“المشكلة والعلاج”
مقدمة
تتناول هذه المقالة العلاقة المثيرة للاهتمام الموجودة بين: القلق الاجتماعي، وصمت متعلمي اللغة الثانية (L2) في الفصول الدراسية، ويظهر صمت متعلم اللغة الثانية في عدة أشكال ووظائف مختلفة تظهر من خلال مسارات معقدة متعددة ومتزامنة، كما ترتبط بعض هذه المسارات بالعوامل النفسية والعاطفية التي تنجم عن التفاعل بين القضايا: الداخلية، والبيئية لمتعلمي اللغة الثانية، والتي بدورها تُدعِّم السلوك الصامت للطلاب المثبطين اجتماعيًّا.
كما أن القلق الاجتماعي هو خوف ملحوظ أو مستمر من التفاعلات الاجتماعية التي يمكن أن يلاحظها الآخرون؛ حيث يعاني الأشخاص القلقون اجتماعيًّا من مفهوم سلبي عن الذات؛ مما يؤدي إلى الخوف من أن يؤدي أداؤهم الاجتماعي إلى الإحراج من الآخرين.
ومن الجدير بالذكر أننا لا نعتبر القلق الاجتماعي ظاهرة منفصلة تمامًا عن القلق من اللغات الأجنبية، بل يوجد رابط مشترك بين: القلق الاجتماعي، والقلق اللغوي، خاصة وأن القلق اللغوي تتعدد مظاهره بتعدد مهارات اللغة، والتي يمكن توضيحه فيما يلي:
القلق من القراءة
قد تبدو القراءة أقل ما يسبب القلق لدى الطلاب الذين يتحدثون لغة أجنبية، فغالبًا ما تكون القراءة نشاطًا خاصًّا يتطلب شخصًا واحدًا بدلاً من شخصين أو أكثر لتكوين المعنى، والتي لا يمكن تقييمها بسهولة بالوسائل الخارجية، ومع ذلك فهناك جوانب من جوانب القراءة التي يمكن أن تسبب في القلق اللغوي، تتمثل في: السياق الثقافي غير المألوف، وعدم القدرة على خلق توافق بين “الرمز الصوتي” ونظام كتابة غير مألوف، وعدم القدرة على فهم المعنى السياقي للترجمة -على الرغم من معرفة الكلمات مفردة داخل النص-؛ وذلك لأن القلق من القراءة يعتمد على اللغة المستهدفة، وبشكل أكثر تحديدًا، على النظام الهجائي، كما أن من مسبباته عدم قدرة الجهاز الصوتي لقارئ اللغة الثانية على نطق كل الحروف أو المقاطع الصوتية في اللغة الثانية بشكل جيد يتماثل مع الناطقين الأصليين للغة.
وترتفع مستويات القلق من القراءة وفقًا لصعوبة القراءة في اللغة المستهدفة، وقد ينشأ القلق من القراءة من نقص المعرفة المناسبة باللغة الهدف؛ وذلك بسبب أن الفجوة في المعرفة الثقافية قد تترك الطلاب في حالة من التوتر حتى مع المعرفة النحوية والمفردات فهم يشعرون أنهم لن يصلوا إلى حالة جيدة من الإتقان في اللغة الهدف “اللغة الثانية”.
القلق من الاستماع
ينبع قلق الاستماع للغة الأجنبية من كثرة المعلومات التي لا يتمكن فيها الطلاب من التحكم في سرعة أو توصيل المدخلات اللغوية؛ مما قد يؤدي إلى سوء فهم محرج لهذه المدخلات اللغوية، ويتجلى هذا التخوف في معالجة معلومات أقل فاعلية، واسترجاع معلومات مشوشة، والتركيز المنخفض من الطلاب الذين يدرسون لغة أجنبية.
ويزيد القلق من الاستماع لمتعلم اللغة الثانية بسبب أن المدخلات اللغوية التي يستقبلها هذا المتعلم يصعب استرجاعها كما في القراءة مثلاً، فهي تمر عليه بسرعة، ولا يستطيع مراجعتها أكثر من مرة، كما أن مهارة التمييز السمعي لدى المتعلم ربما تخطئ في تمييز هذه المدخلات اللغوية، أو عدم القدرة على الربط بين هذه المدخلات، وتكوين أفكار كلية مترابطة ومتصلة.
القلق من الكتابة
في سياقات اللغة الثانية يمكن أن يؤدي القلق من الكتابة إلى اختيار الطلاب للتخصصات التي تتطلب قدرًا أقل من الكتابة وتوقعات منخفضة في الأداء الكتابي، كما أن هناك ثلاثة عوامل رئيسة خاصة بالقلق من الكتابة تتمثل في: انخفاض الثقة بالنفس في الكتابة، والمواقف السلبية تجاه الكتابة باللغة الهدف، والخوف من الكتابة والتقييم، كما يسهم الخوف من النقد السلبي (الخوف من التقييم وإظهار الكتابة للآخرين)، ومواقف الطلاب ووجهات نظرهم حول قدراتهم على الكتابة (الأداء الكتابي، والتصورات السلبية حول القدرة على الكتابة) في زيادة معدل القلق من الكتابة باللغة الثانية، وبالمثل يسهم الارتباط المحتمل بين: القلق من الكتابة في اللغة الثانية، والدوافع، والتصورات الذاتية للقدرة والكفاءة الكتابية في فصول اللغة الهدف في زيادة معدل القلق اللغوي لدى الطلاب في هذه الفصول.
القلق من التحدث
غالبًا ما يرتبط القلق اللغوي بالتحدث؛ لأنه ينطوي على التقييم الأكثر عمومية، وهو الشكل الرئيس للتواصل في الفصول الدراسية، وعلى هذا النحو ونتيجة لهذا يعتبر القلق من التحدث سببًا رئيسًا من أسباب القلق اللغوي، بالإضافة إلى القلق الاجتماعي الذي يمكن أن يؤثر في مهارة محددة للمتعلمين بشكل مستقل عن القلق اللغوي، كما يعتبر القلق من التواصل والخوف من التقييم الاجتماعي السلبي مكونان رئيسان لـلقلق اللغوي العام، وبالمثل تلعب اهتمامات التقييم الاجتماعي دورًا قويًّا في دعم صمت متعلم اللغة.
كما يجب أن نعيد التأكيد على النقطة التي مفادها أن القلق الاجتماعي ليس بأي حال من الأحوال بناءًا منفصلاً تمامًا عن القلق اللغوي، ولكنه يتداخل مع التصورات الذاتية والمعتقدات والمشاعر والسلوكات لـلقلق اللغوي ويغذيها؛ الأمر الذي يترتب عليه صمت متعلم اللغة، وانسحابه من الموقف اللغوي التواصلي.
كما أن القلق الناجم عن اللغة الثانية يظهر داخل وخارج فصول تعليم اللغة؛ مما يدعم تصورًا مزدوجًا للقلق من التحدث بلغة أجنبية في المواقف التي تكون فيها اللغة المستهدفة هي أيضًا لغة الاستخدام اليومي، فغالبًا ما يتجنب الطلاب الاتصال بالعين مع المعلم حتى لو كانوا واثقين من الموضوع وذلك لتجنب تعرضهم للانتقاد أو التصحيح من قبل المعلم.
القلق اللغوي الاجتماعي وصمت متعلم اللغة
بافتراض أن القلق الاجتماعي ينبع من المعتقدات السلبية حول الذات والعالم الاجتماعي للفرد، وأن هذه المعتقدات غير الصحيحة تجعل الأفراد يفسرون مواقف اجتماعية معينة بطريقة سلبية للغاية، وتوجد أربعة عناصر متفاعلة ديناميكيًّا تسبب القلق الاجتماعي، تتمثل في: (التنبؤات المخيفة، والاهتمام الذي يركز على الذات، وسلوكات السلامة، والأعراض الجسدية / المعرفية) وتعمل هذه العمليات معًا للحفاظ على قلق الشخص أثناء اللقاءات الاجتماعية وبالطبع تجدر الإشارة هنا إلى أن فصل اللغة يمثل حالة أداء اجتماعي عامة للغاية يكون فيها سلوك الفرد وأقواله منفتحة على نقد الآخرين، ويمكن تناول هذه العناصر فيما يلي:
أولاً: التنبؤات المخيفة
تعرف التنبؤات المخيفة باسم معتقدات الخوف الاجتماعي، والتي ترتبط باعتقاد الفرد القلِق اجتماعيًّا بأن أداءه الاجتماعي ليس بالمستوى المقبول، وأن من المرجح أن يتم الحكم عليه بقسوةٍ من قبل الآخرين، مع اعتبار أن أي قصور ينظر إليه على أنه مؤشر على ضعف الفرد، كما أن مفهوم الذات السلبي ومعتقدات العمل الاجتماعي يمكن تميزهما إلى ثلاث فئات: (1) معايير عالية للغاية للأداء الاجتماعي، (2) معتقدات مشروطة تتعلق بالتقييم الاجتماعي، (3) معتقدات غير مشروطة عن الذات، وهناك موضوع قوي يتمثل في الكمال غير الواقعي لمتعلمي اللغة الهدف.
ثانيًا: الاهتمام الذي يركز على الذات يصرف انتباه متعلم اللغة إلى الصمت
يبدو أن معتقدات الخوف الاجتماعي لدى متعلمي اللغة القلِقين اجتماعيًّا يتم الحفاظ عليها جزئيًّا من خلال زيادة التركيز على الذات أثناء مواقف التواصل في الفصل الدراسي، وعندما يدخل القلق الاجتماعي في موقف يحمل إمكانية التقييم السلبي من قبل الآخرين يتحول انتباه المتعلمين إلى الداخل نحو مراقبة صورتهم الذاتية، وكيف ينظر الآخرون إلى صورتهم الذاتية.
لهذه المعالجة المتزايدة للذات -ككائن اجتماعي- إشكالية؛ لأنها توجه الانتباه نحو استجابات القلق المخيفة (المبالغة في التأكيد عليها)، وتتداخل مع المعالجة الموضوعية للتغذية الراجعة من البيئة الاجتماعية، وبالتالي فإن المتعلم القلق اجتماعيًّا سيبالغ عادة في تقدير مدى ظهور أعراض القلق لديه للآخرين، والتي تغذيها الأفكار التقييمية الاجتماعية السلبية، كما تؤدي فرط الحساسية لدى المتعلم لتفاعلات الأقران إلى استنزاف الانتباه للانشغال بإدارة الانطباع والإحجام عن جذب المزيد من الاهتمام غير المرغوب فيه.
ثالثًا: سلوكات السلامة: يتجنب متعلم اللغة القلق من خلال السلوك الصامت
يسهم القلق اللغوي الاجتماعي في اتخاذ المتعلمين مجموعة من سلوكات السلامة المختلفة من أجل محاولة تجنب التقييم السلبي خلال المواقف المخيفة، وتتمثل سلوكات السلامة هذه -على سبيل المثال- في: تجنب طرح الأسئلة على المعلم، وبدء الحديث بدقة، وهذا النمط من السلوك يتجلى بوضوح في بيانات ملاحظة الدراسة وقد كان هناك تكتيك شائع للتقليل من التحدث يتمثل في تقديم إجابات أقصر من كلمة واحدة فقط عندما يدعو المعلم الطلاب للتحدث، ويلقى مثل هذا السلوك الساعي إلى الصمت دعمًا قويًّا على مستوى حالة المتعلم القَلِق اجتماعيًّا، وبالنسبة لبعض المتعلمين القلِقين اجتماعيًّا يبدو أن وضع الجلوس يلعب دورًا رائدًا في سلوكهم الباحث عن الأمان، كما أن تصميم المقاعد يمكن أن يؤثر بشكل رئيس في الديناميكيات بين الأشخاص في فصول اللغة مع ترتيبات الصفوف حيث يتم إحباط التواصل بين الأقران.
علاج مشكلة القلق الاجتماعي اللغوي
أولاً: تقليل مخاوف التواصل، وذلك من خلال:
- توفير فرصة كبيرة للطلاب لممارسة اللغة الأجنبية الشفوية.
- السماح للطلاب بممارسة الحديث الذاتي قبل أن يتحدثوا في مواقف حقيقية في الصف.
- تجنب إشراك الطلاب في أنشطة التحدث التي تضعهم “على الفور” أمام أقرانهم دون السماح بالإعداد المسبق.
- تجنب المواقف التي يكون فيها الطلاب قلِقين للغاية.
- التركيز في المواقف التواصلية على الرسالة التي يحاول الطالب توصيلها بدلاً من التركيز على دقة قواعد الطالب ونطقه.
- الإكثار من الأنشطة التي ينظر إليها الطلاب عادة على أنها تسبب القلق، على سبيل المثال:
- لعب الأدوار العفوية أمام الفصل.
- التحدث أمام الفصل.
- عروض شفهية أمام الفصل.
- تقديم حوار أمام الفصل.
- كتابة العمل على السبورة.
ثانيًا: تقليل خوف المتعلمين من التقييم السلبي
- دع الطلاب يركزون على أداء المهام بدلاً من تقييم أدائهم بعد الانتهاء من المهمة.
- عند تقييم عمل الطلاب قم بعمل التصحيح والدرجات مع التركيز على ملاحظة النجاحات بدلاً من الإخفاقات.
- تعامل بشكل صحيح مع أخطاء المتعلم، وذلك باعتبارها مرحلة من مراحل التعلم؛ وصولاً إلى الشكل اللغوي السليم.
- أخبر الطلاب أنهم سيرتكبون أخطاء طوال عملية تعلم اللغة الأجنبية.
ثالثًا: تقليل فترات صمت متعلم اللغة
- إشراك المتعلم في أنشطة لغوية متعددة ومتباينة؛ لتوفير فرص الممارسة اللغوية.
- تقليل الوقت المتاح لكلام المعلم داخل الصف، في مقابل زيادته بالنسبة لمتعلم اللغة.
- الإكثار من المهام اللغوية التواصلية التي تضع متعلم اللغة في مواقف حقيقية تواصلية.
- تقديم الطلاقة اللغوية على جانب الصحة والإفراط في تعلم القواعد، وخصوصًا في المراحل الأولى لتعلم اللغة الثانية.
- عدم التركيز على الأخطاء اللغوية للمتعلم مع الإفراط في تصويبها له، بل ينبغي النظر إليها على أنها مرحلة من مراحل اكتساب اللغة.
- إتاحة الفرصة للتقييم الذاتي أكثر من تقييم المعلم أو تقويم النظير والأقران.