الخوارزميات ودورها في النشاط الذهني

الخوارزميَّات هي “استخدام العلوم الرياضية لتحقيق الثبات الانفعالي والسلام النفسي للكائن البشري، وأيضًا استخدام تلك العلوم غير المحدودة بأفق معيَّن في تحديد درجة ذكاء الفرد ومدى صلاحيته لأداء أعمال ووظائف معينة”، وذلك من واقع إدراك “محمد بن موسى الخوارزمي”.

إن الرياضيات البحتة هي “الفيزياء الكلية”، بما يُعدُّ أصل مُختلَف الصناعات التي تعتمد التكنولوجيا الرقمية، بمعنى أنها الصناعات التي تستلزم إلمامًا بالعلوم الرياضية من جانب العاملين فيها، وهو ما أدى لتعاظُم استخدام الخوارزميات في تحديد صلاحية فردٍ ما، لشغل وظيفة في خط إنتاج صناعات كثيرة كـ”الهاي تك” بمفهوماتها الواسعة، إذ إن صناعات الهاي تك، التي تشمل حاليًّا مختلَف الأجهزة التي يدخل الكمبيوتر في تشغيلها، تعتمد في انتقاء العنصر البشري المُشغِّل لها على الحقيقة الخوارزميَّة القائلة بأنَّ: “ثبات عمل أجهزة الجسم البشري يعتمد على انتظام جريان الدم عبر الشريان الأورطي إلى المُخّ، وهو ما حدده “محمد بن موسى الخوارزمي” قبل ألف عام بثبات المُعادلة الرياضية الكونية، التي طَرَفاها ضغط دم الإنسان وضغط الهواء (الضغط الجوي)، حيث إنَّ ضغط دم الإنسان يتحدَّد وفق أشياء كثيرة أهمُّها الضغط الجوي.

يقول تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابََ) (يونس:5). ويمكن القول إن هذه الآية الكريمة هي مفتاح الخوارزميات التي هي عماد دراسات التنمية البشرية في وقتنا الحاضر، وإن كانت دراسات التنمية البشرية في عصرنا الراهن ترتكز فقط على فرعَي علم النفس والتغذية العلاجية، بينما ارتكزت الخوارزميات، التي يمكن تعريفها بـ “علم التنمية البشرية الإدراكي” على مجموعة من دراسات الطب والفيزياء والرياضيات والسيكولوجيا العامة. ولم يدرك أحد من علماء عصرنا حقيقة “الخوارزميّات” سوى بعض العلماء الألمان في بدء الألفية الثالثة. الذين انطلقوا من تعمُّقهم لـ”الخوارزميات” لتأكيد الحقيقة الطبية القائلة بأن تحقيق التصاعد المثالي للطاقة الإيجابية داخل جسم الإنسان لا يمكن دون وضع جداول غذائية توافق وتغيِّر طاقة الجسم، التي تتغير بدورها وفق منازل القمر وطوالع الشمس، حيث قال علماء أمريكيون إن تناول اللحوم الحمراء مناسب أكثر في الأيام التي يكون فيها القمر هلالاً -أي في أوائل الشهر وأواخره- حيث إن تناول اللحم في أيام الهلال عندما يكون معدَّل الطاقة المغناطيسية داخل الجسم البشري 90 ذبذبة في الثانية الواحدة، يُؤدي إلى انتظام شديد في تدفق الدم عبر الشريان الأورطي، وهو ما يؤدي لوقاية الجسم من 90% من الأمراض الدماغية الناتجة عن إجهاد المخ بفعل عدم انتظام توارد الدم إليه، وذلك لتحقيق التصاعد المثالي للطاقة الإيجابية داخل جسم الإنسان، التي تعني في عرف علماء التنمية البشرية حاليًّا زيادة النشاط الذهني، بما يؤدي لتحقيق زيادة هامة في ناتج الفرد الواحد بنسبة 40%، أيًّا كان النشاط الذي يزاوله.

ويمكن القول إجمالاً بأن “الخوارزمي” ربط أفعال الإنسان في كل تفصيلاتها، بمدى تأثيره من الناحيتين العضلية والذهنية في وسطه المحيط، وأن قياس ذلك المدى لا يمكن دون القوانين الرياضية الخاصة التي أودعها “الخوارزمي” في أبحاثه الرياضية المطوَّلة، وهو ذلك الفرع من الرياضيات التي لا تقيس فقط مدى التأثيرات الفيزيائية للكائن البشري في وسطه، ولكن تلك الرياضيات البحتة “الخوارزميات”، تمكنت أيضًا من تفعيل المعادلة الجبرية لتحليل أفعال الكائن البشري. وهي الأفعال التي يمكن بواسطتها تحديد مدى القدرة الذهنية لفردٍ ما، وتحديد مدى صلاحية ذلك الفرد لأداء وظيفة معينة تحتاج لقدرات عضلية وعصبية خاصة، بما مثَّل توظيفًا موفَّقًا للرياضيات في توظيف البشر بشكل سليم في جوانب الحياة المختلفة. وذلك من واقع إدراك “الخوارزمي” للتوافق البحت ما بين فيزياء الطبيعة وفيزياء الجسم البشري، بمعنى صلاحية سكان المناطق المعتدلة والباردة لدراسة العلوم الرياضية بفعل ثبات الطاقة الكهرومغناطيسية داخل أجسادهم، عند معدل عال (137 ذبذبة في الدقيقة الواحدة). وهو ما يفسر سرعة تفكيرهم وأيضًا بُعد أنظارهم، بعكس سكان المناطق الشديدة الحرارة، التي يثبُت معدَّل الطاقة الكهرومغناطيسية لديهم عند 73 ذبذبة في الدقيقة، بما يفسِّر صلاحيتهم أكثر للحفظ دون التفكير التجريبي “تعلُّم الرياضيات والفيزياء”.

يبدو الفعل الفيزيائي واضحًا في تشكيل الحدَّاد لقطعة من الحديد أو النحاس، إذ إن “الخوارزمي” تمكَّن من حساب كمّ السعرات الحرارية اللازمة، لصقل وتشكيل لوح من الحديد المربَّع الشكل، يزِن رطلاً يبلغ قطرُه 24 سنتيمترًا. وكان كمّ السعرات الحرارية التي لا بد للحدَّاد الذي يصقل ويشكِّل لوح الحديد هذا 1000 سعر حراري. وكانت تلك الطريقة البسيطة كفيلة بحساب الطاقة العضلية، التي لا بد للفرد أن يبذلها كي يقوم بعمل عضلي ما. وقد اتخذ “الخوارزمي” من الحساب السابق، بداية للـخوارزميات التي تعني: “الحساب البالغ الدقة لطاقة الكائن البشري على الصعيدين البدني والذهني، من واقع طريقة معيشته وتكوينه البدني وطريقة تغذيته”، بما يعدُّ فلسفة متكاملة لا تتحقق التنمية البشرية من دونها. حيث إن اختبارات الوظائف التي تحتاج لأشخاص ذوي قدرات خاصة في أوروبا حاليًّا، تعتمد جذريًّا على الخوارزميات، التي ركَّبها الخوارزمي من مجموع العلوم الرياضية التي أصَّلها، وهي علوم الفيزياء والجبر وميكانيكا الكمّ.

وإذا ما كان “الخوارزمي” أصَّل لقياس الطاقات البشرية المختلفة بواسطة المعادلات الرياضية، فإن تلك المعادلات الرياضية لم تكن وحدها أساس “علم الخوارزميات” الذي نتحدث عنه. إذ إن تأسيسه لذلك العلم لَيُعدُّ دليلاً على إلمامه أيضًا بعلمي النفس ووظائف الأعضاء البشرية “الفسيولوجي”، حيث كشفت الخوارزميات أن عدم انتظام ضربات القلب -مثلاً- يدل على عدم صلاحية الفرد لمزاولة المهن المتعلقة بأعمال المحاسبة والأعمال البنكية، وهو ما أثبته بعض الباحثين الألمان مؤخرًا، حينما قالوا إن تتابع إجراء العمليات الحسابية، يؤدي لتسريع الدورة الدموية داخل جسم الإنسان، وأن تسريعها الذي يحدث نتيجة لتتابع التركيز في أعمال المحاسبة وما شابهها من أعمال البنوك والضرائب، يؤدي لتفاقم الحالة الصحية للمصابين أصلاً باضطراب في ضربات القلب. وهو ما أثبته “الخوارزمي” ذاته قبل أكثر من 12 قرنًا، حينما أوعز للخليفة العباسي “هارون الرشيد” بحظر العمل في ديوان الذكاة على من يثبت اضطراب عمل قلبه بعد الفحص الطبي. ومعلوم أن “الخوارزمي” كان بمثابة مستشار علمي للخليفة “هارون الرشيد”.

لم يكن تنظيم الدواوين في الدولة العباسية الأضخم مساحة وموارِد في التاريخ البشري، ليتمَّ بتلك الدقة التي تحدثت عنها كتب التاريخ، لولا تلك الخوارزميات التي تُعدُّ بمثابة دراسات التنمية البشرية في عصرنا الحاضر. وهي الدراسات المعنية بتحقيق الاستفادة المثلى من الطاقات البشرية لتحقيق التنمية المستدامة للمجتمع. وهو عين الهدف الذي رمى إليه “الخوارزمي” من خوارزمياته، التي وظَّفت أيضًا علم ميكانيكا الكمّ لتحقيق قياس الطاقات البشرية. وإليكم هذا المثال البسيط الفذ في آن واحد: معلوم أن علم “ميكانيكا الكمّ” هو المعني بتحقيق مدى سرعة جزيئات المعادن المختلفة حالَ محاولة تحريكها، بما يعني تحديد أي المعادن أكثر صلاحية لصناعة محركات السيارات وغيرها من المحركات في عصرنا الحالي. وأيضًا، فإن الخوارزميات -بعد تطوير معادلاتها على يد خبراء ألمان في سبعينيات القرن الماضي- صارت المعيار الأول فيما يتعلق برسم خطط التنمية البشرية في كثير من الدول الأوروبية، حيث اكتشف هؤلاء الخبراء أن “الخوارزمي” قد اكتشف الرابط بين المعادلة الجبرية وضغط دم الإنسان من واقع الارتباط الوثيق بين حساب ضغط الماء الذي يتكون جسم الإنسان منه بصورة أساسية من جانب، وطبيعة اتزان المعادلة الجبرية المرتبطة أساسًا بتحقيق التعادل النسبي للأرقام من 1 إلى 9 من الجانب الآخر.

ومعلوم أن اتزان الأعداد من 1 إلى 9 في المعادلة الجبرية، يرتبط ارتباطًا كليًّا برؤية “الخوارزمي” لأساسيات علم الجبر، من حيث إنه العلم الذي نشأ لسهولة تحويل الفعل الفيزيائي إلى ناتج عددي يمكن حسابه بدقة. ولم يكن هناك شيء -في نظر الخوارزمي- أولى بالقياس الدقيق من حركة الماء، سواء أكانت حركة طبيعية أم اصطناعية بواسطة السدود، التي اعتمد بناؤها منذ عصر “الخوارزمي” على مجموعة من المعادلات الجبرية التي لا بد وأن تتزن لأجل أن يتحمل سد ما ضغط الماء عليه. ولم يكن اكتشاف “الخوارزمي” للرابط الدقيق بين الجسم البشري الذي يتكون من الماء، وتلك المعادلة الجبرية التي يعتمد اتزان طرفيها بناءً على الأعداد ما بين 1-9، سوى بتبحر ذلك الفقيه الحنفي في علم حركة السوائل “الهيدروستاتيك”. وهو ما يُثبت شمولية معارف أسلافنا من علماء المسلمين.

وتكملة للقول في علم الخوارزميات الذي وضعه “الخوارزمي” في غضون عام 814م، فإن دراسة الخوارزميات اليوم، أدت إلى نتائج مُذهلة فيما يتعلق بتحديد الآثار الطبية لمزاولة مهنٍ شاقة من الناحيتين البدنية والذهنية. حيث أثبت علماء أمريكيون مؤخرًا، عدم صلاحية مزاولة مهنة الهندسة والتخطيط العمراني، لمن يعجز عن حلِّ 10 معادلات جبرية خلال ساعتين حتى ولو كان ماهرًا في حرفة الرياضيات. إذ ثبت لهؤلاء العلماء، أن سبب ذلك العجز إنما يعود لاضطراب في توارد الإشارات المُخِّيَّة المسؤولة عن التفكير واتخاذ القرارات، بفعل الإصابة بانخفاض ضغط الدم في مرحلة الشباب. وهو الاضطراب الذهني الذي يتفاقم مع تقدم العمر إذا لم يتماثل المريض للشفاء. وذلك على اعتبار أن الكفاءة الذهنية للشاب المريض بالضغط، تنحسر بشكل كبير بعد تخطيه الأربعين من العمر. أي إن حرفة الهندسة يجب تجنبها على المدى الطويل لمن أصيب في شبابه بانخفاض في ضغط الدم، لم يستطع الشفاء منه في مراحل لاحقة.

ويبدو أن تفاعل الطب الحديث مع الخوارزميات، قد أفرز تلك المعرفة المحدِّدة لمدى الكفاءات البشرية المختلفة، ومدى تأثرها بالإصابة بأمراض معينة. وكان للخوارزميات أيضًا، الفضل الكبير في تحديد الخط الجيني العام للجماعات البشرية المختلفة “الجينوم”؛ وهو ما يعني تحديد الميزات وأوجه القصور في القدرات العامة لمجموعة عرقية ما، عن طريق المزاوجة بين الخريطة الجينية لتلك المجموعة المحدِّدة لقدراتها من الناحيتين البدنية والعقلية.

(*) كاتب وباحث مصري.

المراجع

(١) حساب الجبر والمقابلة، للخوارزمي.

(٢) الخوارزميات، لـ”بانوس لوريداس”، ترجمة: إبراهيم سيد أحمد.

(٣) مجموعة دراسات للباحث الألماني “فرانتز رمباخر” عن تأثيرات الخوارزميات في التشخيص الاعتيادي لأمراض القلب.