لقد جاءت تسمية “الروبوت” أو “الروبوط”، للدلالة على “الرجل الآلي” أو “الإنسان الآلي” أو “الجسمال” أو “الإنسالة”. ويعود أصل هذه التسمية إلى اللغة التشيكية من الكاتب التشيكي “كارل تشابيك” (Karel Capek) عام 1921م، وهي تعني بشكل اصطلاحي، عمل السُّخْرة دون مقابل، فهي مشتقة من كلمة “Robota” بالتشيكية، التي تعني العمل الشاق الإجباري (١). يعدّ علمُ الروبوت (Robotics) من أهم علوم الذكاء الاصطناعي؛ بالنظر إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي، سنجد جلّها يُستخدم في تصميم الروبوتات، بل إن بعضًا من فروع الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته وُلِدت بسبب الحاجة إليها في تطوير الروبوت قبل أن تصبح فروعًا مستقلة من فروع الذكاء الاصطناعي (٢).
يهتم علم الروبوتات بتصميم وبناء آلات وهياكل مادية تعمل وفق منطق بشري، يتم برمجتها أو ربطها بالحاسب الآلي ليُطلب منها فيما بعد أن تؤدي مهامَّ معينة، وتُمنح قدرًا من حرية التصرف واتخاذ القرار وفق ما تواجهه من مواقف (٣).
وقبل التفصيل في تعريفات الروبوت، لا بد من تحديد معنى الذكاء الاصطناعي، وذلك لأن إنتاج الروبوت يعتبر أحد المجالات الفرعية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وأول من صاغ مصطلح الذكاء الاصطناعي، هو عالم الحاسوب الأمريكي “جون مكارثي” (John McCarthy) في عام 1956م، وعرَّفه بأنه “علم هندسة صنع الآلات الذكية”(٤). وعرَّفه آخرون بأنه “قدرة النظام على تفسير البيانات الخارجية بشكل صحيح، والتعلم من هذه البيانات، واستخدام تلك المعرفة لتحقيق أهداف ومهام محددة من خلال التكيف المرن”.
وفي ضوء ما تقدم، نستنتج أن المقصود بالذكاء الاصطناعي هو تكنولوجيا متطورة تهدف إلى محاكاة السلوك البشري المتسم بالذكاء، وذلك لإنتاج برمجيات أو آلات ذكية، لها القدرة على التفكير واتخاذ القرار بصورة مستقلة عن الإنسان.
أما فيما يخص تعريف الروبوت، فلقد أطلق “الاتحاد الياباني للروبوتات الصناعية” على الروبوتات تعريفه الدقيق بأنه “هو آلة لكل الأغراض، مزودةٌ بأطراف وجهاز للذاكرة، لأداء تتابع محدد مسبق من الحركات، وهي قادرة على الدوران والحلول محل العامل البشري بواسطة الأداء الأوتوماتيكي للحركات”(٥). وقد عرَّفه المعهد الأمريكي بأنه “مناول يدوي قابل لإعادة البرمجة ومتعدد الوظائف، ومصمم لتحريك المواد والأجزاء والأدوات أو الأجهزة الخاصة، من خلال مختلف الحركات المبرمجة بهدف أداء مهام متنوعة”(٦).
ويتفق التعريف الأمريكي مع التعريف الياباني في أن الروبوت آلة، أو مناول يدوي متحرك، وأن الروبوت مصمم للقيام بوظائف متعددة، وأنه يقوم بحركاته المختلفة بشكل أوتوماتيكي ذاتي الحركة. ويختلف التعريف الياباني عن التعريف الأمريكي في عدم اشتراطه قابلية إعادة البرمجة، وبذلك يعطي الفرصة لضم المناولات اليدوية التي يتم تشغيلها وتحديد حركاتها بواسطة العامل البشري، وكذلك عدم اشتراطه البرمجة واقتصاره على جهاز الذاكرة، وبذلك يعطي الفرصة للمناولات التي تعمل بتتابعات ثابتة، والتي يكون من الصعب تغيير نمط حركتها من دون التدخل في إعادة ترتيب أجهزتها التذكرية.
ويقترح تقرير الأمم المتحدة لعام 2005م، تعريفًا عامًّا للإنسان الآلي (الروبوت) بأنه “عبارة عن جهاز قابل لإعادة البرمجة يعمل بطريقة شبه كاملة أو مستقلة تمامًا، وذلك لتنفيذ عمليات التصنيع (الروبوتات الصناعية)، أو تقديم خدمات مفيدة لرفاهية البشر (روبوتات الخدمة)”(٧).
وعلم الروبوتات هو علم استخدام الذكاء الاصطناعي، وعلوم الكمبيوتر، والهندسة الميكانيكية، في تصميم آلات يمكن برمجتها لأداء أعمال محددة.
وبناء على ما سبق، يمكننا القول بأن روبوت الذكاء الاصطناعي (الإنسان الآلي)، هو عبارة عن آلة مبرمجة إلكترونيًّا وفقًا لتقنية الذكاء الاصطناعي، لها القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة في البيئات والظروف المختلفة.
وإذا انتقلنا من التعريف إلى المفهوم، فمفهوم “الروبوت” لا يقتصر فقط على الهياكل الاصطناعية المصمَّمَة في صورة إنسان بشري، التي نسميها بـ “الإنسان الآلي” أو “الإنسالة” أو “الروبوت البشري” -كما قد يتصور بعض الناس- بل يتسع ليشمل “كلَّ عامل أو هيكل اصطناعي نشيط يكون محيطه العالمَ الطبيعي”(٨). فجميع الآلات والهياكل النشطة التي تعمل من حولنا الآن في محيطنا الطبيعي الذي نعيش فيه، من خلال التغذية التي تتحصل عليها عن طريق المستشعرات وأجهزة الإحساس الاصطناعي المزودة بها، والتي تتمتع باستقلالية الحركة وحرية التصرف؛ يدخل في مفهوم “الروبوت”، سواء كانت في صورة كائن حي كالإنسان (الإنسان الآلي) أو غيره من المخلوقات، أو كانت في صورة جماد كسيارة أو طائرة أو قطار -كما في مثال السيارة الذكية والطائرات بدون طيار وغيرهما من وسائل النقل التي تعمل بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي- أو كانت في أي صورة أخرى كمصانع سيارات BMW، حيث يتم تصميم جسم كل روبوت وهيكله، بحسب الوظيفة التي يصمَّم من أجلها.
مهام ووظائف الروبوتات
ومن حيث المهام والوظائف التي تقوم بها الروبوتات فإنها تنقسم إلى قسمين أساسيين:
١-الروبوتات الصناعية (Industrial Robots): وهذه هي التي يتم تصميمها للعمل في المصانع الكبرى، ويتم الاعتماد عليها بدلاً من الأيدي البشرية في التصنيع والنقل والتخزين واختبار المنتج وتجميعه وتغليفه؛ نظرًا لما تتمتع به من دقة ومهارة وضبط وقدرة فائقة على العمل على مدار الساعة دون ملل أو تعب. وبطبيعة الحال، فهي تُعتبر البديل الأمثل للإنسان في الصناعات التي تشكل خطرًا على حياته (٩).
يتزايد الطلب بشدة على هذه الروبوتات الصناعية، وإذا نظرنا إلى الإحصائيات، فإن إحصائيات “الاتحاد الدولي للروبوتات” (IFR) تشير إلى أن الأعوام الأربعة (2005م، و2006م، و2007م، و2008م، كان متوسط عدد الروبوتات الصناعية المباعة حول العالم حوالي 115 ألف روبوت في كل عام. وفي عام 2010م زاد عدد الروبوتات الصناعية المصممة والمباعة، إلى 120 ألف روبوت. وفي عام 2015م زاد العدد إلى الضعف، حيث قُدرت الروبوتات التي صمِّمت وبيعت في عام 2015م، بحوالي 254 ألف روبوت، ليتضاعف العدد السنوي في عامي 2018م و2019م، ليصل إلى قرابة 400 ألف روبوت صناعي يصمَّم ويباع سنويًّا (١٠).
إن أهم العملاء بالنسبة لسوق الروبوتات الصناعية هو مجال صناعة السيارات، حيث تبلغ نسبة الروبوتات العاملة فيه قرابة 30% من جملة الروبوتات الصناعية. ففي عام 2018م، كان عدد الروبوتات التي صمِّمت للعمل في مجال صناعة السيارات 132.439 روبوتًا من جملة 400 ألف روبوت التي صممت في هذا العام. ثم إن المجال الذي يلي ذلك ويأتي في المرتبة الثانية، هو مجال الروبوتات العاملة في صناعة الأجهزة الإلكترونية والكهربائية والمعدات الطبية.
٢-الروبوتات الخدمية (Service Robots): وهي الروبوتات التي يتم تصميمها للعمل في المجال الخدمي، سواء كانت خدمات مهنية (Professional Service Robots)، كالطب والجراحة والتمريض والصحافة والنقل والمواصلات والأمن والحراسة والتفتيش والعمل الشرطي، وخدمات التوصيل كالبريد ونحوه، وخدمات السلامة والإنقاذ وأعمال الدفاع المدني، أو كانت خدمات شخصية أو منزلية، كالخدمة المنزلية والقيام بأعمال التنظيف والصيانة داخل المنزل، ورعاية الأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، أو مهام التسلية والترفيه.
وقد تنامى الطلب على هذا النوع وازداد كما تشيرُ إلى ذلك “إحصائيات الاتحاد الدولي للروبوتات” (IFR). فعلى سبيل المثال، قدرت نسبة زيادة الروبوتات الطبية، وهي روبوتات تعمل في المجالات الطبية لا سيما الجراحة، ومنها جراحات القلب والأوعية الدموية والعمود الفقري وغيرها.. قدِّرت زيادتها في عام 2018م بنسبة 50% عن العام الذي قبله، حيث وصل عدد الروبوتات الطبية التي صممت في عام 2018م نحو 5100 روبوت، بينما صمِّم في 2017م قرابة 3400 روبوت فقط. كما وصل العدد الإجمالي لروبوتات الخدمات المهنية التي تم تصميمها وبيعها في عام 2018م، إلى أكثر من 271 ألف روبوت، بزيادة تقدر بـ 61% عن العام الذي قبله، حيث بلغ عدد روبوتات الخدمات المهنية المصممة في عام 2017م نحو 168 ألف وحدة فقط (١١).
وقد كان للمركبات المستقلة “AGVs” النصيب الأكبر من هذا العدد بنسبة 41٪ من جملة روبوتات الخدمات المهنية المصنعة، ويتوقع الخبراء ازدياد الطلب على تصميم هذا النوع من الروبوتات في الأعوام القادمة (١٢).
لقد شهد عام 2019م تصميم ما يزيد عن 22 مليون روبوت من صنف الروبوتات العاملة في مجال الخدمة المنزلية (كالمكانس الذكية لتنظيف الأرضيات، وآلات جزِّ العشب ورعاية الحدائق، وروبوتات تنظيف الحوائط والجدران). ومن المتوقع ألا ينقضي عام 2023م، إلا وقد وصلت الحصيلة إلى 61 مليون روبوت. أما روبوتات الترفيه فقد بلغ عدد ما بِيعَ منها في عام 2019م، ما يقارب أربعة مليون ونصف، ومن المتوقع أن يكون حصيلة ما يُصمَّم منها في عام 2023م الذي نحن فيه، هو ما يقارب الستة مليون، الأمر الذي يدلّ على أننا قادمون في السنوات المقبلة على عصر التعايش والتفاعل مع الروبوتات والآلات الذكية، التي ستسهم بشكل كبير في تشكيل مستقبل البشرية.
لا جرم أن الشريعة الإسلامية تفتح أبوابها أمام الباحثين، وتحثهم على البحث والتنقيب والاستقراء وإعمال العقول في العلوم والمعارف، وتحريك الأذهان في سبيل الارتقاء بخدمة الإنسان، والعمل على تقديم وسائل الراحة والأمان له في شتى المجالات ومختلف مناحي الحياة.. ولا يمكن للشريعة الإسلامية أن تكون عائقًا أمام التطور العلمي أو عقبة في طريق العلم والمعرفة، طالما انضبطت العلوم والمعارف ووسائل تحصيلهما بالضوابط الشرعية الأصيلة، وطالما استهدفت خدمة الإنسان، والعملَ على إسعاده، وتقديمَ وسائل الراحة له.
الهوامش
(١) ويكيبيديا الموسوعة الحرة، مقال عن الروبوت، تم الاطلاع عليه بتاريخ 29/10/2022م.
(٢) مدخل إلى عالم الذكاء الاصطناعي، ص:69.
(٣) الذكاء الاصطناعي: تأثيرات تزايد دور التقنيات الذكية في الحياة اليومية للبشر، ص:63.
(٤) صفات سالمة وخليل أبو قورة، تحديات عصر الروبوتات وأخلاقياته، ط١.
(٥) تكنولوجيا الروبوت: رؤية مستقبلية بعيون عربية، صفات أمين سلامة، ص:11.
(٦) المركز القانوني للإنسالة (Robots)، د. محمد عرفان الخطيب.
(٧) نهاية الخصوصية: ملامح الخصوصية والانكشاف في عصر التقنيات الذكية، د. فاطمة الزهراء عبد الفتاح، ص:127.
(٨) مدخل إلى عالم الذكاء الاصطناعي، د. عادل عبد النور، ص:65.
(٩) المدخل إلى عام الذكاء الاصطناعي، ص:79.
(١٠) تقرير الاتحاد الدولي للروبوتات (IFR) لعام 2019م، ص:13.
(١١) تقرير الاتحاد الدولي للروبوتات (IFR) لعام 2019م، ص:١١-12.
(١٢) تقرير الاتحاد الدولي للروبوتات (IFR) لعام 2019م، ص:11-12.