هل تذكر آخر مرة اجتمعت فيها أسرتك بأكملها؟ ففي عصر التكنولوجيا السريعة، تراجع التواصل الأسري إلى مجرد رسائل نصية واجتماعات افتراضية، فعصرنا تغيرت فيه العديد من القيم التي كانت لا تنفك عن مجتمعاتنا في الماضي.
فقيم الاجتماع واللقاءات الأسرية والصدقات بدأت تتوارى، وبدأ الناس يعظمون قيمة العزلة والتباعد عن الأقارب والسكن بعيدًا عنهم، والتقليل من اللقاءات والزيارات.
واستعاضوا عن تلك التجمعات واللقاءات الحقيقية، بتجمعات ولقاءات افتراضية عبر مجموعات الفيس بوك والواتس، ونحو ذلك من التجمعات التي لا تحمل نكهة التلاقي والتواصل النافع التقليدي السابق.
وأصبحت الأسرة نادرة في تجمعاتها، قليلة في لقاءاتها التي تجمع أفرادها، وإن التقوا فلقاءاتها عابرة على مائدة الطعام، اجتماعات لا تسمن ولا تغني من جوع، فالهواتف سيطرت على اجتماعاتنا وقضت على التواصل بيننا، فأصبحت متعة الناس تتمحور حول الشاشات والعكوف عليها والتفاعل معها، وهل يمكن للقاءات الافتراضية أن تحل محل اللقاءات الحقيقية؟
ما نسعى إليه هو اللقاء الفعال المثمر، الذي تجتمع فيه بهجة التلاقي ودفء العلاقات والحوار البناء والتواصل الفعال وليست مجرد المجالسة المملة.
ولا شك أن الأسرة تحتاج للعودة للقاءاتها الممتعة، ليحسن التواصل بينها، ولعقد ما انفصم من عراها، ولوصل ما انقطع من روابطها، فيحسن التقارب والتفاهم، فالتباعد بين أفرادها يؤدي لسوء التفاهم وغياب المصارحة والتعاون بين أفرادها.
الأسرة تحتاج للعودة للقاءاتها الممتعة، ليحسن التواصل بينها، ولعقد ما انفصم من عراها، ولوصل ما انقطع من روابطها، فيحسن التقارب والتفاهم.
فثقافة اللقاء الأسري تعين على ترسيخ المفاهيم الصحيحة وتصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الأبناء وغرس القيم النافعة عبر الحوار الأسري الهادف القائم بين الوالدين والأبناء.
ومما ينبغي الاهتمام به في اللقاء الأسري، ترسيخ مفهوم الحوار الأسري البناء القائم على الإنصات الجيد والتفاهم المتبادل بين أفراد الأسرة، وعدم مقاطعة المتحدث واللطف واللباقة في الحديث واحترام الاختلاف في الرأي، فهل تدرون قيمة الحوار المثمر؟
ينبغي ترسيخ مفهوم الحوار الأسري البناء القائم على الإنصات الجيد والتفاهم المتبادل بين أفراد الأسرة، وعدم مقاطعة المتحدث واللطف واللباقة في الحديث واحترام الاختلاف في الرأي.
فالحوار المثمر من أهم ما ينبغي غرسه في أسرنا، فهو يقربنا من بعضنا، ويزيد من تفاهمنا ويعزز المصارحة البناءة بيننا، ويزيد من وعي أفرادنا بالقضايا التي تهتم بها الأسرة ويعلمنا كيف نعالج المشكلات ونتخطى العقبات.
والتواصل الفعال الذي نستطيع غرسه في لقاءنا الأسري، يخفف من التوتر الذي يحدث بين أولادنا، ويقلل من النزاع الذي يحدث بين أفراد أسرنا، ويعالج ذلك النزاع بتفاوض سليم وحكمة ثاقبة.
ينبغي أن يكون لقاءنا الأسري لقاء المودة والمحبة، وليس لقاء الجدال والاختلاف، فنحن لم نلتقِ إلا لإرساء المودة فيما بيننا، فكلما اقترب الحوار من الجدال غيرنا حديثنا وهدأنا من حدته.
ينبغي أن نوفر في لقاءنا الأسري المحفزات التي تدفع أولادنا لإيثاره على التعلق بالتقنية وصحبة الشاشات، بأن نجعلهم يشعرون أن اللقاءات الأسرية تحقق لهم ذواتهم ويعبرون بها عن أنفسهم وأمنياتهم وتدفعهم لتحقيق أهدافهم في الحياة عبر تلك اللقاءات المثمرة.
ينبغي أن يكون لقاءنا الأسري لقاء المودة والمحبة، وليس لقاء الجدال والاختلاف.
كما أنه ينبغي إضافة الأنشطة الثقافية كمناقشة كتاب نافع، وبعض الأنشطة الحياتية، كتناول بعض الأطعمة المحببة للصغار كالحلوى، وعلينا أن نخلط الأنشطة الجادة بأنشطة المرح والمتعة، يجب أن يظل اللقاء ممتعًا وجذابًا لجميع أفراد الأسرة.
ومن النماذج الواقعية المشرفة في ذلك: ما ذكره المفكر السعودي عبد الكريم بكار في إحدى محاضراته قائلاً عن أحد الشباب: “استطاع الوالد بعد سنة تقريبًا من المحاولة أن يقنعنا بضرورة عقد ذلك اللقاء، وقد صار يعقد مدة خمسًا وثلاثين دقيقة من بعد مغرب كل ثلاثاء ورئاسة اللقاء دورية، حتى أخي سعد والذي في الصف الرابع الابتدائي كانت تُتاح له فرصة رئاسة اللقاء، وكان يديره بنجاح كامل”.
لقاؤنا يبدأ بنقاش القضايا والموضوعات التي تهم الأسرة بأكملها، والتي قد كانت حُددت في اللقاء السابق، مهمة مدير اللقاء افتتاح اللقاء وإعلان اختتامه وإعطاء الوقت للمتحدثين بالتساوي، وألا يسمح لأحد أن يقاطع أحدًا أثناء حديثه، أما أمين سر اللقاء فقد كان ثابتًا، وكانت مهمته تدوين الملاحظات التي يدلي بها كل واحد منا، وعرضها في آخر اللقاء ثم الاحتفاظ بها.
والدي يحب ألا يتميز علينا في الحديث، لكن إذا تناقشنا في قضايا غير مناسبة أو في قضية خاصة بأحد أفراد الأسرة، كان يوقف النقاش ويحول مجراه، وهو يقول لنا دائمًا: احذروا أن يتحول لقاء المودة إلى لقاء حل المشكلات والأزمات، فيفقد بهجته ويصبح مملًّا، فإننا نبحث في تحسين علاقتنا بجيراننا، وفي تحفيز بعضنا على الاجتهاد وفي تعليم بعضنا اللباقة واللطافة في خطاب الناس.
وأبي في ذلك يحاول أن ينزع عن اللقاء صفة الرسمية، من خلال إلقاء بعض الطرف ومن خلال التعليق اللطيف على بعض ما يقوله بعضنا، ولا نبالغ إذا قلت إننا ننتظر ذلك اللقاء بفارغ الصبر، حيث يشعر كل واحد منا أنه حقق ذاته، وأبدى كل ما لديه وتعلم شيئًا جديدًا، أو تنبه لشيء كان غافلاً عنه.
كما أن لقاءنا يُختم دائمًا بشيء مفرح، مثل: أكلة لذيذة أو وعد من الوالدين بشيء نحبه أو نتطلع إليه، ولا أقول لك مع هذا أن لقاءنا مثاليًّا، وأن أسرتنا على ما يُرام في كل شيء، لكن أستطيع أن أوكد أننا تعلمنا من ذلك اللقاء وما زلنا نتعلم المبادئ التربوية والسلوك القويم، والحنكة الإدارية، والمجادلة عن الرأي الشخصي بحرية وطلاقة، وهذه الأشياء لا نستغني عنها.
اللقاء الأسري من أهم ما ينبغي أن نغرسه في أسرنا، فهو يعيد التواصل الفعال ويبني الحوار المثمر ويعزز الترابط لأسرنا ونستعيد به التعاون والتقارب والمودة بيننا، فلنسعَ لغرسه في أسرنا، فهل أنتم قادرون على إعادة ثقافة اللقاء الأسري الغائبة إلى أسرنا.