حدوة الحصان وتفاؤل الإنسان

حدوة الحصان: قوس حديدي (أو من الألومنيوم) تُثبت وقاية في حافر الحصان لحمايته من التآكل. كما تستعمل علاجًا في أخطر أمراض الحافر “حمى الحافر” (الحمرة) Laminitis. لكن ما علاقتها بطرد الشيطان، والتفاؤل، وتيسير زواج الفتيات؟ وهل التعلق بها وبغيرها من “جالبات الحظ” يمنح قوة نفسية إضافية؟

لا حصان سليم بلا قوائم، ولا قوائم بلا حوافر، ولا حوافر بلا حدوات مناسبة. لذا فالبيطار الألمعي الماهر في صنع وتركيب الحدوة توزن يداه بميزان الذهب. وحدوة الحصان تشبه الهلال، وهي من أكثر “تعويذات الحظ السعيد” انتشارًا عبر البلدان:”إذا رأيت حدوة فرس قديمة أو دبوسًا صدِئًا أو معوجًا فسارع لالتقاطه ففي ذلك بشرى سارة. واتخذ الإغريق من الحدوة رمزًا للتفاؤل والحماية. واعتقدوا أن القوى السحرية كامنة في حديد الحدوة، فهو يدرأ شر السحرة، والأرواح الشريرة، والمخلوقات المؤذية الأخرى. واعتبروا شكلها ““U الهلالي رمزًا للخصب والحظ الجيد، وهو شكل حركة الأرض في علاقتها بالشمس. وورث الرومان الإغريق في أهمية الحدوة في حدي الأحصنة، وردع الشيطان والأرواح الشريرة (د. عبد الحميد يونس: معجم الفلكلور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2009، ص:269).

وفي كتابه: “قصة العادات والتقاليد، وأصل الأشياء” (2003)، يقول “تشالز بناتي”: (تعد حدوة الحصان أكثر تعويذات الحظ انتشارًا في العالم. زمانًا ومكانًا، حيثما وجد الحصان والإنسان. واخترع الإغريق الحدوة في القرن الرابع وعدوها مثالاً للحظ الجيد. لكن الأسطورة تعزو تلك العادة إلى القديس “دونستان” الذي أعطى للحدوة المعلقة فوق باب المنزل قوة خاصة لردع الشيطان. ويعد “دونستان الحداد” الذي أصبح أسقف “كانتبري” (عام 959م) رائد هذا الطقس. ففي أحد الأيام، أتى إليه رجل وطلب منه أن يحدي قدميه، مما أثار شكوكه بأن السائل هو “الشيطان” خاصة وأن له أظلافًا مشقوقة. فأوضح له أن عليه تعليقه مقيدًا إلى الحائط لينجز العمل. وأنجز “دونستان” الأمر، مكيلاً العذاب للشيطان مما جر الأخير إلى التوسل. فرفض “دونستان” تحريره قبل أن يقسم بألا يدخل منزلاً وضعت حدوة حصان على بابه). ووضعت الحدوات فوق عتبات الأبواب، أو في منتصفها لتستعمل في الطرق إضافة لطردها الشيطان. ولقد رأيتها صغيرًا معلقة لسنوات فوق مدخل بيتنا الريفي.

وانتشر في بلدان كألمانيا وإسبانيا ومصر وبلاد المغرب استعمالها كتميمة لدفع أذى عين الحسود، وطرد الشياطين من البيوت والمتاجر والسيارات والمداخن وحظائر الخيول والماشية. وكتعويذة جالبة للحظ السعيد، وتيسير تزويج البنات يجب وضعها بحيث يتجه قرناها لأعلى، كي لا يتسرب الحظ السعيد. لذا توضع فوق باب البيت الخارجي لا داخله. أما عند استعمالها كتعويذة واقية من الحسد والسحر والمخلوقات الشريرة فيكون جانبها المحدب لأعلى. وقد يضعها البعض على شكل الحرف (C). وكذلك هناك من يتزين بمشغولات ذهبية أو فضية على شاكلتها. ولما بلغ الخوف من السحر في القرون الوسطى ذروته، أولى الناس الحدوة مزيدًا من الاهتمام. فوضعوا على تابوت المرأة المتهمة بامتهان السحر حدوة الحصان لتمنعها من الانبعاث من جديد. واعتقد صانعوا الحدوات في روسيا أنهم قادرون على ممارسة السحر الأبيض لمواجهة السحرة، ولرعاية قسم الزواج وعقود العمل، أصبح القسم يؤدى على سندان الحداد.

عند الصينيين، وعند العرب

في فلسفة “الفنغ شوي” الصينية العريقة.. ليست حدوة الحصان فقط الجالبة للحظ السعيد، بل كل الحصان أو حتى صورته التي من الأفضل أن تكون متوجهة لأعلى. كما يعتقدون بأن الخيل هبطت من السماء، فالأصيل منها يسير مرفوعة الرأس في شموخ وخيلاء للأعلى. وتتفق فلسفة “الفتغ شو” مع أغلب المعتقدات الشعبية في أن وجود الخيل في البيت دلالة عز وجاه وقوة ومنعة. فهي رمز من رموز “الفنغ شو”، وتعويذة من تعويذاتها، فالحصان دال على السرعة والتحمل، فضلاً عن بهجة الحياة والسمعة الطيبة والتفاؤل بجلب الشهرة والمال وهبوب رياح التغيير الإيجابي في الحياة.

وعروبة الخيل وأصالتها أمر أكدته الكشوف الأثرية، والتراث العربي. فكما حرص العرب على حفظ شجر أنسابهم، حرصوا على إثبات أنساب خيولهم سواء بسواء. وثمة مصنفات كاملة موضوعة في أنساب الخيل، كما فعل ابن الكلبي، والأصمعي، والغندجاني وغيرهم.  وبلغ من عنايتهم بها إطلاقهم على كل ما يتصل بها اسمًا، ولم تقاربهم في ذلك أي لغة أخرى. فثمة أسماء تشمل أطوار حياتها، ومشيها، وعَدْوها، وأصواتها، وعتقاها، وأنواعها، وألوانها، وأوصافها. ووردت أحاديث نبوية تحض على تكريم الخيل والعناية بها؛ فمن ذلك أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: “خير مال المرء مُهْرةٌ مأمورة أو سكة مأبورة” (مسند أحمد، برقم: 15284).  وفي الصحيح عن جرير بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: “رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسٍ بِإِصْبَعِهِ وَهُوَ يَقُولُ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ” (صحيح مسلم، برقم: 3479).

التعلق النفسي بـ “جالبات الحظ”

نفسيًّا.. درست ظاهرة التعلق بـ “جالبات الحظ” عمليًّا، وتبين “تأثير الطلاسم على نفسية الناس”. فمن المؤكد أن للإيمان قوة حقيقية، وأثر ملموس يمكن أن يزحزح الجبال ويصنع المعجزات. لكن الاعتقاد بالخرافات، وقوة الأحجار والطلاسم والتمائم يمكن أن يؤثر في البشر نفسيًّا، كما يؤثر فيهم العلاج بالإيهام (بلاسيبو). وإذا كان “البلاسيبو” يؤدي مهمة قصيرة المدى على مستوى العلاج السريري، فإن البشر يتناقلون الخرز والتمائم أبًا عن جد ويتحدثون عن تأثير أزلي لها. ويبدو أن حدوات الأحصنة، والأحجار، وأشياء أخرى يحتفظ بها الناس كـ “جالبات للحظ”، تمدهم بـ “قوة دفع نفسية ورمزية”.

وكان فريق من العلماء النفسيين الألمان (ليسان داميش، وباربرا شتوبيروك، وتوماس موسفايلر) من جامعة كولون (غرب)، أعَدوا دراسة حول هذه الظاهرة. وبحثت أمكانية “القوة الدافعة” التي تمتلكها التمائم ووثقوا نتائجهم في عدد من مجلة «العلوم النفسية». واعتمدوا في دراستهم على نتائج «مختبرية» وسريرية واستبيانات. إذ دعا العلماء 140 طالبًا جامعيًّا من الجنسين للمشاركة في دراسة دون التحدث عن أهدافها، وسمحوا لكل طالب بإحضار «جالب حظه» معه إلى المختبر وطلبوا منهم المشاركة طوعًا في التجربة. وتم تقسيم الطلاب لمجموعتين، ونزع الأطباء “جالب الحظ” من نصف المتطوعين وسمحوا للنصف الآخر بالاحتفاظ بها. ثم خضع أفراد المجموعتين لاختبارات وأسئلة حول المشاعر، واختبار الذاكرة، ولعبة الغولف وحل كلمات متقاطعة إلخ، ودامت الاختبارات نحو 31 ساعة. وأظهرت الدراسة أن الطلبة الذين احتفظوا بتمائمهم، أو جالبات حظهم، كانوا أكثر ثقة بالنفس، وأهدأ أعصابًا، وضعوا أهدافًا كبيرة لتحقيقها. وكانوا أفضل في الاختبارات بنسبة 33% من المجموعة التي حجبت تمائمهم. وكانت النتائج مماثلة عند حل الكلمات المتقاطعة، وفي خوض الاختبارات إلخ. وخلُصت الدراسة إلى أن: “التمائم والطلاسم لا تمتلك قوة سحرية ولكنها تزود حاملها بقوة نفسية إضافية. كما أن “قوة التمائم” لا يمكن أن تفرض نفسها إذا كان الإنسان فاقد الإيمان بها، أو لا يملك الحد الأدنى من المواهب والقدرات”.