العديد من مسرحيات الأطفال تتضمن شخصيات من عوالم الحيوانات والنبات. وأهم ما يميز تلك الشخصيات أنها تتكلم وتتحاور وتتحرك مع نظيراتها من الشخصيات الإنسية، كما أنها تساعد على تطور الأحداث في المسرحية، فهي شخصيات فاعلة تمتلك نفس قدرات البشر، وتعد أفعال وتصرفات وسلوك تلك الشخصيات خارقة، لأنها تقوم بها لا يتناسب مع قدرتها الطبيعية، لذا فإن تلك الشخصيات وإن كانت حقيقية، تعد أفعالُها أفعالاً خارقة.
ويمكن تقسيم الكائنات الحية إلى ما يلي:
1- الحيوانية
تلعب شخصيات الحيوان دروًا هامًّا في مسرح الطفل، وذلك لتعاطف الطفل معها وإحساسه بالقرب منها. وقد وظف العديد من كتاب مسرحيات الأطفال الحيوانات في أعمالهم المسرحية، سواء أليفة كانت أم مفترسة، وأحيانًا أخرى خرافية، وتختلف طبيعة الحيوانات وفقًا لذلك التوظيف.
أ- الحيوانات الأليفة: قدم العديد من كتاب مسرح الطفل أعمالهم المسرحية من خلال شخصيات حيوانية فقط، وذلك بعد أن أضفَوا عليها الصفات الإنسية. واختار الكتاب شخصيات مسرحياتهم من واقع الحياة، فالأطفال يعرفون تلك الحيوانات جيدًا ويتفاعلون معها. وقدم الكتاب أبعاد الشخصيات بما يتناسب وطبيعتهم الحيوانية؛ فالثعلب يتسم بالمكر عادة، والحمل بالوداعة، والأسد هو ملك الغابة.. ومن خلال هذه الصفات قدم الكتاب أفكارهم والقيم التربوية التي يسعون إلى بثها في نفوس الأطفال.
ب- الحيوانات المفترسة: نجد في مسرحية “رحمة وأمير الغابة المسحورة” العديد من الحيوانات المفترسة، فالفتاة “رحمة” تقترب من الأسد رغم تحذيرات الأشجار لها بعدم الاقتراب منه وإلا تعرضت للهلاك، وتنزع شوكة من يده وتضمد له جراحه وتعطف عليه رحمة به، ولإعلاء قيمة الرفق بالحيوان.
ج- الحيوانات الخرافية: وظف بعض كتاب المسرح الحيوان بشكله الخرافي، فنجد الحصان الطائر الذي يمكنه حمل أي إنسان إلى أي مكان على وجه الأرض في لمح البصر، كما في مسرحية “قطر الندى”، لكن معظم الحيوانات التي خرجت عن تكوينها الفسيولوجي الطبيعي ما هي إلا مجرد شخصيات إنسية تحولت بفعل السحر إلى هذه الهيئة من الحيوانات، وهذه الحيوانات لا تمتلك سوى أن تنفذ رغبة الساحر الذي حولها إلى هذه الصورة.
2- النباتية
إذا كان للحيوانات دور خرافي في مسرحيات الأطفال، فالنباتات تلعب هي الأخرى دروًا لا يقل أهمية عن الحيوانات، حيث تقوم بمساعدة البطل والوقوف بجانبه لمناصرته وحمايته من الأخطار التي قد يتعرض لها. وفي أحيان أخرى قد تكون عنصرًا معاديًا للبطل، حيث تعرقل مصيره وتشكل عددًا من العقبات التي تواجهه.
في مسرحية “رحمة وأمير الغابة المسحورة”، قام الكاتب بأنسنة النباتات في النص المسرحي، حيث جعلها تتحاور وتتحرك كشخصيات آدمية، فعندما تذهب رحمة إلى الغابة المسحورة لتبحث عن العنزة البيضاء من مسرحية “رحمة وأمير الغابة المسحورة” التي تعزف الموسيقى، تساعدها الأشجار وتقدم لها العون والمساعدة؛ فشجرة الموز تحتضن “رحمة” بين أوراقها لحمايتها من البرد، والنخلة تميل عليها حتى تستطيع “رحمة” أن تقطف من بلحها وتأكل منه، وشجرة الزنبق تسقيها مما جمعته في كؤوسها من ماء المطر.
نجح الكاتب في أنسنة مثل هذه الأشياء، لأن ذلك يتناسب مع خيال الطفل وتصوراته المثالية فيما يحيط به من أشياء، كما قام بتقديم بعض المعلومات للطفل وتعريفه بما تقدمه تلك النباتات للإنسان من خيرات.
العناصر المكانية
1- الأماكن الخرافية: تعد إحدى أهم سمات الحكايات الشعبية، ووظف كتاب مسرح الطفل تلك الأماكن الخرافية في مسرحهم، فعادة ما نجد الغابة المسحورة، والمغارة التي تفتح أبوابها الحجرية بالصيغة السحرية، والقصر المهجور، ومدينة النهار، والمدينة العرائسية، وسلطان بلاد الحور، وأمير بلاد القمر، وسلطان البحار السبعة، ومدينة النحاس التي لا تطلع عليها الشمس.. ويعتبر تعميم الأمكنة من أهم سمات الحكايات الشعبية ومسرح الأطفال.
عادة ما يستخدم الكتاب تلك الأماكن التي تعد رموزًا في حد ذاتها، للدلالة على الخير والشر، وأيضًا من أجل إثارة التشويق والمتعة في نفوس الأطفال.
في مسرحية “حلم علاء الدين”، نجد أن الأحداث في الفصل الثاني تدور داخل المدينة العرائسية التي صنعها الجان، تحول فيها “علاء الدين” إلى دمية لا حول لها ولا قوة.. أما في مسرحية “قطر الندى”، قام الكاتب بتجهيل الأماكن والأزمنة، فهناك ملك بلاد القمر، وأمير بلاد النور، وجيوش الظلام، والجبل الذهبي، والمسافة التي تقاس بالسنين.. كذلك الحال في مسرحية سندريلا.
كما وظفت الأماكن الخرافية في مسرحية “رحمة وأمير الغابة المسحورة” ببراعة في سياق اللغة المستخدمة؛ فزوجة الراعي ترسل “رحمة” إلى الغابة المسحورة لكي تحلب لبن العنزة التي تعزف الموسيقى، وهذه العناصر المستخدمة في سياق اللغة تجذب انتباه الأطفال وتثير خيالهم، على الرغم من عدم وجود غابة مسحورة أو معزة تعزف الموسيقى.
2- الجمادات: إذا كانت النباتات قد شاركت في الفعل المسرحي، فإننا نجد الجمادات هي الأخرى تتكلم وتتحرك وتتفاعل مع الشخصيات.. فقد استعان الكاتب في مسرحية “رحمة وأمير الغابة المسحورة” باللافتات المكتوب عليها؛ فالسهم مكتوب عليه عبارة “الغابة المسحورة”، ويشير إلى الاتجاه نحو الشيء الذي يبحث عنه الطفل.
في مدخل الغابة نجد المنذر وعليه لافتة مرسوم عليها جمجمة وعَظْمتان مكتوب عليها عبارة “لا تمر! خطر مميت”، ليحذر من الخطر الذي قد يتعرض له الطفل من دخول الغابة.. هذه الإشارة من الأهمية أن يتعلمها الطفل في الصغر حتى يتعلم النظام ولا يتعرض للمخاطر، وقد قدمها الكاتب في إطار درامي جيد.
أما في مسرحية “هردبيس الزمار”، فقد لعبت الآلات الموسيقية “الجيتار، والرق، والمزمار، والكمان” في مسرحية “هردبيس الزمار” دور الراوي للأحداث في المسرحية، بجانب دورها في التعليق على الأحداث، وإلقاء الضوء على الصواب والخطأ منها. فالجيتار الذي لعب دور المدرسة ينفر التلاميذ من بعض الاتجاهات السالبة التي قد يفعلونها داخل الفصول، كما أوضح الكاتب من خلال تلك الآلات قيمة الفن بكل أشكاله وألوانه.
العناصر الخلقية
في مسرح “الظل التركي”، نشير إلى “الخلقة”، مثل شخصية القزم “بيبي روهي” التي تتمتع بنقيصة لا تزال تعجب بعض العاملين في المجال المسرحي حتى وقتنا هذا، وهي انحراف نطق بعض الحروف؛ إذ إن “بيبي روهي” كان ينطق الراء سينًا أو ياءً.
كما تضطلع الشخصيات النسائية ببطولة مسرحية اسمها “نيجار التي لا تطاق”. و”نيجار” هذه واحدة من جارتين، هما -في الحقيقة- محظيتان يستطيع “شليبي” المتأنق وهو شخصية يتكرر ظهورها في كثير من عروض هذا المسرح، أن يحتال عليهما ويسرق أموالهما.
تقابله المحظيتان أو الجارتان في الطريق مصادفة، فتنقضَّان عليه وتتنازعان الحق في “الاستيلاء” عليه، فملامح وجهه مستديرة، ذو عينين واسعتين جسورتين، فيهما بؤبؤان كبيران حالكا السواد منهما جاء اسمه “القراجوز” الذي يعني “أسود العينين”.
كما أنه أفطس الأنف، ذو لحية سوداء جعداء كثيفة، وعلى رأسه عمامة يحدث أن تسقط في مواقف بعينها في بعض العروض، فينفجر المشاهدون ضحكًا عندما يفاجؤون بأن رأس “القراجوز” البطل تام الصلع.
في مسرحية أخرى، يضطر “القراجوز” بعد طول تعطل، إلى العمل ككاتب عمومي، لكن حظه التعس يوقعه في محل مسكون بالجان، يتخذه مقرًّا لنشاطه الوظيفي الجديد. وهكذا تكون الفرصة مهيأة لأن تجري أحداث تتسم بالطرافة، حيث يكتب “القراجوز” شكايات عملائه وتظلماتهم وخطاباتهم تحت تأثير الجان وبتدخل منهم.
من خلال ما سبق يمكن التوصل إلى ما يلي:
- يمكن تقسيم العناصر الخرافية من حيث الوظيفة والهدف إلى ثلاثة أنواع:
أولها: يعرقل مصير البطل ويؤدي إلى تصاعد الأحداث، ويسعى البطل للانتصار عليه إما بالحيلة أو الذكاء أو بالحصول على المساعدة من عنصر خرافي آخر.
ثانيها: يساعد البطل ويقدم له العون والمساعدات، التي تعد بمثابة المكافأة التي ينتظرها البطل نظير أفعاله وخصاله الطيبة.
ثالثها: محايد، ويوظف في النص المسرحي بغية تقديم بعض المفاهيم والمعارف إلى الأطفال.
- يمكن تقسيم العناصر الخرافية من حيث إثارة الخوف والفزع لدى الأطفال إلى نوعين:
أولهما: عنصر خرافي يثير الفزع والرعب لدى الأطفال الصغار -كما في الحكايات الشعبية- وخاصة في مرحلة الطفولة الأولى، ولم يجسد في مسرحيات الأطفال.
ثانيهما: عنصر لا يثير الفزع أو الخوف لدى الأطفال، ويسعى لخلق علاقة حميمة بينهم وبين البطل، وقد يتمثل العنصر الخرافي في أداة سحرية تساعده على مواجهة الصعاب وتحقيق أحلامه، أو شخصية خرافية تقف بجانبه، أو حيوانات أليفة تساعده على مواجهة ما يقابله من صعاب.
- يمكن تقسيم العناصر الخرافية من حيث الرمز إلى نوعين:
أولهما: عنصر خرافي يرمز إلى الخير، وعادة ما يقف بجانب البطل ويساعده على مواجهة الصعاب.
ثانيهما: عنصر خرافي يرمز إلى الشر المطلق، وعادة ما يعترض مصير البطل ويقف حائلاً بينه وبين تحقيق أحلامه وأمانيه.
برع بعض كتاب مسرح الطفل في توظيف بعض الشخصيات الخرافية، “كالجان والعفاريت والمردة”، في مسرحياتهم بصورة تثير الضحك والسخرية منهم، وذلك بغية إثارة خيال الأطفال وإبهارهم، وفي الوقت ذاته تقديم القيمة التربوية.
وظفت بعض الأدوات السحرية التي يمكن أن تحقق لصاحبها الأمنيات، لكن البطل يفقدها لأنه لم يستطع الحفاظ عليها، فامتلاك الأدوات السحرية وحدها لا يكفي، وإنما من الضروري أن يمتلك صاحبها قدرًا كبيرًا من الذكاء والدهاء حتى يستطيع أن يحافظ على تلك الأداة من مغتصبها.
بذلك نكون قد تعرضنا لأهم أشكال العناصر الخرافية المختلفة كما وظفت في مسرحيات الأطفال، وأبرزنا نقاط القوة والضعف في كيفية توظيف تلك العناصر، والدور الذي تؤديه، واتضحت أهمية توظيف العنصر الخرافي في مسرح الطفل، الذي لا يستغني عنه كاتب مسرح الطفل حتى وإن كان الموضوع المقدم في شكل عصري.
مصادر:
Kenrick، John (2023). “History of Stage Musicals”.
. Beaton, Mabel & Les, Marionettes: A Hobby for Everyone. [2022]
. Suib, Leonard Broadman, Muriel, Marionettes Onstage! [2022]
“Stutter leads to lifetime with puppets”, Sunshine Coast Daily, 10 August 2023