الطفولة المحرومة بين اليتم وقسوة المجتمع

(قراءة لفيلم أروح باكية)

من حسنات الأفلام القصيرة ملامسة المشاكل الاجتماعية والتربوية بشكل يسهل إيصال الرسائل التوجيهية إلى الجمهور بيسر وفي وقت وجيز، وهي أفلام شديدة التأثير أكثر من الأفلام الطويلة شرط إجادة الإنجاز الموفق المبني على خطة إبداعية مدروسة، وعلى خبرة فنية تأخذ كل عناصر الجذب والتأثير بعين الاعتبار، ومن هذه الأفلام التي لا تخلو من جودة وإثارة فيلم “ارواح باكية” لمخرجه لؤي دالاتي،  وبطولة الطفل الصغير محمد الحلبي وآخرين، ومن تأليف وإشراف حسام الحلبي.

قصة الفيلم تتعلق بطفل يتيم متشرد يجوب الطرقات وينام في العراء، ويعطف عليه شاب عقيم وتمر الأيام ليقع من الأحداث ما يجعله يتبناه فيصير ابنه ويعيش من غناه وتحت رعايته.

يبدأ الفيلم بطفل فقير يجسد مظهره معاناة الفقر بامتياز، يبحث في المرميات عما يأكل ويشرب، يجلس في مقدمة درج يتحدث عن نفسه وقصة تعاسته، فجأة يشاهد طفلين يلعبان الكرة فيبادر إلى مشاركتهما اللعب لكنهما يطردانه مظهرين تقززهما من مظهره الرث، وقد مسح أحدهما الكرة لكونه مسها حين شردت وأعادها إليهما، ويحمل كيسه ليواصل رحلة التشرد وصدره يضج بالأحزان… يلي ذلك مشهد شاب يسترجع حواره مع زوجته التي تحتج عليه وتؤنبه لكونه عقيم ويحاول تهدئتها بإرجاع الأمر إلى رب العالمين، لكن الأمر ينتهي بهما إلى الطلاق.

يجلس الطفل والجوع يلهب معدته، وفجأة يرى رجلاً يرمي بمهملات في كيس، يهرع إليها ويأخذها فرحًا لكن الرجل يلتفت ليعود إليه فينزعها منه كي يرميها في سلة المهملات، في ذات الوقت يراهما الشاب العقيم، فيذهب مباشرة ليواسي الطفل مستغربًا ما قام به الرجل ويعطيه ورقة نقدية كي يشتري بها ما يسد به جوعه ويخبره بكون أهله ماتوا كلهم وبقي يتيمًا وحيدًا شريدًا، هذا الأخير يواصل رحلة المعاناة ويرمي بالورقة النقدية في الهواء، ويواصل البحث في الأزبال، ويعود الشاب العقيم الذي تصدق عليه وواساه سابقًا ليفرح بعودته قبل أن يأتي لص فيسلبه حافظة نقوده بعد اسقاطه أرضًا، ينظر إليه الطفل فيتذكر أنه الوحيد الذي ساعده وتعاطف معه، فيجري وراءه، وحين يجده واقفًا يستريح ينقض على المحفظة المسروقة فيتعارك مع اللص ويأتي شرطي فيقبض عليه مصدقًا السارق الذي صرح بكون الطفل يريد سرقة محفظته، ويذهب به الشرطي إلى المخفر للتحقيق.

وفي مكالمة هاتفية يخبر ضابط الشاب العقيم بكون محفظته قد عثر على سارقها وهو طفل صغير شريد، وحين يظهر أمامه يندهش فيقول للضابط أن هذا الطفل ليس حراميًّا ولا يمكنه أن يكون كذلك وأنا أعرفه، وحين يخبره الطفل قصة الحصول على المحفظة يعانقه الشاب العقيم ويقرر تبنيه، ويظهره الفيلم في منزله في وضعية رفاه مجالسًا إياه، وينتهي الفيلم بإشارة كون المصائب يتبعها الفرج بإذن الله.

لقطات مؤثرة في الفيلم:

في كل فيلم ناجح لقطات يكون لها الأثر العميق في نفوس المتفرجين وفي هذا الفيلم كثير من اللقطات والمشاهد المؤثرة ومنها ظهور الطفل جائعًا لا يسمح له من الاقتيات حتى من الأزبال، ومنها نفور الطفلين منه ومن تواجده في الشارع الذي كانا يلعبان فيه، ومنها رؤيته للشاب الذي أحسن إليه ذات يوم فاقدًا وعيه بعد سرقة محفظته ولكمه من قبل السائق، ومنها إحضاره في مخفر الشرطة ليفاجئه تواجد الشاب الذي سلبت منه محفظته والذي أنكر اتهامه بالسرقة…

رؤية عامة عن الفيلم

جاء الفيلم متزنًا من حيث المشاهد واللقطات في تطور منطقي للأحداث من الشقاء إلى مزيد من المعاناة إلى الانفراج.. عبر موسيقى تصويرية ملائمة لأجواء الاضطراب النفسي للطفل الشريد.

وقد كان أداء الممثلين مقنعًا، من حيث الشخصيات الثانوية على قلتها، ومن حيث الطفل البطل الذي أنجز دوره بامتياز من حيث مظهره الخارجي وملامحه وخطاباته العاكسة لما يعتلج في قلبه من خلجات الحرمان والأسى.

والفيلم بهذا عمل إبداعي يحمل رسالة تربوية وخلقية تتعلق بوجوب الإحسان إلى الأطفال اليتامى والفقراء وضرورة تمتيعهم بحقوقهم وعدم تركهم طُعمًا للعنف والإجرام والتهميش.

ويبقى الفيلم المهتم بشؤون الطفل فيلمًا ضروريًّا ينبغي العناية به من حيث لمسه للمعاناة التي تواجه الأطفال، وتؤثر على نفسياتهم وهم أساس بناء مستقبل الأمم.

والأفلام الملامسة لجروح الأطفال أفلام لا تقل أهمية من بقية أنواع الأفلام، فهي تحمل رسائل بإمكانها تحسيس أفراد المجتمع كبارًا وشبابًا للالتفات إلى تلبية حاجات المحرومين من الصغار. ويفترض في مثل هذه الأفلام أن تحمل المؤثرات الفنية المتكاملة من أجل استرعاء الانتباه والتأثير على المتلقي من أجل التعاطف مع المهمشين من البراعم الذين يعتبرون بناة مآلات المجتمعات، فبالعناية بحقوقهم وتنشئتهم تنشئة سليمة نكون قد أسسنا لمشروع اجتماعي متين من حيث التعايش الإيجابي المطبوع بالمودة والتضامن والوئام.