها للتغلب على المقاومة وتوفير البيئة التكنولوجية التي تسهم في نجاحها، فمجرد نقل تلك الصيغة لا يضمن نجاحها، ولكن الأهم هو إعداد السياق المناسب لتبنيها والإفادة منها، وفي نفس الوقت يجب دراسة جدوى إنشاء تلك الجامعات ونماذجها، لتحقيق أقصى فائدة مرجوة منها. وعليه فإن هناك حاجة إلى:
– تشجيع جامعات التعلم المفتوح والتعليم عن بُعد التقليدية، على التحول إلى جامعات افتراضية تستخدم الشبكة العنكبوتية بشكل كامل أو مدعم بوسائط أخرى.
– تفعيل الشراكة بين الجامعات العربية والقطاع الخاص لتقديم برامج افتراضية، بهدف مقابلة حاجات هذه القطاع ودعم الاقتصاد الوطني.
– دراسة تجارب جامعات افتراضية عالمية معتمدة وناجحة لاستخلاص الدروس والتوصيات المطلوبة لمبادرات التعليم الجامعي الافتراضي.
– دراسة التجربتين السورية والتونسية في التعليم الجامعي الافتراضي كونهما مبادرتين رائدتين.
– دراسة مدى جودة التعلم الجامعي الافتراضي.
– دراسة مدى رضا الطلاب وهيئات التدريس في الجامعات الافتراضية.
المراجع
- البنك الدولي (2003)، بناء مجتمعات المعرفة تحديات جديدة تواجه التعليم العالي، القاهرة: مطبوعات الشرق الأوسط.
- الخناق، سناء كمال الدين (2010)، هندسة المعرفة ودورها في التعليم الافتراضي، مجلة الباحث العدد (7) كلية العلوم الاقتصادية، جامعة قاصدي مرباح ورقـلة http://rcweb.luedld.net/art.htm
- الدهشان، جمال (2007)، الجامعة الافتراضيـة أحد الأنماط الجديدة في التعليم الجامعي، ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر القومي الرابع عشر لمركز تطوير التعليم الجامعي”أفاق جديدة في التعليم الجامعي العربي في الفترة من 25ـ 26 نوفمبر 2007بدار الضيافة بجامعة عين شمس (ص – ص 1-46).
- الزهراء، فاطمة (2006) دور التعليم الإليكتروني في تطوير التعليم عن بعد، المجلة الإليكترونية، العدد الثاني،كلية التربية جامعة المنصورة، emag,man.edu.eg
- الصالح، بدر عبد الله (2006م).التعلم عن بعد: إشكالية النموذج. المؤتمر الدولي للتعلم عن بعد. مسقط/سلطنة عمان.
- جورج، دميان، جورجيت (2008) الجامعة الافتراضية مدخل لمواجهة الطلب الاجتماعي على التعليم الجامعي “رؤية تربوية معاصرة، المؤتمر العلمي السنوي السادس عشر -التعليم من بعد في الوطن العربي- مصر:ص ص 314 – 386.
- خليل،نبيل سعد(2008). المنظومة التعليمية بين التقليدية والافتراضية،المؤتمر العلمي السنوي السادس عشر – التعليم من بعد في الوطن العربي – مصر.
- موسوعة ويكيبديا (2015)، http://www.wikipedia.org