مشروبات تستنزف الطاقة

أكدت دراسة نفسية أن مشروبات الطاقة قد تخلق حالة من التعود الآلي الذي قد يؤدي إلى الإدمان، وأن التركيز الزائف الذي تحدثه مثل هذه المشروبات هو الذي يدفع بالشباب إلى زيادة احتسائها، إلا أن الدراسة خلصت إلى أنه لا صحة إطلاقًا بين زيادة التركيز والانتباه ومعدل الاستهلاك.

إن أهم تلك العناصر المكونة لمشروبات الطاقة يأتي على رأسها دون منازع “الكافيين” فهو يثير أدمغتنا.. ينهك أعصابنا.. يسلبنا نومنا.. لكننا نرفض البقاء من دونه.

يقول لي ستانلي مدير أبحاث النوم في وحدة أبحاث علم العقاقير النفساني في جامعة “ساري” البريطانية: يظن الشبان في النوادي أنهم اكتشفوا شيئًا، بيد أنه معلوم لدى الجميع منذ قرون أن للمشروبات التي تحتوي على الكافيين أثرًا منشطًا، وأنها تنقل الإنسان من حال النعاس إلى حال التيقظ.

في واقع الأمر إن كل ما اكتشفوه هو نمط جديد من تقديم الكافيين، وتعد القوة المزدوجة من أجل التغلب على التعب الجسماني وزيادة الانتباه جزءًا من الحقيقة التي تجعل الكافيين يصنف على أنه أكثر المشروبات الشائعة قدرة على تحفيز التيقظ لدى الإنسان، وأنه أفضل من منشطات أخرى مثل النيكوتين والكحول. فالكافيين من العقاقير النفسية التي نقدمها لأطفالنا في كل أنواع مشروبات الصودا وألواح الشوكولاتة. إن معظم الأطفال في الدول النامية يأتون إلى العالم وهم يحملون آثارًا من الكافيين في أجسامهم، انتقلت إليهم من أمهاتهم عبر الحبل السري.

وقد عرف الناس منذ أكثر من 200 عام أن التيقظ الذي يشعرون به من تناول القهوة أو الشاي هو ما يشعرون به من تناول مواد كيميائية موجودة في أوراق الشاي وحبات القهوة. فالمادة شبه القلوية التي تتشكل طبيعيًّا في أوراق الشاي وحبات البن وثمار الكاكاو والكولا، وفي أكثر من ستين من النباتات الأخرى، كانت قد استخدمت في فترات تعود إلى القرن السادس الميلادي.

وفي أوائل القرن الثامن عشر انتشرت محال القهوة في أوروبا الغربية، وهو ما جعل بعض العلماء يتساءلون عن أسباب انتشار هذا الشراب. وقام عالم الكيمياء الألماني فردليب فيردناند رونج بفصل المادة المنبهة في بذور القهوة، وأطلق اسم الكافيين على تلك المادة. وفي عام 1838 اكتشف باحثون كيميائيون أن المادة الفعالة في الشاي هي مادة الكافيين ذاتها التي اكتشفها العالم رونج. وقبل نهاية القرن الثامن عشر اكتشفت المادة ذاتها في ثمار الكولا والكاكاو.

الكافيين وبناء العالم الحديث

تصادف انتشار القهوة والشاي في أوروبا مع انطلاق أول المصانع في الثورة الصناعية، أن حلت القهوة مكان البيرة وكان هذا من الأسباب التي ساعدت على انتقال الاقتصاد من المزرعة إلى المصنع. وساعد الماء المغلي المعد لتحضير الشاي والقهوة على تقليل حالات الإصابة بالمرض بين العمال في المدن المكتظة. كما ساعدت مادة الكافيين العمال على التيقظ وعدم النوم فوق آلاتهم. ويمكن القول إن الكافيين هو المادة التي ساعدت على بناء العالم الحديث، وكلما زاد عالمنا تطورًا زادت حاجتنا إلى الكافيين، فمن دون القهوة وأنواع المشروبات الجديدة المصنعة منها – التي تجعلنا نغادر الفراش ونعود إلى العمل – لا يمكن لمجتمع الساعات الأربع والعشرين في الدول النامية أن يتحقق.

يقول تشارلز سيزلر عالم الأعصاب وخبير النوم في كلية الطب بجامعة هارفرد: إن نظام النوم واليقظة عند الإنسان يعتمد أساسًا على الشمس والفصول الأربعة، ولكن طبيعة العمل تغيرت من نظام يعتمد على حركة الشمس إلى عمل داخل البناء تتحكم الساعة فيه، وإن على الإنسان أن يتكيف مع واقعه الجديد، وكان انتشار الأطعمة والمشروبات التي يدخل فيها الكافيين، واختراع الضوء الكهربائي، قد ساعدا الناس على التكيف مع نظام عمل تتحكم الساعة فيه وليس ضوء النهار أو دورة النوم الطبيعية.

لقد وضع العلماء نظريات عدة لتفسير القوة الموقظة في الكافيين، وكان الإجماع أن تلك المادة تتفاعل مع مادة “الأدينوسين”، وهي مادة كيميائية في الجسم تعمل كحبة منومة طبيعية، لكن مادة الكافايين تمنع آثار النعاس الناجمة عن مادة “الأدينوسين” فتمنعنا من النوم، وللكافيين أيضًا أثره في تحسين الأمزجة وزيادة الانتباه، كما أنه مادة تساعد الباحثين والعاملين على الاستمرار في مهامهم حتى ساعات متأخرة من الليل.

إلا أن العالم سيزلر يقول إن المرء يدفع ثمنًا غاليًا مقابل التيقظ الزائد، وإنه دون الحصول على القدر المناسب من النوم 6: 8 ساعات يوميًّا – فإن الجسم البشري لا يستطيع القيام بمهامه على أكمل وجه، سواء في الأنشطة الجسمانية أو العقلية أو العاطفية. ويقول: ” نحن مجتمع محرومون من النوم إلى حد كبير”. ويوضح أن السبب الرئيس لاستخدام القهوة على نطاق واسع في العالم يعود إلى الرغبة في التيقظ، وإذ ما فكرنا بالسبب وراء ذلك نجد أننا نستخدم الكافيين لنعوض نقص النوم الذي سببه لنا الكافيين ذاته.

فوائد صحية رغم الأضرار المرضية

وفي الوقت الذي يتزايد عدد مستهلكي هذا النوع من المشروبات نجد الخبير الأيرلندي جاك جيمس يعمل على توثيق الأسباب التي تدعو هؤلاء المستهلكين إلى التوقف عن تناول ذلك الشراب. وينتقد جاك الأبحاث التي تمولها صناعات القهوة ويقول إنها تصور مادة الكافيين على أنها مادة غير خطرة وتتجاهل الأدلة على تأثيراتها، وتحذر أبحاث جاك من أن الكافيين مادة ذات تأثير نفسي وترفع ضغط الدم وتزيد من خطر أمراض القلب.

لكن وجهة نظر جاك تتعارض مع معظم إعلانات الصحة العامة عن الكافيين، وتجمع الآراء على أن المشروبات الشعبية غير ضارة أو أنها معتدلة، لا سيما إذا كانت نسبة الكافيين فيها لا تتجاوز 300 مليجرام في اللتر الواحد، أي ما يعادل عبوتين من حجم 12 أونصة (فنجان عادي من القهوة أو 6ـ8 عبوات من الصودا يوميًّا).

أظهرت دراسات عديدة أن مستهلكي الكافيين أكثر عرضة لسرطان الكلية والمثانة وتليف الثدي وسرطان البنكرياس وهشاشة العظام. ولكن الدراسات لم تؤكد أن الكافيين هو السبب في ذلك؛ لأن الكافيين شأنه شأن أنواع أخرى من المشروبات، لا أثر محددًا له من الناحية العقلية أو الجسمانية، وأوضحت دراسات ثانية أن مادة الكافيين تثير الجهاز العصبي المركزي وتحسن الأداء الجسماني وتدر البول، بالرغم من أن دراسات ثالثة أشارت إلى أن مادة الكافايين لا تسبب الإماهة في حال تناولها بكميات معتدلة حتى بالنسبة إلى الرياضيين.

وتقول تلك الدراسات إن مادة الكافيين ترفع ضغط الدم ولكن بشكل مؤقت، وتزيد من نسبة فقد الكالسيوم إلا أن هذا الأثر يمكن تجنبه بتناول ملعقتين كبيرتين من الحليب يوميًّا. وقد أكدت دراسات رابعة أن للكافيين فوائد صحية، إذ إن هذه المادة تخفف الآلام وتخفض الصداع النصفي وتقلل أعراض الأزمة القلبية وتحسن المزاج العام. وعلى صعيد الناحية العقلية فإن مادة الكافيين تزيد الانتباه والإدراك وسرعة رد الفعل؛ لأنها تقاوم التعب وتحسن الأداء في الأنشطة التي تتطلب الانتباه عند قيادة السيارة أو الطائرة أو حل مسألة حسابية أو إدخال بيانات.

يدعي بعض مستهلكي الكافيين أن عدم تناول القهوة يومًا أو يومين يسبب الصداع وحدة الطبع ونقصًا في الطاقة وشعورًا بالنعاس، ولكن التخلي عن تناول الكافيين يعد سهلاً إذا ما قورن بمادتي الكوكايين والهيرويين، فأعراض التوقف عن تناول الكافيين تختفي خلال يومين أو أربعة وقد تمتد أسبوعًا أو أكثر ولعل الرغبة في تجنب آثار التخلي عن الكافيين هي التي تجعل عشرات الملايين من الأشخاص يتناولون الكافيين يوميًّا وبشغف.

طقوس المشروبات

يذكر جاك جيمس أن الاعتماد الكبير على الكافيين قد يشوه نتائج الأبحاث حول تأثير هذه المادة في تحسين المزاج العام. ويقول إن الناس عمومًا ضمن مجموعتين، فهم إما مستهلكون للكافيين أو غير مستهلكين له، ويرى أن مستهلك الكافيين يشعر بالتيقظ ولكنه يفقد أثر الكافيين عند الصباح فيضطر إلى تناول كمية أخرى وهكذا. ويقول كذلك: إنه يمكن للإنسان أن يمتنع عن تناول الكافيين وأن يعمل نهارًا وسيجد نفسه يعمل بالكفاءة ذاتها فيما لو كان يتناول الكافيين.

إن تناول القهوة صباحًا مع بعض الحلويات قد يكون جزءًا طبيعيًّا من حياة الإنسان فيستمتع به، فالقهوة مهدئة وتنظم يوم الإنسان، وعلى مدى قرون، أوجدت البشرية لنفسها طقوسًا لا حصر لها ترافق تناول المشروبات. فاليابانيون لهم طقوسهم الخاصة لتناول الشاي، والبريطانيون أحاطوا تناول شاي الظهيرة بهالة من الفخامة، في حين وضع الأمريكيون ترتيبات خاصة لتناول مشروبات الكافيين التي تشمل القهوة السريعة مع بودرة الحليب المقشود.

أما بالنسبة للأطفال فإن من الواضح أن انخفاض الوزن يتطلب استهلاكًا أقل من مادة الكافيين، وتوصي دراسات عدة بعدم تشجيع الأطفال على تناول الكافيين تفاديًا لعدم إصابتهم مستقبلاً بالقلق أو العصبية، على الرغم من عدم وجود دليل على أن تناول كميات قليلة من الكافيين يضر بصحة الأطفال.

وتنصح إدارة الأغذية والعقاقير البريطانية النساء الحوامل بتجنب الكافيين إن كان ذلك ممكنًا، على الرغم من قلة خطر تلك المادة في حال تناولها بكميات قليلة، ويقول مايكل براكن المتخصص في أمراض ما قبل الولادة بكلية الصحة العامة بجامعة “ييل”: إنه بعد متابعة آلاف الحالات على مدى العقدين الماضيين، فإنه وجد أن تناول كمية تقل عن 300مليجرام من الكافيين ـ أي فنجانان من القهوة يوميًّا ـ لا يضر بصحة الجنين.

إن مشروبات الطاقة تزداد خطورتها في حال تناولها أثناء ممارسة الأنشطة، التي ترفع بدورها معدل ضربات القلب، مثل الرياضة والرقص، مشيرة إلى أنها قد تتسبب أيضًا في ارتفاع ضغط الدم والاضطراب الداخلي.

ويشدد العلماء على ضرورة ألا يتناول مرضى القلب ومرضى ارتفاع ضغط الدم مشروبات الطاقة، وينطبق ذلك أيضًا على الأطفال، نظرًا لحساسيتهم العالية تجاه الكافيين، ومن ثم تكون الاستجابات لديهم شديدة.

ونصحت بتناول العصائر الطازجة والماء وتجنب مشروبات الكافيين، والحرص على الأكل الصحي، وتناول الفواكه والخضراوات الطازجة، والمكسرات، واللبن، والحليب، وممارسة الرياضة، إذ إن هذه الأمور تعزز صحة الفرد وتقوي جسده، وتجنب كل ما يضر الجسم مثل مشروبات الطاقة، والتدخين، والإكثار من الوجبات السريعة.

 

 المراجع:

  1. David off, & India, L (2021): Introduction to psychology, New York, grow – Hill International Book company, Second Edition.

        2-Kallen, David J.: Nutrition and the community. Pp. 35-50 in Nutrition, Development and Social Behavior. David J. Kallen (ed.) DHEW Pub. No. (NIH) 2019.,

3-Facchini F, Chen Y-D, Hollenbeck CB, Reaven GM. Relationship between resistance to insulin-mediated glucose uptake, urinary uric acid clearance and plasma uric acid concentration. 

4- Dessein PH, Shipton EA, Stanwix AE, Joffe BI, Ramokgaidi J. Beneficial effects of weight Ioss associated with moderate calorie / carbohydrate restricition and increased proportional intake of protein and unsaturated fat on serum urate and liopoprotein levels in gout.