تتميز تربية الطفل الياباني أنها موزعة ما بين البيت والروضة، وتحقيق التنسيق والتكامل والتناغم في تربية الطفل الياباني، حيث يعتمد تعليم الطفل الياباني منذ صغره على “التعليم المنزلي” أو “التعليم بواسطة الأم” الذي يعتمد أساسًا على العلاقة الخاصة بين الأم وطفلها والارتباط الجسمي والنفسي، وذلك النوع من التعليم يتيح الفرصة للأم فهم سمات وسلوك وأحاسيس طفلها.
ويعتمد المنهج التربوي الياباني على ما يعرف باسم المنهج المنزلي وقيام الأمهات بتدريب أطفالهن على ركائز التعليم قبل الالتحاق بالمدرسة الابتدائية لما له من أهمية في نجاحهم دراسيًّا وهو ما يتم في سن الثالثة، حيث تقوم الأم بتعليم طفلها الحروف الهجائية والعد حتى رقم مائة، وأداء بعض العمليات الحسابية البسيطة التي لا يتجاوز ناتج أي منها رقم عشرة وحفظ وترديد بعض الأغنيات. وهذه المهارات القرائية والحسابية لا تعلمها معظم مؤسسات ودور رياض الأطفال لأن اهتمامها يكون موجهًا نحو النمو الاجتماعي والقيمي والتهيئة العقلية والحركية لإعداد الطفل بشكل نظامي للالتحاق بالمدرسة الابتدائية.
وتهتم الأم بإكساب طفلها القدرة على التركيز والإخلاص في العمل حيث تعوده على الانغماس وبالقيام بعمل واحد في وقت واحد فيتعلم الانهماك المخلص وإنجاز العمل الذي يقوم به. وأهم ما تركز عليه الأم اليابانية هو تعويد طفلها على تجنب المواقف التي تسبب مضايقات للغير، ومن هنا يتعلم تدبر العواقب المترتبة على تصرفاته، ويرتبط سلوكه منذ مراحله المبكرة بأمزجة وأحاسيس الآخرين.
وتراعي دور الحضانة والمؤسسات التي يلتحق بها الطفل في اليابان أن تكون بيئتها أقرب إلى البيئة المنزلية وأن يكون العاملون بها من الإناث حيث وصلت نسبتهن إلى 96% وأن تكون مشبعة بالدفء والعطف وتهتم باللعب وتركز على الجوانب الاجتماعية والسلوكية ويتدرب الأطفال على قضاء حوائجهم بأنفسهم ويتعلم الأطفال فيها بعض الدروس في الموسيقى والرسم والسباحة واللغة الإنجليزية.
وتمثل مرحلة رياض الأطفال في اليابان مرحلة التحول من التربية غير المنضبطة والمدللة التي يتعرض لها الطفل في المنزل إلى التربية الصارمة في الابتدائية، حيث يشترك من أربعين إلى خمسين طفل في مدرسة واحدة تهدف إلى أنماط تعاملها التربوي تحويل الرغبات من رغبات فردية إلى رغبات جماعية. ويلتحق الأطفال برياض الأطفال من سن الثالثة أو الرابعة إلى سن السادسة وهناك ما يزيد عن 60 ألف روضة 60% منها غير حكومي و40% منها حكومية. وتقوم الروضة بدور كبير في غرس وتكوين القيم داخل الروضة وتنمية السلوك التعاوني بين الأطفال وذلك بناءً على الأسس الآتية:
1- تقسيم فصول الروضة:
يضم الفصل الواحد ثلاثين طفلاً تشرف عليهم معلمة واحدة فقط. ويقضي الأطفال من ساعتين ونصف إلى خمس ساعات في الروضة. وترى الفلسفة اليابانية أن كثرة عدد الأطفال يتيح فرصة أفضل للطفل للتعرف والتعامل مع أنماط عددية من البشر، ويخلق المواقف التربوية التي يتعلم منها الأطفال ويمارسون خبرات علمية أو اجتماعية ضرورية لنموهم وتوازنهم. ويختلف نصيب المعلمة من التلاميذ وفقًا لضوابط وزارة التربية والتعليم اليابانية على:
– الأطفال في عمر سنة وأكثر: نصاب المعلمة الواحدة أربعة أطفال.
– الأطفال فوق سنتين نصاب المعلمة الواحدة ثماني أطفال.
– أطفال ثلاث، أربع، خمس سنوات، نصاب المعلمة الواحدة ثلاثون طفلاً.
2- تعويد الأطفال على العمل بالمجموعات:
تعتمد الروضة على العمل الجماعي وتعاون الأطفال مع بعضهم البعض حيث يقسم الأطفال إلى مجموعات من تسعة إلى عشرة أطفال بشكل دائم اعتمادًا على قبولهم لبعضهم البعض وليس اعتمادًا على معايير علمية كالذكاء أو المهارات. وكل مجموعة لديها طاولتها الخاصة المشتركة ويقتصر دور المعلمة على تنظيم المشاريع التي يقومون بها. وكل مجموعة لها اسم خاص يميزها عن باقي المجموعات. كما أن المكافآت والتشجيع لا تعطى للأطفال كأفراد، بل للمجموعة والعمل الذي يسند للمجموعة يتطلب عملهم مع بعضهم البعض بشكل تعاوني وتشاركي.
3- تصميم أدوات اللعب واستخدامها لغرس قيم تربوية:
تتميز أدوات اللعب كالمكعبات في رياض الأطفال اليابانية بالحجم الكبير، بحيث لا يمكن لطفل واحد أن يحركها بنفسه مما يستلزم أن يتعاون أكثر من طفل لعمل شكل معين. أما أدوات الرسم فتوزع على المجموعة بحيث يكون عدد الأقلام والفراشي أقل من عدد المجموعة، حتى يقوم الأطفال بطلب المعاونة من الآخرين فلا بد لهم من أن يتعاونوا مع بعضهم. وعليهم تعلم انتظار دورهم كما أنهم يتعلمون الحذر عند التقاط الفرشاة حتى لا تتطاير الألوان على الآخرين، لأن أدوات الرسم والفراشي توضع في وسط الطاولة. كما أن المعلمات أحيانًا يقمن متعمدات بسحب وتقليص عدد الألعاب حتى يتعلم الأطفال التعاون مع بعضهم البعض.
4- تقليل روح المنافسة بين الأطفال لجذب انتباه المعلمة:
لا يوجد هناك تنافس بين الأطفال للحصول على انتباه المعلمة، لأن السلطة والمسؤولية أعطيت للأطفال أصلاً، فالعمل الجماعي ومجموعات الأطفال هي قيم تحرص التربية اليابانية عليها.
5-التقليل من الإحساس بسلطة أو وجود المعلمة:
تحاول المعلمة التقليل من استخدام سلطتها داخل الفصل حتى الحد الأدنى، وليس من الضروري أن تكون المعلمة موجودة دائمًا مع الأطفال فهي تفترض قدرتهم على السيطرة على أنفسهم وسلوكهم.
6- تفويض السلطة من المعلمة إلى الأطفال وتحمل الطفل مسؤولية نفسه ومسؤولية سلوكياته السلبية:
يكون الأطفال في الغالب مسؤولين عن تنظيم المجموعات والإشراف على تنفيذ المشاريع وحتى حل الإشكالات والاعتراضات والخلافات داخل المجموعات، فالمعلمات يدربن الأطفال على حل مشكلاتهم بأنفسهم.
7-إتاحة الفرصة للطفل لتنمية شعوره بذاته والاعتماد على النفس:
بالإضافة إلى المسئوليات غير الرسمية الملقاة على عاتق الأطفال في إدارة الصف. فإن معظم رياض الأطفال لها ما يسمى (ملاحظين) من الأطفال أنفسهم وهم المسؤولون عن بعض الأدوار الظاهرة مثل توزيع الشاي على الأطفال في فترة الغداء، واتخاذ القرار داخل المجموعات… إلخ! وهكذا تساعد المعلمة الأطفال على إنشاء علاقات داخل المدرسة معتمدة على الأطفال الآخرين وليس عليها.
8-محاولة تجنب فكرة أن الأطفال يسيئون السلوك بطبعهم:
تعتمد وسائل الضبط المستخدمة من قبل معلمة الروضة غالبًا على طريقة الشرح المبسط للسلوك المناسب أو مجموعة من الأسئلة المتتالية التي تبنى على فرضية أن الأطفال لا يمكن أن يقدموا على الخطأ وهم يعرفون، فالتربية اليابانية تنظر للأطفال أنهم غير قادرين على ارتكاب الأخطاء ولا يميلون للإيذاء.
وبالنسبة لطرق تعامل المعلمات في التعامل مع السلوك الخطأ، فإن التركيز على تعلم الطفل من خلال اللعب وإحساسه بمتعة التعلم في المدرسة هي المفتاح السحري للسلوك الجيد لدى الأطفال. إضافة إلى الارتباط العاطفي بين المعلمة والطفل والصداقة مع الأطفال الآخرين، كأنهم عاملين أساسيين للتمتع بالمدرسة. ومن التقنيات المستخدمة لبناء علاقة طيبة بين الطفل والمعلمة إبقاء المعلمة مع الطفل لسنتين أو ثلاث، كما تقوم المعلمة بزيارات متكررة لمنزل الطفل. كما تبذل المعلمات والإدارة جهودًا كبيرة في أول العام لبناء المجموعات وتقوية الصلات بين الأطفال داخلها، فتعقد لقاء لأمهات الأطفال في كل مجموعة بحيث تلتقي مجموعة الأطفال ومجموعة الأمهات في نفس الوقت.